قصة حي جوبر بدمشق.. من اعلانه امارة اسلامية حتى التحرير

تعتبر جوبر من أهم المناطق في دمشق وريفها، بسبب غناها التاريخي والجغرافي، كما حافظت على العديد من بيوتها ومبانيها القديمة المصنوعة من التبن والطين، فيما شهدت عمراناً حديثاً ومنظماً ببعض أحيائها.
تقع جوبر في الشرق من العاصمة دمشق، ويحدها من الجنوب منطقة عين ترما، ومن الشرق زملكا، أما شمالاً فتحدها منطقة القابون. وبسبب جغرافيتها المتشابكة مع محيطها، أصبحت تابعة لمحافظة دمشق بنسبة 75% من مساحتها غرباً، فيما تتبع بنسبة 25% من مساحتها شرقاً لمحافظة ريف دمشق.

تدمير التاريخ
تحتضن جوبر واحد من أقدم المعابد اليهودية في العالم، وفيه أقدم الأوابد بالتاريخ، من مخطوطات قديمة وتحف ورموز ولوحات تعود إلى آلاف السنين، قبل أن تتم سرقتها وحرق الكنيس الموجودة فيه من قبل المعارضين الإسلاميين، الأمر الذي لقى استياء أهلي في المنطقة، وبدأ الأهالي يتداولون قصصاً متقاربة السرد، تقول بأن جهات غريبة هي من قام بتلك الجريمة، وقد هربت الآثار إلى إسرائيل.

مظاهرات وسلاح
بدأت المظاهرات غير الحاشدة ذات الطابع الإسلامي في مدينة جوبر متأخرة نسبياً، واتخذت من منطقة "جامع حذيفة" مركزاً لها، ولم يتعرض أهالي جوبر للأقليات القاطنين منذ عشرات السنين بينهم، ورغم أن الجو السياسي ذو الطابع المذهبي بقي مشحوناً، إلا أنه ظل تحت السيطرة.
بدأت المظاهر المسلحة وعمليات القتل تظهر في جوبر بعد ستة أشهر تقريباً من المظاهرات، وتصاعد الأمر بشكل متسارع، ليقتل بعد سنة مساعد أول في الأمن أمام منزله بنيران "الجيش الحر"، الذي تبنى العملية وتوعد بتصفية من أسماهم "عملاء النظام". واستمر بسياسة التصفية بحق العاملين في الدولة والأقليات، وكانت دائماً تهمة "عميل للنظام" هي المبرر.

الوجهاء يفشلون بالحفاظ على وعودهم
تكاتف بعض وجهاء المدينة وتجارها، وزاروا أحد القادة الأمنيين، ووعدوا بعدم السماح لظاهرة المسلحين بالانتشار، وبمساعدة الدولة على ملاحقتهم وإلقاء القبض عليهم، فقبلت الدولة بهذا التعهد الأهلي.
يقول أبو عمر صاحب سلسلة محلات تجارية في "سوق المانطو"، والذي أصبح حالياً عاملاً في أحد المصانع بأجرة يومية، بعد أن كانت محلاته تجني عشرات الآلاف يومياً: "لم نكن نريد أي ظاهرة توتر في المدينة، لأننا لا نعاني من شيء يستحق كل هذا الحراك المسلح، فمدينتنا مخدّمة بمياه الشرب والكهرباء والخدمات الإدارية كاملة، وتشهد نهوضاً عمرانياً متسارعاً، كما أن تجارتنا هي الأعلى ربحاً في دمشق وريفها".
وأسهب قائلاً: "لا مبرر لما جرى، كان عناصر الأمن والشرطة يطلبون من المتظاهرين إزالة الحجارة والدواليب بعد انتهائهم، وكان المتظاهرون يقومون بالأمر فعلاً، واستمر الأمر كذلك أكثر من عشرة أشهر، إلى أن دخل مسلحون قادمون من دوما وحرستا وزملكا، بالتنسيق مع زعران من جوبر، وبسطوا سيطرة السلاح على الجميع، ولم نتمكن من ردعهم".

