تقرير مفصل ووقائع ميدانية: الجيش السوري بدأ عملية استعادة السيطرة على دير عطية

مع غروب شمس يوم الإثنين، كانت الإستعدادات على أشدها لدى وحدات الجيش السوري لبدء عملية اقتحامات واسعة داخل أحياء وشوارع مدينة دير عطية، تعزيزات ضخمة أتمت تمركزها في نقاط محددة سلفاً، جهوزية عالية تجلت في حضور ملحوظ لوحدات القوات الخاصة، تحرك للمشاة يتوزع على مواقع متقدمة كان الجيش قد استعادها نهاراً، حركة غير عادية للضباط الميدانيين المزودين بخرائط الكترونية عالية الدقة لشوارع وأحياء المدينة، معززة بمعلومات كاملة ووافية عن كافة تحركات وتموضعات المسلحين بداخلها، ولا ينقص سوى ساعة الصفر التي لم نستطع معرفتها أو تحليلها، لكنها ساعة بين منتصف الليل وطلوع الفجر ولعل دوي أصوات القذائف والاشتباكات العنيفة مع لحظات إنهاء كتابة هذا التقرير دليل على أنها أقرب إلى الانطلاق بعد منتصف الليل منه الى صباح اليوم.
الصورة الميدانية في بلدة دير عطية، هي الأكثر تعقيداً على خريطة محاور الإشتباكات العنيفة المشتعلة، بين الجيش السوري والمسلحين في منطقة القلمون، فأهمية البلدة وموقعها الاستراتيجي على الأوتوستراد الدولي وارتباطها الموازي بأوتوستراد حسية، الخاص بالشحن البري، والذي يعتبر من أهم طرق الإمداد الرئيسية في المنطقة، بالإضافة إلى اكتظاظها بالمدنيين من أهاليها المقيمين والنازحين إليها من مناطق أخرى، جعل من عملية دير عطية العسكرية بالنسبة للجيش السوري، كما يؤكد ضباط ميدانيون لسلاب نيوز، إحدى أكثر العمليات حاجة للدقة والتركيز وتنسيق الهجمات بشكل مدروس وفعال بما لا يضع المدنيين في دائرة الخطر، ولا يسمح للمسلحين بالتموضع في المواقع التي اتخذوها مراكز لهم داخل البلدة.
هذا الواقع الدقيق والحساس استدعى قيام الجيش باستخدام كافة الوسائل التكنولوجية في الرصد والتحديد والتحرك والاستهداف بناء على إحداثيات دقيقة للمباني والمراكز التي يتحصن فيها المسلحون ويقومون باستخدامها نقاط انطلاق لمهاجمة مراكزه، أو مراكز ثابتة للقنص والقصف، ثم عند بدء هجمات الجيش ينسحبون إلى مواقع أخرى داخل البلدة، بعكس انسحاباتهم السابقة، تكتيكياً، الى خارجها.
توزعت وحدات الجيش السوري التي تحاصر البلدة وتنفذ عمليات اقتحام بطيئة ومدروسة على الأوتوستراد الدولي من جهة قارة، ونقاط تمركز الفرقة الثالثة الموجودة فيها أصلاً، وفي مراكز الوحدات الموجودة لجهة جامعة القلمون والمشفى الجامعي وصولاً إلى مشفى باسل الأسد عند المداخل الجنوبية لدير عطية، وفي الجهة المقابلة لمنطقة الفيلات التي يتحصن فيها عدد كبير من المسلحين.
يشكل موقعي مشفى باسل الأسد وتمثال الرئيس الراحل حافظ الأسد نقطتي ارتكاز مهمتين في معركة دير عطية لوقوعهما على تلال تشرف على المدينة، يستطيع الجيش من خلالهما أن يرصد كافة تحركات المسلحين لذلك عملت وحدات الجيش سريعاً على تأمين محيط مشفى باسل الأسد مع بداية المعارك في البلدة وأنجزت اليوم عملية تأمين المحيط بالكامل، وتعزيز الوحدات المتواجدة في تلك النقطة بشكل كبير.
