الانتفاضة الثالثة حدثت ، و هم نائمون .

ثورات-الربيع-العربي

أحمد الحباسى

من أطلق توصيف “الربيع العربي ” على ما حدث …من هزات اجتماعية في الوطن العربي ؟ … أؤكد مرة أخرى أن ما حدث في تونس ، مصر لم تكن ثورة شعبية بل هي مجرد هزات اجتماعية لم يستطع النظام الحاكم التعامل معها بالكيفية اللازمة لتتحول إلى كرة من النار حرقت تلابيب النظام و كشفت عوراته الأمنية ، تساءلت : من أطلق هذا التوصيف ؟ و لماذا ؟ و هل أن ما حصل يستحق هذا التوصيف ؟ و لماذا لم تطلق الجموع الشعبية الغاضبة هذا التوصيف على ” ربيعها ” ؟ و لماذا غابت الطبقة المثقفة عن هذا الحراك الاجتماعي ؟ و لماذا غفلت المخابرات العربية عن استشعار الخطر الشعبي المتحرك ؟ و لماذا غفلت المخابرات الغربية الصهيونية أو تغافلت عمدا على تنبيه ” أنظمتها” العميلة حتى تتصدى لهذا الخطر المهدد لمصالحها ؟ .\

أولا ، لقد فشلت كل التحاليل و الكشوف الإعلامية فى تحديد ملامح و هوية ما حدث في المنطقة العربية ،و هذا الفشل أو لنقل هذا التضارب في التحليل و التوصيف الدقيق لما حدث هو دليل قاطع على أن ما حصل لم يكن “ربيعا” و لا بشائر ربيع قادم بل كل ما في الأمر أن بعض المولعين بالتوصيف و تلميع الصورة و تزوير الوقائع قد سارعوا إلى هذا التوصيف للإيحاء بحصول تغيير في العقلية العربية يجعلها تحتاج أو تدفع إلى تغيير الأنظمة العربية ، في حين أن الشعوب العربية من شرقها إلى غربها شعوب مطحونة و منهزمة و فاقدة للرغبة في التحرك و هي لا تملك بديلا جاهزا عن هذه الأنظمة بمقدوره أن يصعد إلى الحكم و يغير السائد أو يسعى إلى إرساء نمط عيش تكون فيه العدالة الاجتماعية هي العنوان و الانصياع إلى ضغوط الغرب من الماضي .

ثانيا ، غياب الأحزاب ” المعارضة ” و الطبقة المثقفة و دكاكين المجتمع المدني دلائل و مؤشرات مقنعة على أن ما حدث قد كان عملا شعبيا عفويا غير منظم تحول بفعل التدافع الشعبي إلى هزة اجتماعية رافضة بل لنقل أن إحساس الشعب الفطري بهشاشة النظام و هشاشة قبضته البوليسية قد جعل الجموع الغفيرة تتفطن أنها أمام فرصة نادرة للإجهاز على النظام و ” ترهيبه ” بهذه الأمواج البشرية المتلاحمة حتى يتنازل عن ممارساته القمعية و يتفطن في النهاية أن الأمور قد خرجت عن السيطرة و لم يبق أمامه إما التنازل عن بعض ” صلاحياته” أو الهروب إلى ملاجئ غربية آمنة ، و في النهاية تمكن التسونامى البشرى من غلق كل منافذ الحل “السلمي” ليتم طرد و فرار أجنحة النظام و هذا لا يمكن توصيف بالثورة أو إسقاط توصيف ” الربيع العربي ” طالما أن هذه الهزات الاجتماعية قد شملت دولة أو دولتين في البداية .

ثالثا ، تشبه هذه الهزات الاجتماعية في بعض التفاصيل انتفاضة أطفال الحجارة ضد العدو الصهيوني ، خاصة و أن أغلب الحكام العرب لا يختلفون في مقاصد تصرفاتهم ضد شعوبهم عن حكام إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني ، فالاحتلال واحد و القبضة الحديدية التعسفية واحدة و المخطط واحد و العلاقة مع الغرب واحدة و العلاقة مع المخابرات الغربية واحدة ، و إذا خططت المقاومة الفلسطينية لانتفاضة الحجارة كوسيلة متاحة للتقليص من حدة الهمجية الصهيونية فإن شعوب الانتفاضات العربية قد اختارت هذا الأسلوب لمحاولة دفع أنظمة الاستبداد إلى مراجعة سياستها “العدوانية” ضد شعوبها ، و إذا فشلت انتفاضة الحجارة في أهدافها بفعل خيانة القيادة الفلسطينية و اعتبارها شكلا من أشكال العبث الشعبي فقد فشلت انتفاضات الشعوب العربية بعد أن أستحوذ الإخوان و المخابرات الأجنبية ، عربية و صهيونية بالأساس ، على ” الثمار الأولى ” لتحويلها إلى منافع انتهازية خاصة بدل توزيعها على عامة الشعب المنتفض.

رابعا ، هناك من يقول أن الشعوب العربية لا تستحق الديمقراطية و لا تعرف كيف تتصرف في وجودها بدليل حالة الخروج عن النص التي تشهدها الميادين الإعلامية العربية إضافة إلى عدم التقيد الشعوب بالضوابط الأخلاقية و الاجتماعية بعد أن كانت “تمشى على العجين ما تلخبطوش ” زمن الديكتاتوريات السابقة ، هناك من يقول أن الحكم الديكتاتوري أفضل للشعوب العربية بدليل هذا الحنين الشعبي المتصاعد نحو الماضي الذي تشهده الساحات العربية بعد أن فشل حكم الإخوان و انقسم الشارع العربي إلى كفار و “مسلمين ” ، هناك من يتفاءل بقرب عودة الوعي لسلوك الشعوب المنتفضة و دخولها إلى مساحة الديمقراطية و لو بشيء من التعثر أو بقرب عودة الديكتاتورية و الدخول إلى مدجنة الصمت و الرضا بالدون .

في غالب الأحيان ، هناك انتفاضة عربية ثالثة قد حدثت امتدت على مساحة أوسع في المنطقة العربية بعد أن كانت محصورة في الداخل الفلسطيني ، و ما يحدث في فلسطين من غليان شعبي لا يختلف عن بقية الغليان الشعبي في الدول العربية الأخرى ، أولا لان إسرائيل هي مجرد يد قوية للاستعمار لغاية تفتيت المنطقة العربية، ثانيا لان أغلب الحكام العرب يقومون بنفس الدور المخرب بحيث صارت المنطقة العربية بكاملها تواجه استعمارا يتخذ أشكالا متعددة يتعين رده و مواجهته بالانتفاضات الشعبية المتكررة لحين إسقاط هذه الأنظمة الشمولية الاستعمارية الفاسدة التي تحكم الوطن العربي ، و لعل خريطة المواجهة القادمة هي من تحدد الأنظمة التي ستسقط بفعل حالة التدافع الاجتماعي أو ما يسمى بالانتفاضة العربية الرابعة .