غزو وهابي
لم ينفجر الوضع في جوبر من فراغ، كما يعتقد أبو عمر وعامة الناس البسطاء، بل كان ذلك نتاجاً طبيعياً لتعبئة دينية متطرفة في الكثر من مساجد المنطقة، وهي تعبئة لم تستثني حتى الأطفال.
يقول مدير إحدى المدارس الابتدائية وهو فلسطيني سوري: "كنت لا أنام الليل خوفاً على الطاقم التدريسي من ظاهر التطرف الديني، والتي تجلت بوضوح بمنطق الأطفال ومفرداتهم. إذ أصبحت المدرسات غير المحجبات يشتكين من وقاحة بعض الطلاب الذين يشتموهن بعبارات نابية لأنهن سافرات، ويرددون عبارات تكفير ليس في المنهاج التربوي السوري، ما يؤكد أنهم يتلقونها بالبيت وبأمكنة أخرى".
ويضيف المدير: "بدأ الكثير من الطلاب المجتهدين بالتراجع، في حين ظلوا على تفوقهم بمادة الديانة الإسلامية، ويتقنون تجويد القرآن مع الإدغام رغم صغر سنهم. وعندما حققت مع بعض الطلاب عن حقيقة تراجعهم قال بعضهم أنه لا علوم سوى القرآن، ولذلك لن يقرأوا شيئاً غيره، فعلمت أن الأمر خرج عن سيطرة المدرسة".
واختتم المدير قوله: "أودعت الأمر لدى الجهات المختصة في وزارة التربية وفرع حزب البعث، واستمريت بالعمل حتى سيطر المسلحون على المدينة بالكامل وأغلقوا المدارس".

تقصير حكومي
يأخذ بعض وجهاء منطقة جوبر على الدولة أنها قصرت في التعامل مع ظواهر التطرف الديني، بعد أن بدأ خطاب معظم المساجد ينحو نحو الفلسفة الوهابية، في ظل غياب شبه كامل لأجهزة الأمن التي من شأنها حماية الثقافة الإسلامية من أي غزو فكري متطرف.
حتى رياض الأطفال لم تنجُ من التطرف الديني، وروضة "الندى" الواقعة في منطقة "طيبة" مثال على ذلك، حيث كانت تنتهج علناً نموذجاً تربوياً خاصاً بها، لا يخضع للنظام التربوي السوري. فكانت تعلم الأطفال إلقاء الشهادتين بدل تحية العلم، وتضع في الباحة مكعباً كبيراً كمجسم للكعبة، وتفرض على الأطفال حصة "حج"، فيدور الأطفال حول المكعب ويرددون عبارات: "لبيك اللهم لبيك"، وذلك تحت إشراف مدرسات "قبيسيات".

جوبر إمارة إسلامية
ولأن جوبر ممتدة في عمق بساتين الغوطة شرقاً، تدفق آلاف المسلحين إليها بعيد معارك بين المعارضة والجيش السوري في زملكا وعربين وحرستا، وصارت تحتضن أكثر من 14 ألف مسلح، بحسب مصدر عسكري ميداني.
الطبيعة العمرانية وشوارع المدينة الضيقة شكلت لمسلحي المعارضة بيئة حاضنة جيدة، وشكلوا "محكمة شرعية" خاصة بهم، فبدأت تلك المحكمة بإصدار أوامر إخلاء منازل لمن تبقى من الأقليات وموظفي الدولة، واستخدموا تلك المنازل كمخازن أسلحة وسجون للمخطوفين والمعتقلين. وفرضوا على السكان دفع مبالغ مالية شهرية لما أسموه "صندوق مال المسلمين".
خرجت جوبر عن سيطرة الدولة السورية نهائياً، وبدأ مسلحوها بقصف دمشق ونقاط الجيش بقذائف الهاون، وخطفوا مئات المواطنين لاعتبارات طائفية، أو يختطفون مدنيين من أي طائفة كانوا لابتزاز الدولة للإفراج عن موقوفين تابعين لهم. فبدأ قصف جوبر من المدفعية السوري والطيران، وصار مشهد الاشتباكات العسكرية هو الأبرز.

الجيش يبدأ عملية تحرير جوبر
وبعد انقضاء أشهر على حصار جوبر عسكرياً من قبل الجيش السوري، اقتحمتها قوات خاصة، فجر 2/7/2013، وأعلنت السيطرة على 75% منها ظهراً. وأكد مصدر عسكري ميداني لـ"عربي برس" أن الجيش سيكون قد أنهى عملياته في جوبر بالكامل بحلول مساء يوم غد. الأمر الذي سكون ضربة قاسمة لمسلحي المعارضة، والذي سينعكس أماناً على العاصمة التي تنهمر عليها قذائف الهاون يومياً، فضلاً عن فتح طرق مغلقة متصلة بجوبر، ما سيخفف من الاكتظاظ المروري الخانق.

عربي برس