الأردن: حصيلة سياسة النوم مع الشيطان

حميدي العبدالله

صرّح مصدر مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية الأحد الفائت بأنّ قوات حرس الحدود أحبطت محاولة تهريب خمس شاحنات صغيرة عبر الحدود السورية، وضبطت وسلّمت إلى الجهات المختصة. وأضاف المصدر في بيان صحافي: «انّ قوات حرس الحدود الأردنية ضبطت أيضاً كمية من الأسلحة والذخائر أثناء تهريبها وتمكنت من إلقاء القبض على الفاعلين». وقبل أيام قليلة هاجمت طائرات أردنية قافلة أخرى ودمّرتها، وكانت القافلة تضمّ سيارات تحمل الأسلحة، إضافة إلى عدد غير قليل من الصدامات بين حرس الحدود الأردني ومسلحين يعبرون الحدود سقط من جرّائها عدد من القتلى في صفوف المسلحين.


في الواقع، هذه الحوادث على الحدود السورية الأردنية، المرشحة للتصاعد في الفترة المقبلة، ليست صاعقة في سماء صافية بل هي حصيلة لمجموعة من العوامل أبرزها:

أولاً، لدى الأردن مثل السعودية ودول أخرى، قابلية للتحوّل إلى قاعدة للجماعات المتطرفة التكفيرية التي تؤمن بأعمال العنف، بل الإرهاب، وتبرّره بالاستناد إلى آية من القرآن الكريم، وينتشر هؤلاء المتشدّدون في أنحاء متفرّقة من الأردن، خاصة في المحافظات الجنوبية والسلط والزرقاء. وأحد أهمّ منظري الجماعات التكفيرية في البلاد العربية والإسلامية محمد الشلبي، الملقب بأبو سياف، هو أردني، وقدمت إليه الحكومة الأردنية الكثير من التسهيلات في سجنه للتواصل مع الخارج وحضّ المنتمين إلى تياره على القتال في سورية، كما لعب دوراً مهماً سابقاً في تجنيد الإرهابيين لمصلحة أبو مصعب الزرقاوي الذي نفذ الكثير من الأعمال الإرهابية في العراق التي لم تستهدف قوات الاحتلال الأميركي بل استهدفت المساجد والحسينيات والمواطنين الآمنين في متاجرهم ومدارسهم، في محاولة لإثارة الفتنة المذهبية في العراق وتقويض الوحدة الوطنية انسجاماً مع سياسة الاحتلال الأميركي التي كرّسها الدستور الطائفي المذهبي الذي وضعه الحاكم الأميركي بول بريمر.

ثانياً، نجحت هذه التيارات التكفيرية الإرهابية المتطرفة في إنشاء حاضنة لها في الزرقاء، وسط الأردن، وفي معان، جنوبه، وكان واضحاً أنّ خللاً في السياسة المعتمدة من قبل السلطات الأردنية ستكون ذات تداعيات كبيرة على الاستقرار في الأردن.

ثالثاً، رضوخ الأردن لضغوط حلفائه الخليجيين والأميركيين وفتح حدوده أمام هذه الجماعات للتسلل إلى سورية والاشتراك في القتال ضدّ الجيش السوري، ولا سيما في المناطق المحاذية للحدود الأردنية. وبديهي أن يترك ذلك تأثيرات في غير مصلحة السلطة الأردنية، فالتداخل الديمغرافي وطبيعة جغرافية الحدود بين البلدين يجعلان من الصعب حصر الحوادث داخل الأراضي السورية، وكان طبيعياً والمتوقع أن يؤدي تسهيل تسلّل الإرهابيين في لحظة ما إلى ارتداد هذه العملية إلى داخل الأردن قبل غيره من الدول الأخرى التي سمحت للإرهابيين بالتدفق إلى سورية وقدمت إليهم الدعم والتسهيلات، فالأردن هو بوابة سورية إلى الخليج، كما أنّ سهولة الانتقال من سورية إلى الأردن أكبر بكثير من الانتقال إلى تركيا أو لبنان أو العراق، ومنهما إلى أي مكان آخر في العالم.

لا شك في أنّ تساهل النظام مع الجماعات المتشدّدة الإرهابية، وغضّ النظر عن تسلّلها إلى سورية، والرضوخ للضغوط الأميركية ـ «الإسرائيلية» ـ الخليجية، وتحويل الأردن إلى قاعدة لتدريب وتسليح وإيواء موجات من الإرهابيين الذين أُرسلوا إلى سورية، هي التي أوقعت الأردن في هذا التحدي الأمني الكبير، ويتوقع أن يتعاظم في المستقبل القريب، فكلما حقق الجيش العربي السوري المزيد من الانتصارات، ووجّه المزيد من الضربات إلى الإرهابيين سوف يفرّ هؤلاء من ساحة المواجهة ويلجأون إلى الملاذات الأقرب، والأردن من أبرز هذه الملاذات.

ما يواجهه الأردن الآن من تسلل متكرّر وتهريب سلاح هو ثمرة للسياسة التي اعتمدها الأردن حيال ما يجري في سورية، فلو غلّب النظام الأردني مصالح شعبه واستقراره وصموده في وجه ضغوط حلفائه لما آلت الأمور إلى ما هي عليه الآن، ومتوقع أن يكون أكثر سوءاً في مستقبل غير بعيد.