الحل العسكري لا السياسي في سوريا

نبيه البرجي

لا، لا مجال للمقارنة بين رقصة الدراويش ورقصة القبائل…
بالحرف الواحد تحدث الاخضر الابراهيمي امام صديق عتيق عن «رقصة القبائل في سوريا». كل قبائل ايام زمان تلعب هناك. الآن السواطير بدل السيوف، والهمجية بدل المروءة. وبالحرف الواحد ايضا تحدث عن «سقوط العرب في سوريا».
كم يبدو لاهثاً ويائساً. وحين قيل له انك امام مهمة سيزيفية، اجاب «لا، لا، سيزيف كان يحمل صخرة واحدة، وعليك ان تتصور كم صخرة عليّ ان احمل. الحقيقة انني لا اعرف. تعلم ان اهل النظام لا يكنون لي اي ود، لكنني اتفق معهم في ان ما يحدث في بلادهم حرب كونية بما تعنيه الكلمة».
ولعله سمع جعفر الشهال، نجل داعي الاسلام الشهال الذي اذ تحدث عن عدد المجاهدين اللبنانيين في قلعة الحصن وبعض المواقع الاخرى، تحدث ايضا عن «الاخوة الشيشان، والاخوة الداغستان» وعن كل الاخوة الآتين من اصقاع الارض لكي يرفعوا لواء الاسلام في بلاد الشام التي لطالما كانت موئلاً، ودمشق بالذات، للآتين من القوقاز او من آسيا الوسطى، وصولا الى المغرب العربي، لكي يدرسوا الاسلام، بل وصفاء الاسلام الذي حتماً يمثله محيي الدين بن عربي لا ابو محمد الجولاني الذي جعل حتى المقدس يتقيأ الدم…
كنا في هذه الزاوية اول من تساءل ما اذا كان المبعوث الاممي، ومنذ ان انيطت به تلك المهمة المستحيلة، يطرح حلاً للازمة السورية على غرار اتفاق الطائف الذي وضع حداً للحرب في لبنان. الآن، بدا الابراهيمي الذي طالما وصف بأنه رجل التسويات الآنية، والقابلة للعطب او للاشتعال عند اي مفترق، وكأنه خائف من ان يقول له احد المسؤولين اللبنانيين «انظر ما فعلته يداك». نصوص دستورية ملتبسة تستشف منها البهلوانية في الصياغة، ربما لان الذين فعلوا ذلك كانوا يدركون، وكما قال محمد حسنين هيكل منذ اكثر من 40 عاماً ,ان لبنان هو بلد الازمات الدائمة والتسويات الدائمة…
وعندما نقل الينا مستشار احد المراجع كيف تحدث الابراهيمي الذي بدا وهو يجرجر قدميه وســط ذاك المشهد العبثي، استنتجنا هذه الحـقيقة القاطعة، وهي ان الحل في سوريا لا يمكن ان يكون سياسيا. لا بد ان يكون عسكريا مع الانهيار الدراماتيكي للمعارضة.
الابراهيمي قال ان « داعش» لن تدعى الى مؤتمر جنيف-2. ولكن اي جنيف من دون « داعش»؟ هل يعتقد ان احمد العاصي جربا، او جورج صبرا، او هيثم الملاّح، او سليم ادريس، له موطىء قدم على الارض؟
الاكراد وحدهم استطاعوا ان يدحروا جحافل تنظيم «دولة العراق والشام». وكلنا ندرك مدى بطولة، ورجولة، الاكراد وكيف يتوحدون في الطريق،وعندما يصلون الى آخر الطريق يتبعثرون. قال لنا ذلك في التسعينات رجل يعتبر اليد اليمنى لعبد الله اوج آلان. العرب في الشمال السوري وفي الشرق السوري مشتتون. لا ريب في ان الاستخبارات التركية لعبت دورا اساسيا في هذا المجال. هكذا راحت «داعش» تتقدم كما لو انها النار في الهشيم. اجل الهشيم البشري…
تبدو الحيرة الاميركية والاوروبية واضحة حيال الحل في سوريا. ثمة من يتهم ادارة باراك اوباما بأنها لم تغسل يديها فقط من الخيار العسكري، بل ومن الخيار الديبلوماسي. قالت سوزان رايس ما معناه ان لدى اميركا ملفات تفوق بحساسيتها كل ملفات الشرق الاوسط. حتى ان مراسلاً انكليزياً بارزاً قال لنا «انتم الذين ارهقتم السماء بزجها في كل تفاصيلكم وصراعاتكم ارهقتم اميركا ايضاً». حقا، لقد ارهقنا اميركا. وكادت مستشارة الامن القومي ان تقول ذلك، وتقول ايضا….تدبروا امركم!
البعض يقول «هذا نظام لا يستطيع الا ان يكون هكذا. لا مجال لاصلاحه بنيوياً، وكل ما يحكى خلاف ذلك هراء»، اي ان اي تسوية سياسية ستكون غير قابلة للتطبيق في حال من الاحوال. لنفترض ان هذا صحيح، وقد يكون صحيحا فعلا. ولكن لعلنا نكشف ما قاله وزير سوري للابراهيمي «هل تطلب منا تسليم السلطة الى ابي بكر البغدادي؟».
ونقل الينا انه عندما قال المبعوث الاممي «لا، لا، هذا غير معقول»، كان تعقيب الوزير السوري «يبدو ان اصدقاءك الاميركيين والاوروبيين لا يزودونك بالمعلومات التي يفترض ان تكون بين يديك لترسم خارطة الطريق لمهمتك».
اذاً، وكما قلنا سابقا ان الابراهيمي الذي يمارس مهمته على طريقة رقصة الدراويش انما يترنح داخل رقصة القبائل. يشكو انه كان يتمنى لو انهى حياته الديبلوماسية بالفشل، ولكن دون ان يواجه بكل تلك الاهانات. المملكة العربية السعودية اقفلت الباب في وجهه، ورجب طيب اردوغان عامله كما لو انه يبيع الوقت لمصلحة النظام في سوريا…
ثمة ازمة على مد النـظر. لا مجــال لاي تسوية دون السعودية التي تعتبر ان هذه التـسوية لا تبدأ من اول الطريق بل من آخر الطريق. يفترض ببشار الاسد ان يرحـــل اولا وبعد ذلك تجـــلس الاطراف الى الطـــاولة. اي اطراف؟ لا مشـــكلة هنا فقد قدمت كل الاغراءات لحركة «طالبان» مـــن اجل التفاوض. لماذا لا تقدم الاغـراءات الى «داعش» ايضا؟.
هذه ليست اجواء تســـوية. هناك من لا ــيزال يقرع الطبول بالرغم من اقــــتناعه بأن «داعش» التي اصبحت عند البوابات التركية ستغدو، ذات يـوم، عند كل البوابات الاخرى. ماذا عن «جبهة النصرة» وكل الجماعات الاسلامية الاخرى؟ هذه قـصة طويلة. وعلى سيزيف الجزائري الذي يجرجر قدميه، ان يحمل كل تلك الصخور ويضعها على الطاولة..