حتى يزهر الياسمين

نعم هي الشام توفي وعدها.. تسمو فوق جراحها النازفة أنشودة للحياة، تزرع دروبها بالأقحوان فتغدو عروسا تنتظر قدوم فرسانها الميامين.
نعم هي الشام، فاكتبي يا ربوع الخلد أغنيتي، ورددي يا كنائس الشرق العظيمة لحن صبري وكبريائي،‏

فتشمخ المآذن تتلو نشيدي ونشيجي، فتنطلق من حنايا الروح زفرة أم عاهدت ربها أن تزرع وردة وتطلق في فضاء الكون زغرودة للشهيد.‏

نعم هي الشام، فليقرأ الكون ملحمة صبري وشموخي، حكاية أم حاصرتها الذئاب فتحولت جدائلها معاول قدت من عمق التاريخ وعبق الحضارة، وصار صوتها رعدا يزلزل أركان الجبناء الذين هانوا وهان الهوان عليهم فصاروا للشياطين ظلا وظلالا وذراعا فراحوا يزرعون حقدهم في تضاعيف المدينة، يقتلون الوردة البيضاء التي صارت رمزا للحياة ويقطعون ما اتصل من وداد بينهم وبين شعب عاهد الله فصدق ورجال ما عرفوا يوما معنى للهزيمة والهوان شباب تربوا في دوحة الأسود ليعلموا التاريخ أبجديتهم وصمودهم وسلامهم، شباب رفعوا يافطة العلم في وجه جهل الجاهلين فكانوا على موعد مع الحياة خالدين عند ربهم يرزقون.‏

نعم هي الشام فويل لمن يمتحن صبرها وبأسها، ويل لمن يتطاول على شرفات مجدها وعزتها وسيادتها، ويل لمن لا يعرف قراءة التاريخ الذي تسامى في حكايا الأولين، من هنا مرت بيارقهم، وعلى ربا قاسيون المجد حلّوا، يزرعون الخير والورد والياسمين، يرددون نشيد الوطن العظيم ويرفعون لصقور الحياة، لأسود الأرض والحياة باقة من صمود.‏

نعم هي الشام التي تعرف كيف تصنع نصرها الآتي وكيف تطلق مبادراتها للحياة والمستقبل.. هي الشام، فلتحفظوا جيدا أبجدية صمودها، وتعالوا نزرع الورد معا لتورق في بيادر الوطن أزاهير الحياة من جديد.‏

هي دعوة من ثنايا الروح، من نفوس صاغها الصدق كتابا للحياة، من رجال لا يعرفون الحقد، من جذور الأرض جاؤا، من صميم التعب، ومن قسوة الألم، خبرتهم ساحات الصمود وميادين الرجولة، يوم صبوا جام غضبهم نارا أحرقت أعداء الحياة، ها هم اليوم يمدون اليد لكل شريف في هذا الوطن، لكل من رضع من لبان الكرامة والعنفوان الوطني، لكل من يؤمن بأحقية هذا الشعب بالحياة، أن يقول كلمته بوضوح.. وأن يزرع نسغ الحياة من جديد، فالأرض الطيبة لا تعرف الحقد، وأبناؤها لا يفرطون بحق من حقوقهم، لهذا تراهم يسيرون إلى المجد قوافل من سنديان الأرض، حتى يزهر في ربوع وطننا الحبيب المزيد من الياسمين وشقائق النعمان.‏