معمر القذافي قبل ثورة الفاتح

إنها سنوات ظلام  طويلة ، عانت منها الأمة  العربية ، بعد أن سادت لقرون ثم مزقها حب الذات واللهو  والملذات ، والابتعاد عن ما أنزل  من السموات وفي يوم صيفي من عام 1942 ولد من رحم منطقة أبو هادي بسرت ليبيا في وسط الصحراء في خيمة بدوية طاهرة نقية ، في وسط البادية العريقة ولد طفل وراء النور في يوم 7/ 6 / 1942 بهذه البلدة النائية التي استقى منها الإحساس الصادق ، والأصالة البدوية العربية ، منذ نعومة أظافره ، وعاش فيها طفولته فغرست فيه القيم والمبادي والأخلاق الفاضلة .
ولد معمر محمد عبد السلام  أبو منيار القذافي ، وعاش طفولته في منطقة أبو هادي ، ثم أنتقل إلى سبها  ليدرس بها  ، سبها الواقعة  في عمق الصحراء الليبية ، حيث ساعدته صفاء جوها ونقاء هوائها وطهارة أرضها ، في صفاء النية وطهارة النفس ونقاء الفكر ، كما ساعدته أيضا على حرق مراحل طفولته ، واختصار الزمن ، لينتقل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرجولة ، ليحمل على عاتقه رفع الظلم والقهر والذل عن هذه الأمة ، إنه الطالب الذي انتفض ضد تجربة فرنسية لتفجير نووي في الجزائر أجرته دولة غاصبة في أرض دولة مغتصبة ، وهتف بأعلى صوت كان مدويا في الصحراء الليبية مؤيدا لمصر عبد الناصر- الذي كان مثالا له وقدوة – إبان العدوان الثلاثي سنة 1956 ، هو الطالب الذي قاد مسيرة علنية تندد بالانفصال بين مصر وسوريا سنة 1961، ووزع المنشورات التي تنتقد النظام الملكي في البلاد  ، إنه الطالب  الذي راء في النور الذي بزغ في مصر ، بتولي الزعيم جمال عبد الناصر دفة الحكم ، قوة دافعة له وبذرة جديدة صالحة في جسد الأمة المنهمك, وقد قرر أن يعمل على تغيير الواقع المتردي لهذه الأمة المهانة ، وتيقن إن خلاصها لا يكون إلا بإزاحة كل الحكومات الرجعية والعميلة ، ولكن هذا الحلم الذي ترسخ في فكرة صعب المنال ، ولن يكون سهلا وميسورا ورغم ذلك قرر ركوب الأهوال والمخاطرة ونذر نفسه من اجل تحرير الأمة التي ذاقت الويلات وتجرعت كأس علقم الجراح والفرقة وذاقت مرارات الضعف والتمزق .
بدأ يخطط ويرسم لعمل يخلص الأمة من المرض ، الذي استفحل في جسدها وأنهك قواها ، ففي سبها بدأت إرهاصات الثورة الأولى وتشكلت أول خليه ثورية فيها ، سبها كانت الشرارة الأولى لعمل متواصل يحتاج إلى صبر وجلد وعزيمة وإصرار ، يكون المصل الذي يشفي الأمة من سقمها ويعيد إليها كرامتها وعزتها ، حيث بدأ العمل السري للثورة وانطلق من سبها .
بعدها انتقل إلى مصراته لاستكمال دراسته ، ففي مصراته تقرر تقسيم الخلية الثورية إلى عسكريين ومدنيين التحق ( معمر القذافي ) بجامعة بنغازي ليدرس التاريخ  ، ثم عدل عنه والتحق بالأكاديمية العسكرية ببنغازي سنة 1963 مع عدد من الأصدقاء ، الذين اقتنعوا بآرائه السياسية وأفكاره التحررية ، ونظرا للاضطهاد الذي يمارسه العهد المباد ، فقد تعثر العمل أو شبه توقف في صفوف الخلية المدنية والعسكرية على حد سوى ولكن لا يخلوا من الالتقاء في العطلات والأعياد ، وفي عام 1964 أسست اللجنة المركزية لحركة الضباط الوحدويين الأحرار التي أطلقت على نفسها أسم ( المجموعة المصرية ) وتخرج ( معمر القذافي ) من الأكاديمية العسكرية عام 1964 وعين ضابطا في وحدة الاتصالات بالجيش الليبي بعث في دورة إلى المملكة المتحدة ( بريطانيا )  في عام 1965 مدتها تسعة أشهر تقريبا للمزيد من التدريب تحصل في هذه البعثة على دورة في اللغة الانجليزية ودورة في الاتصالات في سلاح الجو البريطاني ودورة تدريبية في المشاة لم يفقد ( معمر القذافي ) هويته وهو يجوب  شوارع لندن بل حرص على ارتداء الزى الشعبي الليبي  لقد لعب الملازم ( معمر القذافي ) دورا محوريا جوهريا في قيادة حركة الضباط الوحدويين الأحرار وكان ذلك واضحا من سلسلة الاجتماعات التي كانت تعقد سرا وفي مختلف الأماكن تحت سرية تامة وحرص شديد حسب سلسلة مقالات قصة الثورة التي اكتتبها القائد ( معمر الفذافي )