أخطار الخطة الأميركية لنشر المزيد من القوات في المنطقة

تحسين الحلبي

ربما تكمن أهم العوامل التي تزعزع استقرار الشعوب العربية وغير العربية في المنطقة في ظاهرة أن الولايات المتحدة تجد نفسها قادرة على توظيف الإسلاميين «المعتدلين» مثل (الإخوان المسلمين والحكام التقليديين) من جهة والإسلاميين المتشددين (مثل داعش وجبهة النصرة والمجموعات الإسلامية الأخرى المسلحة) من أجل تحقيق مصالحها فهي تدمر وتنشر الحروب الطائفية وتتمتع بقدرة على إدارة مجموعاتها المسلحة ضد أي معارض أو مناهض لسياستها في المنطقة.
وفي ظل هذه الظاهرة الغريبة والوحشية في الوقت نفسه يجد المراقبون أن أوباما لديه صلات بجميع هذه التيارات الإسلامية على اختلاف درجة تشددها أو اعتدالها وكأن الحكام الذين يديرون دولهم باسم الإسلام مسيرون منها وخاضعون لكل ما تفرضه هي باسم الإسلام!؟ وهي كما يكشف (غلين غرينوولد) المؤرخ السياسي الأميركي كانت تتدخل عسكرياً وتخوض حروباً في (14) دولة إسلامية منذ الثمانينيات بدءاً من إيران عام (1980) ومروراً بلبنان عام (1983) ثم ليبيا حتى عام 2011 والكويت عام (1991) وفي العراق منذ 1991 حتى الآن وفي الصومال وبوسنة والسودان والسعودية وأفغانستان وكسوفو وباكستان واليمن وسورية في هذه الأوقات... ورغم التناقض في مختلف هذه الحروب والتدخلات وتنوع أهدافها ما تزال واشنطن تسخر الجامعة العربية وحكامها العرب من حلفائها في كل هذه الحروب دون أن تعود بأي فائدة سياسية أو اقتصادية على الدول التي توظف واشنطن دورها وأموالها ضد الدول الأخرى...
فماذا ستستفيد (قطر) وعدد سكانها لا يتجاوز (200) ألف حين تدفع الأموال وتسخر كل ما تشتريه من وسائل الإعلام ضد سورية أو مصر أو أي دولة عربية أو إسلامية أخرى؟! أليست واشنطن هي التي تحقق مصالحها السياسية والاقتصادية من هذه الحروب!؟
وبالمقابل كان حكام الدول الصغيرة في الماضي هم الذين يحسبون حسابات كثيرة للدول العربية الكبيرة والمتوسطة مثل مصر وسورية والعراق والجزائر في الستينيات والسبعينيات ولم يكن حكام تركيا يتجرؤون على التدخل السافر ضد سورية والعراق في الماضي بينما أصبحوا الآن يستندون إلى أموال ومساندة دول عربية صغيرة ضد سورية والعراق... وفي النهاية تتحول محصلة كل هذه الحروب والتدخلات إلى دمار لجميع شعوب المنطقة وقدراتها وثرواتها البشرية والطبيعية ولذلك يطلق الكثيرون في الغرب على ما يجري في الشرق الأوسط صفة «الحروب المجنونة» و«اللامعقولة» في زمن لم تجد فيه واشنطن من تسخره وتستغله في حروبها سوى بعض الحكام العرب الحلفاء لها ضد أشقائهم...
وأمام هذه الصورة الواضحة بدأت واشنطن بإعادة نشر جنودها في العراق فأصبح عددهم باسم محاربة (داعش) وتدريب الجيش العراقي يزيد على عشرة آلاف من الجنود الأميركيين والخبراء، ويتوقع أوباما أن يزداد عددهم شهراً تلو آخر بعد أن كشفت وزارة الدفاع الأميركية أن استقرار أوروبا لم يتحقق بعد الحرب العالمية الثانية إلا من خلال استمرار وجود الجيش الأميركي وقواعده في ألمانيا واليابان وإيطاليا وهي الدول التي هزمها الحلفاء في الحرب عام (1945) وأن الشرق الأوسط لن يستقر إلا بعد انتشار أكثر عدد من القوات الأميركية في معظم دوله بعد تقسيمه وبحجة حماية كل دولة جرى تقسيمها من الدويلات الأخرى.
لكن هذا المخطط الذي يظهر في تحليلات عسكرية أميركية ما زالت تواجهه دول كبيرة في المنطقة بدءاً من إيران وسورية وانتهاء بمصر والعراق والجزائر ولذلك يعترف وزير الدفاع السابق في واشنطن أن فشل هذا المخطط في إحدى الدولتين العراق وسورية سيؤدي إلى خسارة كبيرة في المصالح الأميركية وسيفرض تغييراً في مواقف الدول الحليفة لواشنطن وسيؤدي إلى زيادة دور مصر على المستوى القومي وانتقالها إلى صف الدول المناهضة للسياسة الأميركية.. ويبدو أن معركة هذه الأمة ستحسمها هذه الدول من إيران إلى سورية والعراق ومصر والجزائر ولبنان بشكل رئيسي.
الوطن