الشعب القطري يتحرك ، بأمارة إيه ؟

أحمد الحباسى

سيلهث اللاهثون وراء بعض المعاني و الكلمات ليؤكدوا للمتابع الكريم أنهم موجودون بالفعل و أن في قطر هناك شعب و هناك من يدافع عن قطر بل هناك من يقف مع نظام الفساد و الإفساد القطري ، و من المنتظر أيضا أن لا يلاقى هذا المقال أي اهتمام أو معارضة و في كلتا الحالتين من المؤكد أن الشعب القطري سينقسم إلى قسمين ، قسم يسب و يشتم و قسم يتغاضى و يسكت ، لكن الحقيقة أن السؤال أعلاه لن يجد جوابا عقلانيا و لن يجد في هذا الشعب القطري من يعارضه بانتهاج الجدل و الحجة بدل الصخب و الشتم .

لا أبحث عن شهادة براءة ذمة من الشعب القطري و لست من الذين ينتظرون من الشعب القطري أي رد ، فقد ذهبنا منذ فترة في جنازة هذا الشعب و قام بعض أصحاب البلاغة في القول بتأبينه ، و مع أن المنطق يفرض التنسيب و الموضوعية في كل شيء فقد آثرنا هذه المرة أن نذهب مباشرة إلى موقع المرض و نطالب الشعب القطري بإثبات ملموس بكونه شعب حي يتفاعل و يعارض و يرفض و يسعى إلى تغيير السائد بالأفضل ، السائد هو هذا الحكم الشمولي الفاسد العميل و الأفضل هو البديل الديمقراطي ، و لان الحياة أو المواطنة ليست سيارة و منزلا و شيئا من البذخ فقد تصورنا منذ سنوات أن ينتفض هذا الشعب على هذا ” النمط” من العيش الذي إختير له من حاكمه دون مشورته و دون معرفة طموحاته و أن يكون في قطر من يرفض هذه الوجبة المسمومة و يعاديها و ينادى بحقه في اختيار نمط عيشه ، في اختيار قيادته ، في ممارسة الديمقراطية دون خوف.

طبعا ، المعدة الملآنة لا تبحث عن الحرية و الديمقراطية مع أن في قطر من يعيش تحت سقف الفقر رغم عوائد النفط الخيالية ، و المعدة الملآنة هي أقصى ما يبحث عنه الشعب القطري ، فلم نسمع مثلا عن عقول تنادى بالتغيير و لا عن رموز للمجتمع المدني تتحدث عن التداول الدوري في السلطة ، و لم نقرأ عن معارضة فاعلة تطالب بمحاسبة الحاكم على جرائمه في سوريا و في كثير من البلدان العربية أين يسيل الدم و تغتال الحرية و تنتهك الأعراض بفعل تدفق المال القطري لإيقاظ الفتنة النائمة و تدريب كوادر و أذناب الإرهاب السعوديين ، لم نسمع عن مطالبة بمحاكمة وزير فاسد و ما أكثرهم في قطر ، و لم نسمع عن مطالبة ناجزه بمحاسبة الأمير و طغمته الفاشية الفاسدة على كل الأموال النفطية المهدورة في حروب تخدم الأجندة الصهيونية ، لا أحد يطالب ، لا أحد يحاسب ، لا أحد يعارض ، فعن أي شعب نتحدث .

أكثر من خمسين سنة من عمر محمية قطر الصهيونية و الفساد يتراكم حتى وصلت الرائحة العفنة إلى كل مساحة من هذه المعمورة لكن يظهر أن الشعب القطري لا يملك حاسة الشم و حاسة المراقبة و لسان الاعتراض ، خمسون سنة و الشعب القطري صامت صمت القبور ، لا يرى ، لا يسمع ، لا يتكلم حتى قال بعض الظرفاء بمرارة أن ذلك التمثال الذي يجسد ثلاثة قرود يضعون أياديهم على عيونهم و على أفواههم و على أذانهم قد جسد حالة الشعب القطري أو نحت من وحى الحالة القطرية ، خمسون سنة و يزيد و صاحب السمو يفسد في الأرض و يبذر المال القطري و الشعب بلا صوت و لا مجرد عين عبوسة أو سحنة غاضبة ، لا أحد يبحث عن حقه في الديمقراطية و حرية التعبير ، لا أحد يغرد ضد التيار ، لا أحد يمشى في الاتجاه المعاكس.

في قطر هناك ” الجزيرة ” ، لأول مرة في تاريخ الإعلام المرئي يصنع حاكم محطة فضائية تستنزف مالية خيالية ضخمة لا مكان فيها لمجرد “خبر ” عن قطر ، لأول مرة هناك محطة فضائية لا تتحدث عن محيطها ، لا تلتفت إلى عورات محيطها ، لا تشتم رائحة زبالتها ، لأول مرة في تاريخ البشرية هناك شعب قطري يستقى أخبار بلده من المحطات ” الخارجية” ، و لأول مرة يغلق أمير قطر العميل محطة ” الجزيرة” أمام أهل الجزيرة ، و لأول مرة يصرف المال العام في تمويل محطة “غريبة ” عن محيطها، عن موقعها ، عن دين أهلها ، محطة تخدم الصهيونية و تلاسن الغير بلسان عبري ، مع هذا ، لا يعارض شعب قطر هذه “الخارقة” و لا يستعمل ذكاءه و فطنته للمحاسبة أو للسؤال عن السر وراء هذا التصرف الأميري الأرعن ، فلماذا يتهمنا البعض بالغلو الفكري و نحن نقص عليه هذا الذي يحدث في قطر .

كما تكونون يولى عليكم ، كنت دائما رافضا لهذا الخط الفكري لان الشعوب هي أصل كل السلطات و هي التي تنصب زعمائها و هي من ترميهم في الزبالة عند الاقتضاء ، لكن و مع الوقت أيقنت أن هذا الشعب من ذاك الأمير و أن هذا الأمير من ذاك الشعب، فلا حاجة للبكاء و الندب على اللبن المسكوب ، فالظاهر حقا أن الأمير القطري قد زور للشعب القطري كل شيء ، بداية من إسقاط الهوية نهاية بإسقاط الإحساس بالعروبة ، الظاهر أن سمو الأمير قد ألبس شعبه عباءة غير عباءته العربية الأصيلة فبات كالغراب الذي فقد مشيته ، الآن يقود سموه هذا الشعب الطيع حيث يريد ، أينما يشاء ، الآن ، لم نعد ندرى و لم نعد نسأل : هل هناك فعلا شعب قطري يتحرك ؟ بأمارة إيه ؟ ….