سقط نصيف أردوغان… تركيا إلى التغيير

د. قحطان السيوفي

شهدت تركيا مؤخراً إحدى أهم انتخاباتها النيابية وأكثرها تنافساً، وفشل حزب أردوغان «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا بتحقيق الأغلبية المطلقة في هذه الانتخابات ما أدى إلى وضع غير مسبوق.
أردوغان، لم يكُن على ورقة الاقتراع في الانتخابات 7/6/2015 لكن الرسالة التي أرسلها الناخبون كانت موجّهة إليه. فقد حرموا حزب أردوغان، حتى من أغلبيته العادية… قال الأتراك لا لطموح أردوغان المُبالغ فيه إلى حد جنون العظمة الشخصي حين علم أردوغان بنتائج الانتخابات دهمه حزن غريب. (حسب صحيفة الفاينانشال تايمز) حاول تعزية نفسه ؛هذه هي الديمقراطية.
حصانٌ غدار.. راح يتمشى في الممر الطويل. خذل البريطانيون ونستون تشرشل.
خذل الفرنسيون شارل ديغول. تخيل أردوغان نفسه أنه قائد استثنائي؛ نسي أنه مشروع ديكتاتور صغير، داعم للإرهاب سفاح، وقاتل… ومما ذكرته الفاينانشال تايمز أنه حين تبلغ أردوغان نتائج الانتخابات سمع رنين ضحكات قريبة وبعيدة؛ سياسيون معارضون، وجنرالات متقاعدون. كأنه سمع أتاتورك يضحك في قبره. وفتح اللـه غولن في منفاه. كأنه سمع ضحكة الرئيسين بشار الأسد، وعبد الفتاح السيسي. انتابته فكرة غريبة. هل يُرغمه الأتراك على مغادرة القصر قبلَ مغادرة أعدائه قصورهم؟ سمع أيضاً ضحكات زعماء استفزهم أو تشاجر معهم حول الإبادة الأرمنية وملفات أخرى… هذه حال السلطان أردوغان الذي تُلاحقه الغطرسة وجنون العظمة، ويُعامل الأتراك كأنهم ممتلكاته الأبدية…
يُتوقّع أن تثير نتائج الانتخابات عاصفة داخل الحزب الحاكم، وستؤثر في السياسة الخارجية لتركيا إزاء قضايا كثيرة في الشرق الأوسط، وللمرة الأولى منذ الانقلاب العسكري عام 1980، دخلت تركيا الانتخابات النيابية بعيدة من ملفات أيديولوجية تقليدية، كالعلمانية والحجاب في ضوء تراجع اقتصادي، وإرباك سياسي، ودعم أردوغان للإرهاب.
ونال الخصمان الرئيسيان لـ«العدالة والتنمية»، وهما حزب «الشعب الجمهوري» وحزب «العمل القومي اليميني»، 25 و16.3 بالمئة من الأصوات على التوالي، أي 132 و80 مقعداً في البرلمان. وشكل حصول حزب «الشعوب الديمقراطي» الكردي على 13.1 بالمئة من الأصوات، أي 80 مقعداً في البرلمان، مفاجأة للمراقبين.
وشكّلت الانتخابات امتحاناً صعباً لأردوغان ورئيس وزرائه داود أوغلو الذي خاض السباق للمرة الأولى، بوصفه زعيماً للحزب الحاكم، ما يُمثّل نكسة… المفارقة التي تثير التهكم لدى المراقبين أن أردوغان أعطى أوامره بتعامل الحزب مع نتائج الانتخابات كأنها انتصار كبير له، وتحميل الناخبين والمعارضة مسؤولية الوضع المستجد الذي يدفع تركيا باتجاه عدم الاستقرار ويُفجر أزمة اقتصادية ظهرت في تراجع مؤشرات البورصة وسعر صرف الليرة، وربما يضع الجميع أمام سيف تنظيم انتخابات برلمانية مبكرة الغموض السياسي الذي أفرزته نتائج الانتخابات أدت إلى انخفاض سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار الأميركي ليصل إلى 25 % مقارنة بمستوياتها في الفترة نفسها من العام الماضي ؛ بعد تنامي مخاوف من عدم الاستقرار السياسي، وذلك في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي تباطؤ النمو وارتفاع التضخم، وسجلت بورصة إسطنبول هبوطاً بنسبة 6.2 %.
