ازمة مصر الاقتصادية المتفاقمة تترك ملايين العائلات في مواجهة الجوع مع ارتفاع نسبة الفقر ونقص التغذية

القاهرة – – نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية اليوم تقريراً من مراسلتها في القاهرة لويزا لافلوك تقول فيه ان مصر ما بعد الثورة تواجه الآن اسوأ ازمة اقتصادية منذ ثلاثينات القرن الماضي وان ثمة ازدياد في انعدام الامن الغذائي ونقص في التغذية اضافة الى ارتفاع في نسبة الفقر. وهنا نص التقرير:

"الطوابير تزداد طولاً كل يوم. وارتفاع كلفة الطعام يرسل مزيداً من الناس يومياً الى آلاف الافران المدعومة من الحكومة في انحاء البلاد، وهو ما يوفر شريان حياة للاهالي الذين يكافحون من اجل تدبر امور معيشتهم.

يقول المشترون بينما هم ينتظرون الحصول على الخبز في حي السيدة زينب انهم يشعرون شعوراً حاداً بوطأة الازمة. وتقول ام لاربعة اطفال: "الارز والفول يبدوان باهظي الثمن فجأة. وسعر الطماطم (البندورة) يرتفع بسرعة تجعلك تحسبين ان البلاد خالية من الطماطم".

وتقول امرأة اخرى وهي تنضم الى الطابور انها مضطرة لتجنب اللحم كلياً الآن. وتوضح: "لي ثلاثة اطفال واعلم انهم محتاجون للبروتين. عندما انظر اليهم، ارى انهم لا ينمون بشكل سليم".

لقد ارتفعت مستويات عدم الامن الغذائي ارتفاعاً كبيراً على مدى السنوات الثلاث الماضية، وفقاً لتقرير اعده برنامج الغذاء العالمي ووكالة الاحصاء المركزي المصرية الرسمية. وفي 2011 عانى 13،7 مليون من المصريين - اي 17 في المائة من السكان – من انعدام الامن الغذائي، مقارنةً بـ14 في المائة في 2009.

وبالرغم من ان الاستنتاجات مبنية على احصاءات 2011، فان مؤلفي التقرير يقولون ان الصورة سيئة بصورة متزايدة بالنسبة الى معظم العائلات المعرضة للخطر، والتي تنفق نسبة عالية منها اكثر من نصف دخلها على الطعام.

وتقول عبير عطفة، وهي ناطقة باسم برنامج الغذاء العالمي في مكتب الشرق الاوسط وشمال افريقيا: "مع ازدياد الوضع الاقتصادي سوءاً وانضمام اناس الى صفوف الفقراء اضطراراً، لا يمكننا الا ان نتصور ان هذا العدد قد ازداد".

وليست الاسعار المتضخمة لمواد الطعام ظاهرة جديدة في بلد طالما فاقت فيه نسبة نمو السكان نسبة الانتاج. ولكن بالنظر الى ان مصر تواجه اسوأ ازمة اقتصادية منذ ثلاثينات القرن الماضي، فان نسبة التضخم ارتفعت ارتفاعاً حاداً، بما يعنيه هذا من مضامين خطيرة للمستهلكين".

منذ اشهر فصل الخريف تضاعفت اسعار مواد غذائية كثيرة. وسجلت اسعار الخضروات الى جانب رغيف العيش والبقوليات، اشد الارتفاعات، اذ ازدادت بما بين 3.4 و 2.3 في المائة بين شهري شباط وآذار (فبراير ومارس) على التوالي، سبقتها الزيادة بنسبة 5.5 في المائة في اسعارالدقيق و 4.3 في المائة في اسعار الارز.

والمشكلة ليست في كمية المنتجات. اذ هناك الكثير من الاسواق التي تتكدس فيها الاكشاك بالخضروات، وتتوافر المواد الغذائية لمن يستطيع ان يشتريها. وتقول عبير: "المسألة ليست في توفر المواد، ولكن في امكان الحصول عليها. فهناك الكثير من العائلات التي لم يعد بامكانها من الناحية الاقتصادية ان تقدم الطعام لافرادها على المائدة".

وتبين لبرنامج الغذاء العالمي ان اكثر من نصف الاطفال ممن لم يتجاوزوا الخامسة من العمر مصابون بفقر الدم، وذلك على ضوء دراسة جرت في 9 من 27 محافظة في مصر. وعلى نطاق الدولة، فان حوالي 31 في المائة من الاطفال تحت الخامسة كانوا يعانون من توقف النمو في العام 2011. وبالاضافة الى ما يخلفه ذلك من اثار جسدية، فانه يعطل نمو الدماغ. وقالت عبير ان "الايام الـ100 الاولى في حياة الطفل حيوية. واذا امكن توفير الغذاء المفيد لهم في الوقت المناسب، فانه سيجنون ثمار ذلك في وقت لاحق من حياتهم. واذا لم يحصلوا عليه، فلن يكون بامكانهم التعويض عما فقدوه من النمو، مهما كانت الكميات التي يتناولونها في السنوات اللاحقة".

ورغم ان الاقتصاد المصري اصيب بنكسات منذ ثورة العام 2011، فان الخبراء يقولون ان جذور ازمة الغذاء المتواصلة تعود الى ابعد من ذلك. وقال جيان بيترو بوردينون، مدير برنامج الغداء العالمي في مصر ان "هذا الارتفاع يزيد في عدم تأمين الغذاء، ولم ينشأ معدل سوء التغذية والفقر بين ليلة وضحاها او خلال العام الحال او حتى العام الفائت. اذ تنسب عدم قدرة الناس على الحصول على الطعام المناسب والمغذي الى حد كبير الى ارتفاع نسبة الفقر وتوالي الازمات منذ العام 2005".

فطوال تلك الفترة، قامت الحكومة بدعم المواد الغذائية وحمت الفقراء من المضاعفات الانية لارتفاع الاسعار. ويرى الكثيرون اليوم ان من حقهم الحصول على الرغيف. ويحصل اكثر من 68 مليون مصري على اعانات غذائية شهرية، تكلف الحكومة حوالي 3 بلايين جنيه استرليني في السنة.

غير ان نظام البطاقات له اهداف محددة. وهناك 19 في المائة من العائلات الاكثر عوزا في البلاد لا تحصل على بطاقات الاعاشة، وسبب ذلك في معظم الحالات انهم لم يسجلوا اسماءهم رسميا لدى الدولة".