نقاد يعتبرون المقاطعة نفاقا للسلطة السياسية وآخرون يشيدون بالقرار قنوات مصرية وإماراتية تقاطع الدراما التركية احتجاجا على مواقف أردوغان

عمان- ألقى المشهد السياسي الذي تعيشه حاليا الساحة العربية عموما والمصرية خصوصا، بظلاله بشكل جليّ على الفن، إذ قررت قنوات فضائية اماراتية ومصرية مؤخرا "توديع" الاعمال الدرامية التركية المعروضة عبر شاشاتها، احتجاجا على تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان إزاء ما يجري في مصر من اضطرابات سياسية.
ووسط مقاطعة بعض الفضائيات المصرية للمسلسلات التركية، انقسم الشارع المصري والعربي إزاء ذلك بين مؤيد ومعارض، ففي حين أثنى على القرار جملة من المختصين والمشتغلين بالفن، مؤكدين أن ذلك يصب في مصلحة "مصر والوطن العربي ولصالح الدراما العربية"، اعتبره آخرون خطوة "ليست في وقتها"، و"تسييسا للفن".
آخر الفضائيات العربية التي انضمت للمقاطعة وقررت ايقاف الاعمال التركية قبل ايام قليلة أبو ظبي ودبي، نظرا للموقف المعلن من الحكومة التركية تجاه الشأن المصري، وفق ما أوردت صحيفة "الحوادث" المصرية، حيث غيرت القناة قائمة البرامج على الموقع الخاص بها لتخلو من اي عمل تركي. ويأتي ذلك بعد مبادرة القنوات المصرية "الحياة" و"بانوراما" و"النهار" و"سي بي سي" بمنع عرض الأعمال التركية جراء موقف رئيس الوزراء التركي رجب اردوغان "المناصر للإرهاب على أرض مصر"، وفق ما أوضحت تلك الفضائيات.
58 مليون دولار خسائر مالية حتى الآن
وبدأت المقاطعة بعد موافقة القنوات لمطالب جبهة الإبداع بمشاركة نقابة السينمائيين، الفضائيات المصرية، بالتوقف فوراً عن عرض المسلسلات التركية كـ"أقل رد فعل تجاه ما حدث"، حيث أكد المنتج السينمائي محمد العدل مؤسس الجبهة، أنه "لابد من أن تتوقف الدراما التركية بمصر فورا". من جانبها بررت القنوات المقاطعة بشكل صريح عبر مواقعها الرسمية؛ أنها جاءت بسبب "التدخل التركي الفج" في الشأن المصري، مُمثّلاً في رئيس الحكومة أردوغان.
وتستمر المقاطعة لغاية اللحظة رغم الخسائر المادية التي تكبدتها القنوات، وفق صاحب أكبر وكالة إعلان في مصر طارق نور الذي قال لموقع "سي أن أن" بالعربية: إن القنوات الفضائية الخاصة أنفقت على التعاقد على عرض المسلسلات التركية ملايين الجنيهات، ومنها مسلسلات يصل التعاقد عليها من عشرة إلى 20 و30 مليون جنيه في بعض الأحيان على أن يتم التعويض من نسب المشاهدة والإعلانات. وأوضح أن الخسائر ستكون بالملايين، وربما تصل للقناة الواحدة إلى ما بين 100 و150 مليوناً، ولكل الفضائيات التي أوقفت بثها من 300 إلى 400 مليون جنيه (58 مليون دولار).
الشناوي: المقاطعة نفاق سياسي فج
الناقد المصري طارق الشناوي، من معارضي فكرة مقاطعة المسلسلات التركية، يعتبر القرار في حديثه لـ"الغد" "نوعا من النفاق السياسي الفج"، متسائلا "ما علاقة أردوغان بمهند وفاطمة والسلطان سليمان وحريمه؟!"، مستدركا إن أردوغان سبق وأن أعلن أن مسلسل "حريم السلطان إهانة للتاريخ التركي، وتمنى لو كان يستطيع مصادرته"! وينتقد الشناوي القرارات "العشوائية"، قائلا باستهجان "ما كل هذا العبث الذي نندفع إليه ونحن معصوبو الأعين"، منوها إلى أن "تاريخنا حافل في ممارسة هذا النوع من الرعونة"، مؤكدا ان مثل تلك القرارات "تحمل قدرًا من النفاق للسلطة السياسية، وفي العادة تسقط سريعًا". ويتساءل الشناوي "إذا كنا نعاقب الثقافة والفن والمسلسلات التركية لمواقف أردوغان السياسية فلماذا نستثني أميركا؟!!"، متابعا "أليس أوباما مثل أردوغان يقف أيضا ضد السلطة المصرية، فهل تجرؤ قناة فضائية سينمائية أو مهرجان سينمائي على مقاطعة الفيلم الأميركي؟.
الفن التركي "غزو ثقافي" للمنطقة العربية
من جهته أكد الفنان المصري صلاح السعدني، في حديثه لـ"الغد" أنه رفض منذ سنوات وسيظل يرفض عرض الدراما التركية على الفضائيات المصرية والعربية كونها "لا تتناسب مع القيم العربية ولا تقدم انموذجا فنيا يعالج الواقع المعاش حاليا".
