د. موسى إبراهيم:موقف من مواقف الرجال

في وديان بني وليد كانت قوات حلف شمال الأطلسي تقصف البيوت والعائلات وتذبح الأهالي بلا هوادة، وكنت في ضيافة بيت ورفلي من بيوت الشرف والكرامة (أتحفظ عن ذكر اسمائهم حفاظاً على أمنهم) وكان صاحب البيت رجلاً فقيراً معتازاً، ولكن له عزة الحر، وأنفة ورفلة المعروفة لدى كل الليبيين. فشدني من يدي في فجر يوم صيفي من شهر الفاتح/سبتمبر 2011 وذهب بي في سيارته البسيطة لنمرَّ على المقاتلين في جبهات القتال. فتمكنا، رغم القصف، من زيارة خمسة مواقع قتالية قبل حلول المساء. في كل موقع تمركز رجال بني وليد الأشاوس، ومعهم أبطال الشعب المسلح ومقاتلون متطوعون من قبائل عديدة، فكانوا يحيوننا بالتكبير والتهليل ويستبشرون بالشهادة. فوالله لقد اهتز قلبي لهم حتى تيقنت بأن كل عملي على الجبهة السياسية/الإعلامية لايساوي في الشرف والفخر زند بندقية واحدة من بنادق بني وليد المقاتلة.
في ذلك اليوم حضرت استشهاد مقاتلين اثنين، أحدهما ورفلي متطوع والآخر ترهوني من أبناء الشعب المسلح، أما مضيفي راقد الريح، الليبي الفقير، فقد ظل يقاتل حتى استشهد بعد احتلال بني وليد بثلاثة أيام وهو يساعد رفاقه المقاتلين على الإنسحاب للجبال.
مازالت صورته وهو يضحك، ويطبخ لي الشاهي الليبي بالرغوة، ويحدثني عن أولاده وبناته (الذين رأيتهم ولاعبتهم في بيته) محفورة في ذاكرتي. ومن الأشياء ذات الدلالة أنه تحول إلى قيادي في بني وليد دون تكليف أو تعيين من أحد، وكنت أراه يقف نداً بند مع القيادات الرسمية الوفية التي ثبتت وصمدت في بني وليد (وعلى رأسهم الشهيد البطل الدكتور عبدالله نافع، أمين شعبية بني وليد) فكانت لقطة جميلة من تعاضد المواطنين العاديين والقيادات الشعبية الوفية.
هذه هي ليبيا التي نحب ونهوى، ليبيا رقاد الريح، وقليلين الوالي، والقياديين الأوفياء، ليبيا الناس الطيبة والمجاهدة، ليبيا الناس الذين ظُلموا حين تسلّم الخونة والليبراليون وعملاء السي آي إيه شؤون البلاد (وتسلموا معها القروض والمناقصات والشركات والأمانات والعقود .. والسلطة والثروة).. من أجل هؤلاء البسطاء المقهورين، الذين حلم بهم معمر القذافي حين كان طالباً في الثانوية، مازلنا على العهد.. لن نخون.. ولن نتخاذل ... حتى النصر الذي يعيد ليبيا لأهلها، ونعود به نحن إلى أرض الوطن.
عن صفحة د. موسى إبراهيم