كما ارتفع معدل البطالة في البلاد بمستوى 11.2 %. وعجز الحساب الجاري بنسبة 5 % من الناتج المحلي الإجمالي، ويترنح الاقتصاد التركي في الوقت الراهن تحت وطأة اشتداد التضخم الذي سجل 8%. وستهرب رؤوس الأموال في ظل ارتفاع نسبة عدم اليقين السياسي.
في المقابل، يدور الحديث في كواليس أحزاب المعارضة عن احتمال تحريك ملفات الفساد مجدداً وفتحها ومحاكمة 4 وزراء سابقين بتهم الفساد. ويدور الحديث في كواليس حزب أردغان عن التوقيت الذي ستعلو فيه الأصوات المطالبة بتحجيم أردوغان، ولا يزال البعض في المعارضة يراهن على تمرد قيادات داخل حزب «العدالة والتنمية»، على رأسهم بولنت أرينش، نائب رئيس الوزراء، الذي انتقد بشدة الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء داود أوغلو بعنوان «خطاب الانتصار» بعد إعلان نتائج الانتخابات.
لكن السيناريوهات البديلة للائتلاف بقيادة «العدالة والتنمية» تبدو مجرد فرضيات ليس أكثر. ومن جهته، ترك زعيم حزب «الشعب الجمهوري» كمال كيليش دار أوغلو الباب مفتوحاً أمام تحالف من ثلاثة أحزاب معارضة. لكن فرصة تشكيل الحكومة ضئيلة للغاية، لأن حزب «العمل القومي»، الذي يطالب بوقف مفاوضات السلام مع حزب «العمال الكردستاني»، لا يميل كثيراً إلى التحالف مع حزب «الشعوب الديمقراطي» الكردي والذي يضع إعادة المفاوضات مع «العمال الكردستاني» أبرز أولوياته. وتبقى هناك فرضية حكومة أقلية يشكلها «العدالة والتنمية»، أنه احتمال بعيد، وأشارت الصحف التركية إلى تغيير محتمل في رأس «العدالة والتنمية»… وانتخاب الرئيس السابق عبد اللـه غل، كخصم محتم لأردوغان نرى أن الهزيمة مؤشر لتغيُّر جذري في السياسة الخارجية لتركيا إزاء قضايا كثيرة في الشرق الأوسط، أولها الأزمة في سورية. تحجيم لدور تركيا الإقليمي الساعي إلى فرض مشروع «الإخوان المسلمين» على الأتراك والمنطقة، ماذا سيحدث الآن؟ تشكيل تحالف أمر صعب، وحكومة أقلية من غير المرجح أن تبقى لفترة طويلة – وأحمد داود أوغلو، ، تجاوز سيادة القانون، سيتحمّل مسؤولية خسارة حزب العدالة والتنمية.
أردوغان قد يستخدم سلطته للدعوة إلى انتخابات أخرى. ليس من الواضح أن حزب العدالة والتنمية سيحقق نتيجة أفضل في حالة الإعادة.
عاقب 60% من الأتراك أردوغان على سياساته الداخلية والخارجية خاصة سياسات التدخل في شؤون المنطقة العربية، والانحياز لطرف ضد آخر، كما عاقبوا منظومة دعم الإرهاب وتحويل تركيا إلى مقر وممر لكل شذاذ الآفاق وحارقي الأجساد، وأكلة الأكباد، وتمرير شاحنات السلاح… أردوغان المهزوم حصد سلباً نتائج سياساته المتهورة… التي لعب فيها على ملاعب الآخرين مشجعاً وداعماً للإرهاب. سقط النصيف عن سلبيات وعورات حكم أردوغان وهي كثيرة، وقائمة على الأحقاد… سقط نصيف أردوغان، وتركيا مقبلة على مرحلة من سماتها الرئيسية عدم الاستقرار، والاتجاه نحو نهاية أحلام سلطنة أردوغان ؛ الشعبُ التركي قال لا لطموحات أردوغان الواهمة… الناخبون صفعوا أردوغان. حلم السلطان يتبدد. وتركيا إلى التغيير.