أوباما... كِشْ ملك

ابراهيم شعيب

حسناً فعلت سورية بقبولها للمقترح الروسي بوضع سلاحها الكيمائي تحت الرقابة الدولية، فهي أصابت بموقفها هذا عصفورين بحجر واحد.
هي أكدت أولاً على موقفها الدائم بأنها تعمل تحت الشرعية الدولية وضمن الإجماع الدولي والتي روسيا هي جزء منه وأنها لا تخضع للموقف الأحادي للولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول.
وهي ثانياً أحرجت الرئيس الأميركي باراك أوباما أمام الرأي العام الدولي وحشرته في خانة لا يستطيع خلالها سوى القبول بالمقترح الروسي فأجادت سورية لعب دورها في مباراة الشطرنج الدولية واستطاعت أن تقول لأوباما "كِشْ ملك" وتجعله عاجزاً أمام خياراته التي ضاقت كثيراً خلال الأيام الماضية.
استطاعت سورية أن تستفيد من الوقت الضائع بعكس واشنطن، فهي إستغلت النفوذ الروسي من جهة ومن معارضة بعض الدول للضربة الأميركية وإستياء الشعب الأميركي ومعه الأوروبي من مغزى الحروب التي خاضتها دولهم في المنطقة ومدى جدواها من جهة أخرى، ناهيك أن غباء المجموعات المسلحة في سورية وقيامها بالإعتداء منذ ايام على بلدة "معلولا" السورية وذات الأغلبية المسيحية وإظهار الوجه الطائفي البشع في قتلها للمدنيين أكد على أن الخطر الحقيقي يكمن في توجهات تلك المجموعات الفكرية وليس من السلطة الحاكمة في دمشق.
مخطئ من يعتقد بأن المخرج الروسي هو وليد اليوم، فلا شك أن التوصل لهذا القرار سبقه نقاشات عديدة ومقترحات كثيرة تلت المؤتمر الأخير لأوباما حينما أعلن عن نيته الرجوع الى الكونغرس الأميركي والذي تبين اليوم أنه كان لإعطاء فترة زمنية من المفاوضات من أجل الخروج من المأزق الذي وضع نفسه فيه.
وبحسب مصادرنا فإن سلّة المفاوضات شملت أموراً عديدة وليس فقط السلاح الكيمائي ومنها ما يتعلق بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ومحاولة أميركا دفع الجانب السوري ليكون جزءاً منها مقابل أن تعطي أميركا الضوء الأخضر بتصفية المجموعات المسلحة في سوريا وعودة العلاقات العربية –العربية الى سابق عهدها أي ما قبل الأزمة السورية.
مصدر سوري رفيع المستوى أكد لنا أن سورية رفضت تلك المقترحات وأصرّت خلال تفاوضها مع الروس على أن ما سبق لدمشق أن رفضته قبل الأزمة لن تقبل به بعدها، وأنها غير مستعجلة على إعادة نسج العلاقات مع الدول التي ساهمت بشكل كبير في تكريس الإرهاب في سوريا ودعمه وتركت الباب مفتوحاً أمام موضوع السلاح الكيمائي للتباحث حوله لإيمانها بأنه لا يشكل حاجة استراتيجية لها خصوصا في موضوع الصراع مع اسرائيل حيث تبين أن مواجهة اسرائيل وحتى خوض الحرب معها لهما أساليب متعددة وكثيرة قد تكون أنجح من فعالية السلاح الكيمائي فأصبح ذلك السلاح من وجهة نظر سورية هو لزوم ما لا يلزم وبالتالي فإن التخلص منه مقابل دفع شبح الحرب عن أراضيها أصبح واجباً قومياً بإمتياز.
الوهم الأميركي ومن ورائه الإسرائيلي بضرب القدرة العسكرية لسورية والعمل على إضعاف النظام فيها تبدد وإنتقلت أميركا اليوم من موقف الهجوم الى موقف غسل ما تبقى من ماء الوجه، وسياسة الأحادية الاميركية ولّت الى غير رجعة، وأثبت سورية ومعها دول الممانعة خصوصاً ايران المدعومين بالموقف الروسي أن زمن الهزائم قد ولّى وأن ما ستنتجه الأيام القادمة من إنتصارات ستفوق قدرة الكثيرين ممن تخيلوا يوماً أن مشروع المقاومة في المنطقة سيسقط وأن المخاض الأميركي سيولد، وأجهضت دمشق الحمل غير الشرعي لواشنطن من داخل المستشفى الروسي.