تغيّر "قواعد الاشتباك" و "فك الارتباط" .. معركة الجنوب: التفاصيل الكاملة

بدّد الجيش العربي السوي أحلام "جبهة النصرة" بإعلان إمارة الشام، والتفرّد بمناطق واسعة تمتدّ من الحدود الأردنية إلى أطراف أسوار العاصمة، وغيّر حسابات العدو الصهيوني بعد أن أصبحت نيرانه على بعد عدة كيلومترات من حدود فلسطين المحتلة، فيما نجحت القوات المسلحة "بفك الارتباط" المباشر وغير المباشر، بين العدو الصهيوني من ناحية، والجماعات المقاتلة من ناحية أخرى.
إلى أين وصل الجيش العربي السوري؟
عدسة تلفزيون الخبر جالت مناطق القتال، وعلى مدخل بلدة دير ماكر، رافقنا أحد ضباط الجيش العربي السوري، الذي استهلّ استقبالنا بقوله: "قواعد الاشتباك" و "فك الارتباط" مصطلحات تستخدم عادة حين يكون الحديث عن العدو "الإسرائيلي"، لكنها تستخدم اليوم على الأراضي السورية، بما أن الحديث عن "جيش لحد سوري"، الحليف الأقوى والمباشر للكيان الغاصب.
القائد الميداني الذي يحمل رتبة عميد و يزيد عمره عن الخمسين، كان بعتاده الكامل، الخوذة والدرع والجعبة والبندقية مع 4 مخازن إضافية، وكأنه عائد من المعركة أو ذاهب إليها.
72 ساعة كانت كافية لتغيير معادلة جنوب البلاد، حيث سيطر الجيش "بسرعة قياسية" على بلدة دير ماكر، ومن ثم بلدة دير العدس تليها بلدة الدجاني، وعلى تلال عنتر ومرعي والعروس والسرجة وفاطمة، على بعد مئات الأمتار من بلدة خربة سطانة، وبلدة دير شمس، المعقل الأخير للمسلحين قبل الوصول إلى تل الحارة.
ويقول القائد الميداني" تل الحارة يبعد عن الحدود "الإسرائيلية" مسافة 6 كم، وهو يشرف مباشرة على الأراضي المحتلة، لم تتمكن "اسرائيل" في حرب تشرين عام 73 من احتلاله، لكنّ مسلحي "جيش لحد" فعلوا ما عجز عنه الصهاينة، والجيش العربي السوري على بعد ساعات أو خطوات من استرجاعه".
تكتيك العملية:
تشير مصادر عسكرية إلى أن العملية البريّة تم التحضير لها لعدة أشهر، وبدأت بهجومين بريين، الأول من الجهة الشمالية للجهة الجنوبية باتجاه ريف القنيطرة، والثاني من الجهة الغربية للجهة الشرقية باتجاه ريف درعا.
وحسم الجيش المعركة بسيطرة "استراتيجية" على التلال والمرتفعات، ما مهّد لسيطرة سهلة على القرى والمناطق المحيطة بها، واعتمد بشكل أساسي على عناصر المشاة "المدرّبة"، وعلى سلاحي الدبابات والمدفعية.
فيما كان دور الطيران ثانويا، بسبب أحوال الطقس السيئة، لكن ذلك لم يعق تقدم العملية، "لا يمكن نسيان دور الأصدقاء من خبرات الدول الحليفة والداعمة للمقاومة، حيث ساهمت بزج خبراتها في التعامل مع العدو الصهيوني، والأولية التابعة له"، يقول مصدر عسكري.
ما هي المجموعات المقاتلة في ريفي درعا والقنيطرة؟
دخل المسلحون إلى بلدات ريف درعا الصيف الماضي، وكانت على رأسهم "جبهة النصرة" المؤلفة من حوالي 2000 مقاتل متوزعين على كتائب مختلفة، فيما انتشر "لواء العز"، و"لواء الفرقان"، كأجنحة مساندة وموالية لـ "النصرة"، ما يعني ان حوالي 4500 مقاتل يتوزعون على جنوب البلاد، فيما كان يتوافد بشكل دائم عبر الحدود الأردنية مئات المقاتلين.
لكن مع هجوم الجيش الأخير، شهدت العديد من البلدات انسحابات متتالية للمسلحين، كان أبرزها انسحاب ما يعرف بـ" كتيبة المشاة 24" التابعة لـ "الجيش الحر"، واتهامها من قبل باقي الفصائل "بالخيانة والخذلان".