تثبيت الجيش السوري السريع لنقاط تمركزه في محيط البلدة وعلى مداخلها، سمح لوحداته بالتقدم لاحقاً داخل البلدة واستطاع في عملياته المستمرة منذ أيام، التقدم على خط أفقي بعمق ٤ نقاط (كتل سكنية) و٨ نقاط عرضية، الأمر الذي يعني بدء الاستعداد لعمليات تمشيط بالمشاة المعززين بالمدرعات في عمق البلدة خاصة بعد سيطرته على ما يقارب الأربعين بالمئة من مساحة البلدة.
التقدم من الجهة الجنوبية لا يعني أن الوصول إلى وسط البلدة سيكون سهلاً من تلك الجهة، خاصة مع تمركز أعداد كبيرة من المسلحين في منطقة الفيلات التي يتوقع الضباط الميدانيون أن تواجههم فيها معارك شرسة من قبل المدافعين، أما من جهة الشارع الرئيسي للبلدة والمؤدي إلى محيط المخفر فقد شهد عصر أمس اشتباكات عنيفة على خط السكة المؤدي إلى منطقة لجمعيات القديمة حيث اتخذت المجموعات المسلحة منها مركزاً لها.
مسلحو الجيش الحر الذين اتخذوا من مقر الجمعيات مركزاً لهم، سارعوا الى استخدام مستودعاتها مخزناً لأسلحتهم وذخيرتهم، فيما فضل مسلحو النصرة استخدام عمارة الدغري في ساحة الشقطي مقراً لأميرهم وحولوا المطعم الموجود في القبو إلى سجن أكد مواطنون من البلدة أنه يحوي رهائن تم اعتقالهم فور دخول المسلحين إلى البلدة.
المواطنون الذين أكدوا لسلاب نيوز على مطلب تسريع دخول الجيش الى البلدة مع بدء نفاذ الأدوية وارتفاع عدد الجرحى، وانعدام الأمن نتيجة لممارسات المسلحين ومن يؤازرهم بداخلها، عبروا عن ندمهم على استقبال بعض النازحين من مدينة قارة الذين سارعوا الى حمل السلاح ومساندة الإرهابيين على حد قولهم فور سيطرتهم على البلدة.
وأوضح مواطنون استطعنا التواصل معهم أن المسلحين حولوا العديد من الأبنية والورش الى مراكز قتالية ومنها مبنى «قطاعة الأمانة»، على مفرق الجريجير الذي تم تحويله الى مستودع للذخيرة والسلاح.
أما قناصو المسلحين فقد تمركزوا في الأبنية، جنوباً في منطقة الرابية التي حولوا جزءاً كبيراً من محالها الى مستودعات للأسلحة والذخائر، وعلى مدخل السوق لجهة دوار المنهل حيث يستخدمون منبيين قيد الإنشاء كمراكز للقنص، فيما أقاموا مستشفاً ميدانياً في عيادة طبيب محلي قريبة من المكان.
منطقة المزارع التي شهدت عمليات عسكرية طوال الفترة الماضية، أصبحت تقريباً تحت سيطرة الجيش السوري الذي يسعى لإنهاء العمليات فيها خلال الساعات القادمة، في الوقت الذي كانت وحداته تواصل عملياتها لجهة المبنى البلدي والمخفر وتتقدم بشكل مدروس باتجاههما، خاصة مع وصول تعزيزات اضافية من القوات الخاصة التي يتوقع أن تبدأ عملياتها في المنطقة بسرعة، مع إصرار الجيش على حسم المعركة في دير عطية بأقل قدر من الخسائر في صفوف العسكريين والمدنيين على السواء، وإعادة فتح الطريق الدولي بين دمشق وحمص.