العرب وتقسيم تقسيم المُقسَّم

رانية عبد الرحيم المدهون
بعد أن قسَّمت الامبرياليَّة العالميَّة الوطن العربي إلى دويلات؛ وبعد أن استمرأت التقسيم إلى تقسيم المقسَّم؛ وبعد أن قسَّمت المقسم إلى فروع أصغر فأصغر؛ من نزاعات، وانفصالات، وإثنيّات، وقبائل داخل القُطر الواحد، بدأت مرحلة جديدة من التقسيمات؛ وهي مرحلة تقسيم تقسيم المقسَّم!
لقد تم تغذية الاضطرابات في كل قُطر عربي، وتهجين الاختلافات، والعوامل التي تساعد عل التفتيت، والتشرذم، والتفرقة.
فاجأتنا اشتباكات عنيفة بين عناصر من قوات الجيش في جنوب السودان (من وحدات الحرس الرئاسي)، قرب العاصمة جوبا ، مساء يوم 15/12/2013؛ نشبت بين موالين لرئيس جمهورية جنوب السودان المنفصِل، سلفاكير مَيارديت، وآخرين موالين لنائبه السابق، رياك ماشار، علي إثر تصاعُد التوتُّرات السياسيَّة في الجنوب المُنفصِل، منذ أن أقالَ رئيس جنوب السودان، سلفا كير نائبه، في تموز/يوليو 2013.
يبدو أن أتباع ماشار هم من أثاروا القتال الذي بدأ بين الجنود في موقعين للجيش الأول؛ أولهما أكبر معسكر في الجنوب؛ والذي يقع في منطقة بيلبام شمالي مطار جوبا الدولي والثاني هو معسكر الجبل، في جنوب جوبا.
الخطير بالأمر أن القتال قد نشب بين جنود منتمين لقبائل النوير التي ينحدر منها ماشار (ثاني أكبر قبيلة بالجنوب)؛ وجنود تابعين لسلفاكير الذي ينحدر من قبائل الدينكا (أكبر قبيلة في الجنوب)؛ وهما قبيلتان بينهما تاريخ من المعارك؛ حيث تتهم قبائل النوير قبائل الدينكا بالسيطرة على المنطقة!
وقد جاء القتال تحت دعوي انقلاب عل الرئيس سلفاكير؛ وهو الأمر الذي يُعزِّز شيئين؛ أولهما نشر ظاهرة الانقلابات داخل الجيوش العربيَّة كنموذج مُهيّأ للتصدير؛ وثانيهما تحويل الأزمة من مجرَّد محاولة انقلاب علي رئيس، إلى نزاع بين القبائل؛ وهو أخطر عوامل النزاعات، والتفتيت، والتشتيت!
وفي محاولة للعبث في تداعيات ثورة 30 يونيه/حزيران، فقد أعلن سلفاكير حظر تجول ليليًا في جوبا، يبدأ من الساعة السادسة مساءً، ويستمر إلي الساعة السادسة صباحًا؛ على غرار أداء الفريق عبد الفتاح السيسي، القائد الأعلى للقوات المسلَّحة المصريَّة؛ وزيادة في العبث، فقد ارتدي سلفاكير زيًا عسكريًا بدلاً من ملابسِهِ المدنية المُعتادة، تأكيدًا على رمزيَّة الانقلاب على الجيش!
كما قال المتحدث باسم الجيش، فيليب أغير: “نطلب من السكان ملازمة منازلهم حتى نعرف السبب الفعلي لإطلاق النار”! وهو نفس أداء ما بعد 30 يونيه/حزيران 2013 !
قد قسَّمتنا الامبرياليَّة، وأكملنا نحن التقسيم؛ من تقسيمٍ، إلى تقسيم المُقسَّم، إلى تقسيم تقسيم المُقسَّم !