الأهمية الاستراتجية للعملية:
تكتسب العملية عدة أهمّيات على المستوى التكتيكي والاستراتيجي، فهي تهدف بالدرجة الأولى إلى منع المسلحين من تشكيل منطقة عازلة جنوب البلاد، متصلة بطرق امداد مفتوحة عبر الحدود الأردنية، ومن ناحية ثانية، تعيد خطوط النار مع العدو الصهيوني إلى حالها، بعد أن دمّر المسلحون كل الخطوط الدفاعية، والدفاعات الجوية التي كانت مجهزة لحماية الوطن.
وبدرجة أقل، فأن العملية العسكرية أبعدت المسلحين وتهديداتهم عن طريق درعا القديم، أو ما يعرف بأوتستراد السلام الدولي، والذي يصل العاصمة بالمحافظات الجنوبية.
المسلحون فيما مضى كانوا على بعد 2 كم من الوصول إلى الطريق الدولي، أما اليوم فابتعدوا أكثر من 6 كم، ولا يزالون يبتعدون. كما سيطر الجيش العربي السوري أيضا على نقطة المركز في مثلث القنيطرة درعا دمشق، وبذلك يقطع أي اتصال بين مسلحي الغوطة الغربية، وما سواهم.
و حوصر مسلحو داريا وخان الشيح بشكل كامل، ولم يعد لديهم أي طرق إمداد لا بالنسبة للمقاتلين، ولا حتى للذخيرة. كما نفى الجيش العربي السوري أي احتمال أو رواية لدخول المسلحين من جنوب العاصمة، وفتح ثغرة تخفف الضغط على مقاتلي الغوطة الشرقية.
وأثمرت العملية عن عزل مسلحي الزبداني بشكل كامل، وبقيت محاطة بالجبال والجيش العربي السوري، إضافة إلى إعادة التوازن إلى خارطة السيطرة بشكل عام، فاستعاد الجيش ما يزيد عن 40% من المناطق التي سيطرت عليها "النصرة"، وذلك في فترة قياسية لا تتجاوز الـ 72 ساعة.
وجّه الجيش العربي السوري ضربة قاسية إلى العدو الصهيوني، الذي كان مرتاحا نسبيا من حدوده الشمالية التي كانت تسيطر عليها كتائب متشددة، لكنها لم تطلق عليه رصاصة واحدة، و تمكن من خلط أوراق المسلحين المبعثرة أصلا، وزادت الخلافات فيما بينهم على إثر اتهامات "الخيانة والخذلان".
هدّم الجيش ما حاول المسلحون بناءه من إنجازات خلال أعوام ثلاثة بعملية عسكرية خاطفة، و أبعد أية محاولة تفكير من الأردن أو من يقف وراءها بتدخل برّي على الأراضي السورية "بحجة قتال داعش"، كما غيرت العملية من الحالة القتالية على جبهات الجنوب من الدفاع إلى الهجوم بالنسبة للجيش العربي السوري.
ما هو حال المدنيين؟ وكم هي نسبة الدمار؟
أثناء تجول تلفزيون الخبر في البلدات التي يسيطر عليها الجيش العربي السوري، لاحظ دائما أن المسلحين اتخذوا من المدارس مقرّات لهم، وذلك من خلال كتابات الجدران، ومن خلال الذخيرة التي تركوها وخلّفوها وراءهم في الصفوف والباحات.
البلدات الدرعاوية خاوية على عروشها، وهجرها أهلها منذ دخول المسلحين بشكل تدريجي، الأمر الذي سمح للجيش العربي السوري بالتعامل في هذه البلدات على أنها ميدان واسع، ما سهّل عملياته ونيرانه، فيما لم تتجاوز نسبة الدمار الـ 15%، ما يجعل هذه البلدات قابلة للحياة فور تأمين محيطها.
يذكر أن الحكومة أولت أهمية كبيرة لمعركة الجنوب، فقد زار وزير الدفاع العماد فهد الفريج قواته المرابطة على خطوط النار، فيما توافد الإعلام المحلي والأجنبي لتغطية "الحدث" ليصبح خبر "معركة الجنوب" أول الأخبار على كبريات المحطات العالمية والمحلية.