حين كتب الشعب السوري نهاية حكاية “الربيع العربي”

عبد المتين حميد
وانتهى “الربيع العربي”, و أقرّ أولياؤه بذلك, و هم الآن يبذلون كامل جهدهم للحصول عبر “جنيف ×” ما لم يحصلوا عليه لا بالقوة الناعمة ولا بالحرب. حين كتب الشعب السوري نهاية حكاية “الربيع العربي” فإنه بذلك قد خطّ السطر الأول في الفصل الأخير لحكاية سايكس-بيكو. فليحاول كلّ منا وضع سيناريو النهاية كما يتوقعها و ليقارنها بما هو آت؛ و لكن قبل ذلك لا بد من استعراض لمحة سريعة عن تقسيمات بلاد الشام منذ القرن العشرين…
قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 كان الشرق الأوسط عبارة عن ولايات و متصرفيات العديد منها تخضع اسمياً فقط لسلطة الباب العالي في القسطنطينية و بعضها تخضع فعلياً لسلطة أوروبا مثل متصرفية لبنان, حيث كانت تشترط أوروبا أن تُحكم متصرفية لبنان من قبل حاكم عسكري مسيحي و أن تمتلك روسيا حق حماية الأرثوذكس في لبنان بينما تمتلك فرنسا حق حماية الموارنة فيه. و في 1916 بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية تمّ توقيع معاهدة سايكس-بيكو بين بريطانيا و فرنسا اللتان قامتا وفقاً لهذه المعاهدة بتقاسم الشرق الأوسط وفقاً لمصالحهما الجيوبوليتيكية لدرجة أنّ بريطانيا منحت ولاية الموصل لفرنسا لتشكل بذلك منها حاجزاً يحمي المصالح البريطانية في الخليج الفارسي من الإمبراطورية الروسية, نتيجةً لهذه المعاهدة ظهرت لأول مرة في التاريخ دول سوريا و لبنان و العراق و الأردن و فلسطين. قبل هذه المعاهدة كان يتم الإشارة إلى فلسطين على أنها الثلث الجنوبي من سورية بما يشمل فلسطين الحالية و المملكة الأردنية و العريش في سيناء مصر, بينما كان يطلق على فلسطين الحالية اسم متصرفية القدس. التقسيم التالي و الأخير الذي طال المنطقة أحدثته فرنسا عبر تقسيم سوريا الحالية عام 1920 على أساس طائفي إلى ست دويلات.
و لكن و منذ عام 1925 و الشعب السوري يحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء فعادت الوحدة بين دمشق وحلب, و قامت الثورة السورية الكبرى لتفضي إلى وحدة البلاد و الاستقلال و لكن بقيت دويلتين منفصلتين هما لواء اسكندرون و لبنان.
لقد جاءت الحرب في سوريا لتؤكد من جديد أنّ هذه الحدود المصطنعة قابلة للكسر لو توفرت الإرادة الشعبية و قابلة للإزالة لو توفرت الإرادة السياسية, فأنصار المقاومة يتوافدون من كل حدب و صوب للقتال إلى جانب الشعب السوري بينما ينفر “الإسلاميون” إليها لقتل الشعب السوري. و للمفارقة فإن كلا الطرفين يتشاركان رؤية واحدة – مع وجود تباين جذري في الأهداف- و هي توحيد بلاد الشام؛ فالطرف “الإسلامي” يريدها جزءاً من دولة الخلافة بينما الطرف المقاوم فيرغب بتوحّد بلاد الشام لأسباب عروبية. حين تمّ دمج التنظيمين الإرهابيين “جبهة النصرة” و “دولة العراق الإسلامية” تحت مسمى “الدولة الإسلامية في العراق و الشام” كان الرد عليه هو اندماج الجيشان السوري و العراقي في حربهما ضد القاعدة و متفرقاتها, حتى أنّ الوحدات الكردية شاركت عسكرياً على الأرض مع هذين الجيشين العربيين في تحرير معبر اليعربية.
