ما يجري الان هو تنفيذ لخارطة عالم عربي مجزأ وضعها برنارد لويس في الثمانينات

تعدت الازمة السورية كونها مسألة اصلاح نظام سياسي او تغييره حتى اجتثاث حزب البعث، بل قضية تدمير الدولة السورية، كما هي حال الدول التي شهدت تحولات او ثورات او انتفاضات، الى كل المسميات التي عرفتها المجتمعات العربية، فكان التدمير والتفتيت والاقتتال، ولم يحدث في اي من الدول اي تغيير بدءا من تونس التي كانت «ام الثورات» مرورا بمصر التي كانت الدولة الثانية التي يسقط فيها النظام ويتهاوى حكم حسني مبارك كما حصل مع زين العابدين بن علي ومن بعدهما معمر القذافي في ليبيا الذي قضى قتيلا الى علي عبدالله صالح الذي نجا من انفجار استهدفه اثناء تأديته الصلاة في المسجد وقبل كل هؤلاء ما حل في العراق الذي احتله الاميركيون واعدموا رئىسه صدام حسين، واطلقوا السلطة لاحزاب دينية فعززوا الانقسام المذهبي واشعلوا الصراع السني - الشيعي، وتم تهجير المسيحيين، واستقر الاكراد على حكم ذاتي هو بداية دولة يحلمون بها تمتد على طول المساحة الممتدة من ايران الى تركيا وسوريا، وهو الحلم الذي لم يحققوه عندما تم تقسيم المنطقة قبل قرن في اتفاقية سايكس - بيكو، ورسم حدود الكيانات السياسية التي كان مخططا لها ان تكون طائفية ومذهبية، لكن الوعي القومي والنهوض الوطني والدعوة الى قيام وحدة بلاد الشام التي كرسها المؤتمر السوري الاول، افشل مشروع الدويلات الطائفية والمذهبية ليعود بعد مئة عام ليطرح من جديد.
فالادارات الاميركية المتعاقبة تنفذ مشروع التقسيم للعالم العربي، وقد وضع خططه من جديد الصهيوني برنارد لويس الذي نشر في مطلع الثمانينات من القرن الماضي خريطة جديدة للشرق الاوسط، تقسم فيها كل الدول من شمال افريقيا الى مصر والسودان مرورا بالمغرب العربي والجزيرة العربية وصولا الى المشرق العربي، حيث تبين هذه الخريطة ان ما من دولة قائمة حاليا قد نجت من التجزئة والتفتيت على قواعد طائفية ومذهبية واتنية وعشائرية، وهو المخطط الذي كان مرسوما للبنان مع اشعال حربه الاهلية، حيث ارتسمت في ما بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان صيف عام 1982، بدايات رسم «الكانتونات» التي كان الجبل مدخلا لها، من خلال اذكاء حرب طائفية بين الدروز والمسيحيين ادت الى تهجير المسيحيين الى خلف خط الشام الى جبل لبنان الشمالي والدروز الى جبل لبنان الجنوبي عبر استعادة زمن المتصرفية التي قامت اثر المذابح التي حصلت بين الدروز والمسيحيين ما بين 1840 و1860.
فالعدوان الاميركي المرتقب على سوريا، الهدف الاستراتيجي منه، هو اسقاط دمشق بيد المعارضة المسلحة التي في اكثريتها من الجماعات والحركات الاسلامية المتشددة، والدفع بالرئيس السوري بشار الاسد الى اللجوء مع مؤىديه الى الساحل السوري، حيث الاكثرية العلوية، وهو المشهد اللبناني نفسه في اثناء الحرب الاهلية يتكرر في سوريا، اذ تجمع المسيحيون ما بين جسري كفرشيما والمدفون على مساحة 2000 كلم2 وخرجوا من الاطراف الا من كان منهم متحالفا مع سوريا ومناهضا لمشروع التقسيم، وحفظتهم القوات السورية في الشمال والبقاع.
وهذه القراءة لمصادر دبلوماسية وسياسية متابعة لما ينتظر سوريا من العدوان هو رسم لخارطتها، لان المخططين لتقسيمها واضعافها، اغضبهم سقوط القصير وريفها وقبلها باب عمرو ثم الخالدية ليسيطر النظام السوري على محافظة حمص التي منها تم افشال التقسيم الذي ربط الساحل السوري بدمشق، وان معركة الغوطة الشرقية التي تقدم بها الجيش السوري تحت عنوان «درع دمشق» شكلت ضربة ثانية لمشروع التقسيم، بعد ان تم قطع التواصل بين العاصمة ودرعا التي يراد منها ومع العدوان على سوريا، ان تنطلق منها عملية تحرير دمشق واسقاط النظام عبر تجهيز فرق قيل انها من «الجيش السوري الحر»، لتقوم بعملية برية مع الكتائب المسلحة الاسلامية التي ما زالت متواجدة في بعض مناطق الغوطة الشرقية، وباشراف غرفة عمليات لضباط اميركيين وفرنسيين وعرب، ويتم الاستعاضة عن نزول الجيش الاميركي على الارض بقوات من الجيش الحر موجودة عند الحدود مع الاردن، وتكون الضربات العسكرية الاميركية هي الغطاء لتقدم معارضي النظام ودفع اركانه الى الاستسلام.
فلن يكون مصير سوريا مع العدوان عليها، افضل مما حصل في العراق بعد احتلاله من القوات الاميركية وحلفائها، والذي يعيش حرباً اهلية، او السودان الذي اصبح دولتين في الشمال والجنوب، او اليمن الذي عاد يمنين، وفلسطين المحتلة التي فيها حكمان لسلطة تحت الاحتلال في الضفة واخرى تحت حكم «حماس» في غزة، او لبنان الذي عادت اليه حربه الاهلية على« صفيح ساخن من التحريض المذهبي، او مصر المهددة بالارهاب والتفكيريين كما هو واقع تونس والجزائر وليبيا.
انها صورة قاتمة مرسومة لسوريا، وقد ينجح المخطط المعد لها وقد لا ينجح، ويبقى صمود الدولة السورية موحدة بجيشها ومؤسساتها، هو من يفشل العدوان ويمنع التقسيم.