راقص «الفالس» والتزّلج على الجليد
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
راقص «الفالس» والتزّلج على الجليد
نبيه البرجي
مائة عام تكفي، وليغادر السيدان مارك سايكس وجورج بيكو هذه القاعة التي من دون سقف، ومن دون جدران، ومن دون منطق، ومن دون رؤية. الآن ، كل ذلك المكان الذي طالما اكتظ بالآلهة، وبأنصاف الآلهة، لم يعد يتسع الا لأكلة لحوم البشر…
من تسنّت له العودة الى ما كُتب آنذاك حول الاتفاقية التي ابرمت عام 1916، لا يحتاج الى الكثير لكي يدرك ان بلقنة الشرق الاوسط بدأت من سوريا التي كان لها مداها التاريخي والجغرافي والثقافي.
هكذا تم اختراع دولة تدعى المملكة الاردنية الهاشمية لتكون بمثابة غرفة عمليات انكليزية قبل ان تتحول اميركيا ثم اسرائيلياً (محمية اسرائيلية وبما تعنيه الكلمة لحين اضمحلال القضية الفلسطينية كلياً)، وعلى مقربة من قاعة المرايا في فرساي رسمت خارطة لبنان وانطلاقا من قول الملك لويس التاسع (القديس) ان الموارنة هم فرنسيو الشرق…
دون ان نتطرق الى تلك العلاقة الملتبسة بين ما حصل في فرساي وما كان يخطط له لويد جورج وآرثر بلفور لفلسطين. عربياً قامت تلك الدول العجيبة والمفخخة. يقول الغربيون الآن على الشاشات، وفي الصحف ، ان اسرائيل وحدها في المنطقة التي تملك مواصفات، وديناميات، الدولة. كل ما فعله يهوه انه اعطى الضوء الاخضر..
اطلالة على جنيف. لماذا يفترض ان يتقرر مصيرنا، دائما، في تلك الردهة الغربية؟ ونسأل ماذا بقي من الدولة، ومن الارض، ومن الناس، بل وماذا بقي من الله في سوريا؟ بل واي قضية، واي عدالة، وماذا تعني القضية، اي قضية، وماذا تعني العدالة، اي عدالة، اذا كان نهر الدم، وهو ذاته نهر الخراب، لا يزال يضرب الاصقاع السورية؟
بمنأى عن اي نظام، وعن اي معارضة. هي «سوريا المقدسة» بالنسبة لكل العرب حتى ان موسى بن نصير آثر ان ينهي حياته متسكعاً على ابواب مساجدها. ألم يقل محيي الدين بن عربي «ادفنوني في الجنة»؟
الآن، سوريا فريقان. بعد كل الذي جرى، وبالرغم من اهوال بعض رجال النظام، اي معارضة تلك التي تفاوض في جنيف؟ وماذا يمثل احمد الجربا؟ وماذا يمثل برهان غليون الذي كنا نظن ان منظّر «داعش» و«جبهة النصرة» سيهز عظامه، عظام الماضي حيث كان الرجل يتحدث الينا عن آفات النظام العالمي وتداعياته الايديولوجية، فهل تحول لوران فابيوس وهنري برنار-ليفي وحتى فرنسوا هولاند، وهو الذي يعرفهم جيداً، فجأة الى ملائكة؟
فريقان، بل وشعبان، بل ودولتان. لاحظوا سيناريو الحوار بينهما. هذا كان يحدث سابقا بين العرب واليهود. الآن بين العرب والعرب. اذاً، انه المصطلح الاكثر واقعية: الصراع العربي-العربي، فأين ايران من مصر ومن ليبيا ومن الصومال إذا كان هناك من حاول تلقيننا تلك البدعة البالية حول الصراع العربي-الايراني. ثم يعود الى التاريخ، كما لو ان التاريخ لا يشبه احياناً «طنجرة المردة» ، اي ذاك الوعاء الذي كان القراصنة يطهون فيه اشياءهم القذرة..
