لماذا تنكر واشنطن انتصار عين العرب؟

باسمة حامد

لم تعترف واشنطن بانتصار عين العرب (كوباني) على «داعش»، فوفق الكولونيل (ستيف وارن): «أنا لست مستعداً للقول إن النصر تحقّق في المعركة.. المعركة مستمرة.. لكن بدءاً من الآن أعتقد أن القوات الصديقة لديها قوة الدفع»، فلماذا ترفض الإدارة الأميركية الاعتراف بهزيمة التنظيم الإرهابي الذي طُردت قواته بالكامل خارج أسوار المدينة بعد معارك ضارية دامت أربعة أشهر؟
في الواقع، كان لافتاً أن تتصدر عين العرب واجهة نشرات الأخبار في الإعلام العالمي حين تقدمت حشود التنظيم للسيطرة عليها، فالمدينة -كما يصفها خبراء عسكريون- تشكل بؤرة الحرب «التجميلية» التي يخوضها تحالف واشنطن منذ أيلول الفائت على جماعة «البغدادي»، لكن مع صمود المدينة بدأت الأضواء الإعلامية تنحسر عنها شيئاً فشيئاً لغاية في نفس الولايات المتحدة.
ومع التذكير بإشارة وزير خارجيتها (جون كيري) قبل أشهر قليلة إلى أن: «منع سقوط مدينة عين العرب في أيدي مقاتلي الدولة الإسلامية لا يمثل هدفاً إستراتيجياً».. نؤكد أن لا مصلحة لواشنطن وشركائها تظهير أي انتصار ليس من ضمن أولوياتها أو لا تكون هي شريكة بصناعته مهما كان حجمه، لكونها تبني وجودها في المنطقة أمام الرأي العام الغربي على كذبة «محاربة الإرهاب» وهزيمة «الأوغاد والأشرار» وإنقاذ بلدان الشرق الأوسط من حرائق «الفوضى الخلّاقة» التي أشعلتها أدواتها التكفيرية في سورية واليمن ومصر والعراق وتونس وليبيا.
وعلى كل حال، أن الرفض الأميركي لانتصار عين العرب ليس الدليل الوحيد على لنيّات الأميركية المبيتة، فإدارة الرئيس أوباما كغيرها من الإدارات الأميركية تستثمر الإرهاب في السياسة وهذا أمر لا جدال فيه، ومن الواضح أنها تسعى جاهدة لإبقاء كل المعارك الدائرة بين الجيشين السوري والعراقي والجماعات الإرهابية مفتوحة حتى إشعار آخر، وما يؤيد هذا المسعى:
1- تجنبها وضع إطار زمني محدد للمعركة التي يخوضها التحالف على «داعش» وتأكيدها مراراً أنها «قد تمتد لأعوام طويلة».
2- ترددها حيال التسوية السياسية في سورية، وإصرارها على خلق ما يسمى «معارضة معتدلة» سبق لأوباما نفسه أن نفى وجودها ووصفها «بالفانتازيا».
3- محاولتها التقليل من حجم وأهمية الإنجازات الميدانية التي يحققها الجيش العراقي وقوات البشمركة لضرب التنظيم، في هذا الإطار، استنكر مسؤولون عراقيون تصريحات «البنتاغون» حول تراجع «داعش» 1% فقط من الأراضي العراقية، واعتبروا تلك التصريحات:”فاقدة للموضوعية ومحاولة لضرب المنجز العراقي» ووضعوها في خانة «التهويل لحجم داعش وقوته» بعد استعادة الجيش العراقي والحشد الشعبي زمام المبادرة على الأرض وتحرير جرف الصخر وديالى وغيرها من المناطق، وكأن واشنطن- على حد تعبير قائد ميداني بالحشد الشعبي- «تريد أن تقول إن لا أحد غيرها يستطيع مواجهة التنظيم إلا هي»، فحتى النواب الأكراد استغربوا الموقف الأميركي، وأكدوا أن قوات البشمركة حررت «مساحات شاسعة قرب مدينة الموصل بعلم المستشارين الأميركيين».
وفي ظل التضخيم الأميركي لصورة «داعش» والضغط الذي يمارسه «الجمهوريون» على رئيسهم «الديمقراطي» لإرسال قوات برية إلى العراق بحجة محاربة «داعش»، تبدو «المعركة مستمرة» فعلاً، وما قاله الناطق باسم (البنتاغون) أمس الأول ليس جملة عابرة، بل خطة عمل مستمرة، فإطالة أمد المعارك في سورية والعراق جزء أساسي في الإستراتيجية الأميركية ومن الضروري التعامل مع هذه الحقيقة بواقعية في سياق الضغط الأميركي على البلدين العربيين اللذين شكلا معاً رأس الحربة في إسقاط مشروعها (الشرق الأوسط الكبير).