وأكد بطل مسلسل "القاصرات" الذي عرض في رمضان الماضي، "أن توقف الأعمال التركية في مصر وفي جميع الدول العربية قرار كان يجب أن يأتي منذ سنوات لتطاولها على قيم وعادات المجتمع العربي دون تقديم أدنى فائدة". وينوه السعدني إلى أن رأيه يأتي "من دافع الحرص عن الفن العربي بعيدا عن الوضع السياسي الراهن"، مشددا على أن مقاطعة الأعمال التركية "آن وقتها". وتشاطر السعدني الرأي الفنانة المصرية حنان مطاوع معتبرة الفن التركي "غزوا ثقافيا للمنطقة المصرية والعربية".
وتؤكد مطاوع في حديثها لـ"الغد" أن الفترة الحالية "مناسبة لرفض تلك الاعمال ومقاطعتها خاصة وأن مآرب الدراما التركية تبتعد بأهدافها عن كونها فنا وثقافة الى تدخلات وغزو وفرض هيمنة من نوع آخر".
وترى أن مقاطعة الفن تشبه إلى حد ما المقاطعة الاقتصادية، منوهة إلى أن الأعمال التركية "تتعدى على مصالح الثقافة والفن العربي".
"المستهدف بالمقاطعة المشاهد"
من جانبها رحبت الفنانة المصرية عفاف شعيب بمقاطعة المسلسلات التركية، رغم علاقتها الوطيدة بتركيا والمدارس التركية في مصر، وفق قولها.
وترى شعيب، في حديثها لـ "الغد" أنه "آن الأوان لنقاطع الدراما التركية التي لا تندمج مع واقعنا العربي لا اخلاقيا ولا تربويا"، مبينة أن هذا القرار كان يجب أن يتخذ "منذ زمن".
وتنوه إلى أن "الدول العربية ومصر تتعرض لهجمة ثقافية من تركيا وقرار المقاطعة جاء في وقته المناسب". ورغم أن الشناوي ليس من المغرمين بالدراما التركية، وفق قوله، إلا أنه يعترف أنها "تفوقت على نظيرتها المصرية"، مؤكدا أنها تحظى بمتابعة كبيرة من الجمهور المصري والعربي. ويلفت الشناوي إلى أن المستهدف بالمقاطعة المشاهد "الذي لن يغلب بالذهاب إلى أي قناة تعرض المسلسل مدبلجا بالسورية"، منوها إلى أن هناك عددا كبيرا من الوسائل التي قد يلجأ لها المتفرج لمشاهدة العمل.
قرار في الوقت المناسب
من جانبه يرى المخرج الاردني بسام المصري أن قرار جبهة مصر للإبداع "جاء في مكانه بالدعوة لرفض المسلسلات التركية وإيقاف عرضها من باب عدم مناسبتها للواقع العربي بمستواها الفني".
ويؤكد صاحب "توم الغرة" الذي عرض في رمضان الماضي، أن استقطاب المسلسلات التركية منذ البداية "كان خاطئا"، مبررا ذلك بأن الدراما التركية "أساءت الى الفن والمجتمع العربي وهدمت الذوق العام للجمهور العربي". وثمن المصري قرار المقاطعة، مطالبا "جميع الحكومات العربية أن تطالب بوقف الاعمال التركية"، منوها إلى أن هذه الخطوة "ستسهم برفع سوية الاعمال العربية مستقبلا"، اضافة الى كون المقاطعة "ستقدم رسالة الى اصحاب الفن التركي برفع مستواهم بالأعمال المقدمة والمروّج اليها".
الفن ليس له علاقة بالوضع السياسي
غير أن الناقد المصري نادر العدلي يرفض قرار مقاطعة الدراما التركية "كون الفن ليس له علاقة بالوضع السياسي القائم"، مبينا أن "الاجدى بجبهة الابداع تقديم دراسة بحال الدراما المصرية لتفسّر سبب تفوق الدراما التركية على نظريتها المصرية والعربية"، مستدركا "هذا اذا كانت الجبهة جادة في البحث عن القواعد التي تقوم عليها اساس الدراما الفنية بالمجتمعات". ويرجع العدلي اسباب انتشار المسلسلات والدراما التركية إلى عقود تجارية قام بها بعض الموزعين في لبنان وكان لسورية دور اساسي في الدوبلاج؛ معتقدا أن الموضوع برمته "يخضع للعبة تجارية يخوضها المسوق العربي والترويج لها لم يكن من باب القومية والانتماء".
ويشير العدلي إلى أن الصراع العربي مع تركيا في أساسه "صراع ثقافي تحركه ميول سياسية، وهو ما كان الأجدى أن تنتبه له جبهة الابداع في مصر منذ أزل"، مؤكدا أن الجهات الدبلوماسية "هي الأحق بالتدخل في المنع وليس جبهة الابداع".