الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية تشجّعان على إقامة مجلس التعاون المشرقي

أحمد مرعي

خريف عام 1939، كانت اوروبا مسرحا لمعارك طاحنة جرفت في تيارها معظم دول العالم، وألقت بالبشرية في اتون حرب عالمية كلفت الشعوب ملايين القتلى والجرحى والمشوهين. وكانت هذه الحرب فرصة لدراسة اسباب فشل عصبة الامم والتفكير في اعداد تنظيم عالمي جديد يقوم على دعائم واسس اقوى. وما ان وضعت الحرب اوزراها حتى كانت هيئة الامم المتحدة منتصبة على قدميها.
نشأت منظمة الامم المتحدة من اجل تحقيق اهداف وغايات معينة، وقد قررت شعوب الامم المتحدة العمل على تحقيق هذه الاهداف.
ونشأت جامعة الدول العربية الى جانب منظمة الامم المتحدة في ظل ظروف اقليمية وعربية محددة. فعلى الصعيد الاقليمي برز الخطر الصهيوني على فلسطين. اما على الصعيد العربي فقد كان هناك صعود واضح لتيار “العروبة” فكريا وسياسياً، واراد البعض لهذه المنظمة ان تكون تجسيدا لآمال العرب وطموحاتهم في “الوحدة”، فنشأت الجامعة لضم دول العالم العربي في منظمة اتحادية واحدة، ولتحقق اهدافاً عديدة تتلخص في الآتي:
صون استقلال الدول العربية من الاطماع العدوانية والاستعمارية، المحافظة على الامن العربي، تحقيق التعاون بين الدول العربية وتوثيق الصلات بينها في الشؤون الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والمالية.
منذ فترة زمنية وجيزة، كشف رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب اسعد حردان، في مؤتمر صحافي، عن مبادرة دعا فيها الى انشاء مجلس تعاون مشرقي يجمع دول بلاد الشام والعراق يستند الى العامل الاقتصادي ويكون العمود الفقري فيه، ويحقق المصالح العليا للشعب في دول المنطقة.
ولكن السؤال هو: هل يتناقض انشاء هذا المجلس مع منظمة الامم المتحدة وجامعة الدول العربية؟
في ظل نشوء التجمعات الاقتصادية: الاتحاد الاوروبي، الاتحاد الافريقي، مجلس التعاون الخليجي… ظلت منطقة بلاد الشام والعراق ترزح تحت وقع مفاعيل اتفاقية سايكس – بيكو، مشرذمة ومتفرقة، وهدفا سهلا لكل المخططات والمشاريع الخارجية التي انهكتها واستنزفت طاقاتها وامكاناتها، ومنعتها في الوقت ذاته من الاستفادة من موقعها الاستراتيجي عبر ربطها وتقييدها بانشاء كيان غريب عنها وفي قلبها يبقيها في حالة قلق دائم لما يتطلب من مواجهة واستعداد.
ان انشاء مجلس تعاون مشرقي يجمع دول بلاد الشام والعراق لا يتناقض في اهدافه مع اهداف منظمة الامم المتحدة وجامعة الدول العربية.
هل انشاء مجلس التعاون المشرقي يتعارض مع ميثاق الجامعة العربية؟ نص ميثاق الجامعة في المادة التاسعة منه على ما يلي: “لدول الجامعة العربية الراغبة في ما بينها في تعاون اوثق وروابط اقوى مما نص عليه هذا الميثاق، ان تعقد في ما بينها من الاتفاقات ما تشاء لتحقيق هذه الاغراض. والمعاهدات والاتفاقات التي سبق ان عقدتها او التي تعقدها في ما بعد دولة من دول الجامعة مع اية دولة اخرى لا تلزم ولا تقيد الاعضاء الآخرين”.
وفي هذا النص ايضا ما يؤكد ان جامعة الدول العربية منحت الدول المنضوية فيها حرية التحرك السياسي والعمل بما يحقق لكل دولة مصالحها. وقد استند مجلس التعاون الخليجي في تأسيسه الى نص هذه المادة.
ان انشاء مجلس التعاون المشرقي خطوة متقدمة تحقق مصالح الشعب في هذه المنطقة في جميع المجالات، وجاءت الدعوة الى انشائه ادراكا من قيادة الحزب القومي لما يربط بين شعب بلاد الشام والعراق من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وايمانا بالمصير المشترك ووحدة الهدف، ورغبة في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط في ما بينها في جميع الميادين.
كما انه يرفع مستوى التنسيق بين الدول العربية، ولا سيما ان هذا المجلس لا ينتزع أي مهام او اختصاصات تضطلع بها منظمة الامم المتحدة والجامعة العربية، وقيامه هو تطبيق للفقرة 52/1 من ميثاق الامم المتحدة، وكذلك للمادة 9 من ميثاق الجامعة العربية.
باحث في الشؤون الدولية