قد يكون لانضمام الجيش العراقي إلى محور المقاومة دور كبير في مسارعة الدُوَل الداعمة للحرب في سوريا لعقد جنيفII. على الرغم من أنّ محور المقاومة يشدد على جعل الأولوية في هذا المؤتمر لمواجهة الإرهاب, يبدو أنّ هذا المؤتمر لا يرتبط بسوريا, بل بالجيوبوليتيك الدولي عامة و الشرق الأوسط خاصةً؛ و إنّ الجينيفات التاليات سوف تُعقَد بهدف تغيير الأبعاد الجغرافية للعديد من الدول وفقاً لسلوكها السياسي خلال الأزمة السورية, مما يعني أننا سنشهد زحزحةً للحدود و تغييراً في الخرائط؛ القوى العظمى لا تتوقف أبداً عن التفكير في توسيع حدودها.
إن حدث هذا فإننا لن نكون متفرجين بل لاعبين و محركين, و سنقيم الوحدة الفيدرالية بين دول بلاد الشام الأربعة, و ستقوم وحدة فيدرالية بين العراق و الكويت, و من ثمّ ستكون الوحدة الاقتصادية قائمة بين هاتين الفيدراليتين. لماذا فيدرالية؟ لأننا نريد العنب لا قتال الناطور.
كيف سنجعل أمريكا توافق على هذا المشروع؟ يكفي أن يهمس أحدهم في أذن أمريكا: “إنّ قيام فيدراليات عربية خير من نشوء جدار “شيعي” من قلب آسيا إلى شواطئ المتوسط”؛ عندها ستقوم الولايات المتحدة بدعم نشوء هذه الفيدراليات و الضغط على دولٍ, كالكويت مثلاً, للالتحاق بهذه الفيدراليات.
تبقى مملكة و كيان و أكراد.
ليس من الصعب إقناع الأتراك بأن تركيا الصغيرة القوية أمنيّاً المزدهرة اقتصادياً القليلة العدد الموحدة عرقياً خيرٌ من تركيا الكبيرة الضعيفة ذات القلاقل الأمنية و الوضع الاقتصادي الهش.
أما الكيان الصهيوني… يمكن اللجوء إلى التاريخ و معاهدة الرملة بين صلاح الدين و ريتشارد قلب الأسد التي ضمنت بقاء المملكة اللاتينية على شريط ساحلي يمتد من صور إلى يافا. يمكن القول: “يوجد القرار 181 الصادر من الأمم المتحدة عام 1947 الذي يدعو لتقسيم فلسطين إلى ثلاث كيانات دولة عربية و يهودية و وصاية دولية”. فليُطبّق قرار الأمم المتحدة و لتعُد الدولة العربية الفلسطينية إلى حضن أمها سوريا, فيدرالياً على الأقل, و لتكن تلك الدولة اليهودية التي لسنا مجبرين على إقامة أي تطبيع معها.
و للمملكة السعودية فنقول: “نحن معكم في مطلبكم بالعودة إلى عهد الصحابة و نؤيدكم بقوّة, فلتعد دولة الحجاز التي كانت قائمة حتى في العصر الأموي”. و بما أنه لم يكن وقتها من وجود لآل سعود في الحجاز فليس من حقكم يا آل سعود حكمها, و لتتحارب قبائل الجزيرة العربية فيما بينها حول أحقيّتها في حكم الحجاز و بسط سيطرتها على الأماكن المقدسة في مكة و المدينة أو بإمكانهم أن يختاروا من كل قبيلةٍ رجلاً و يشكلوا مجلساً أعلى لإدارة شؤون الحجاج.
ماذا بعد؟ سوف يكتب الشعب السوري حكايته التي لا تنتهي و لن تنتهي لأنها مرتبطة بوجوده و هو يصرّ على قراءة حكايته بنفسه.
هل من الممكن حصول هذا…؟ من كان يتوقع أن تؤدي كذبة “اقتلاع أظافر 15 طفل في درعا” إلى تفتيت سوريا بهذا الشكل؟