هل رأيتم صورة حسن روحاني في دافوس؟ تأملوا جيداً، وعقلانياً، في الصورة تعرفون في اي اتجاه يمضي الشرق الاوسط. لماذا، اذاً، ذاك الاصرار الراعب على الذهاب بلعبة الازقة الى حدودها القصوى والمكوث في العربة الاخيرة من القطار؟
في اكثر من مكان ترسم خرائط الدول، وخرائط الاسواق. عربياً، فقط خرائط القبائل. لا رأي للعرب في ما يحدث في جنيف-2. الاميركيون باتوا على اقتناع بنظرية مايكل هايدن، وهو الخبير الاستخباراتي الشهير، اذ لا مجال لاعادة تركيب سوريا، ولو فديراليا او كونفديراليا، إلا بالتعاون مع النظام، فيما تنشط الاتصالات في الاروقة الخلفية حول ايفاد قوات دولية، يشارك فيها الروس، من اجل مراقبة الحدود،ووقف العنف في بعض النقاط المحورية…
ديبلوماسي روسي قال لنا ان المشكلة ليست فقط في تشتت المعارضة، وافتقادها الرؤية الاستراتيجية للمشهد، انما في التذبذب الاميركي، اذ ان جون كيري الذي يلاحقه هاجس الدخول الى البيت الابيض، وفي منافسة طاحنة مع هيلاري كلينتون، يبدو وكأنه راقص الفالس وهو يتزلج على الجليد. في الغرف المقفلة يتحدث بشيء وامام الكاميرات يتحدث بشيء آخر..
الديبلوماسي سأل «حقا، كيف لسيرغي لافروف ان يتحمله»، وان كان يستدرك قائلا ان واشنطن التي احترفت الضغط على الآخرين هي التي تتعرض للضغط الآن. العرب الذين يطرحون شروطا لا يمكن الا ان تفضي الى بقاء الازمة مشرعة الى الابد، والاسرائيليون الذين يريدون ان يكونوا شركاء اساسيين، وان شركاء لامرئيين، في التسوية التي يفترض ان تلحظ نظرة الوضع الجديد في سوريا، اياً كانت بنيته الفلسفية والايديولوجية والاستراتيجية، الى العلاقات معها.
آرون ميللر هو الذي قال ان تل ابيب لن تدع «اللحظة السورية» تذهب هباء، فلا بد من الصفقة الشاملة التي تنص على عدم التمسك بـ«حق العودة» للفلسطينيين، وبعدم مد يد العون الى اي تنظيم ينتهج سياسة العداء لها. بطبيعة الحال تكريس التوطين في سوريا ولبنان، وابرام معاهدة سلام في ظل الاختلال الدراماتيكي الراهن في موازين القوى…
لا بل ان ميللر يصف عبارة «الصراع العربي-الاسرائيلي» بأنها تفتقد الحد الادنى من الواقعية، داعيا الى «منع اولئك الثيران من مصارعة طواحين الهواء». بطبيعة الحال يقصد القائلين بالمواجهة مع اسرائيل…
بين جنيف ودافوس مسافة قصيرة جغرافيا. كان العرب في الاولى يخوضون حرب البسوس. في ذلك المنتجع الثلجي الخلاب، كان رجال الاعمال والاعلاميون وقياصرة المال يلاحقون حسن روحاني. لعل الصراع الذي نحتاج اليه الآن هو الصراع مع الذات. هل هذا محظور ايضاً ؟
السهم الناري- المراقب العام
-
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي
مواضيع مماثلة
» مرحلة ما بعد الاسد ممكنة عام 2060 .. هي كمن يحلم بمشاهدة الجليد في صحراء الربع الخالي في فصل الصيف
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء مايو 14, 2024 10:53 pm من طرف larbi
» جولة داخل سوق الحوت- النادي البحري- في منطقة شط الهنشير ورصد أسعار بعض للأسماك
السبت مايو 11, 2024 3:59 pm من طرف larbi
» لقاء خاص مع وزير التخطيط بحكومة الوحدة الوطنية أ.محمد يوسف الزيداني
السبت مايو 11, 2024 3:58 pm من طرف larbi
» غائط القرن
الخميس مايو 09, 2024 3:33 pm من طرف larbi
» مؤتمر صحفي لحركة حماس في بيروت بشأن آخر تطورات العدوان الإسرائيلي على غزة
الثلاثاء مايو 07, 2024 9:04 pm من طرف larbi
» غائط القرن
السبت مايو 04, 2024 2:41 am من طرف عبد الله ضراب
» 5 علامات تشير إلى أن قطتك مستعدة للتزاوج
السبت أبريل 27, 2024 9:47 pm من طرف الحيوانات بالعربي
» وزير الأمن القومي للكيان المحتل ينقل للمستشفى بعد إصابته في حادث مروري في مدينة الرملة
الجمعة أبريل 26, 2024 10:50 pm من طرف larbi
» كلمة الناطق العسكري باسم كتائب القسام أبو عبيدة في اليوم الـ200 للحرب على غزة
الأربعاء أبريل 24, 2024 12:02 am من طرف larbi
» هل سمعت يوما بحيوان إسمه الميركات
الأربعاء أبريل 17, 2024 8:32 pm من طرف الحيوانات بالعربي