العالم يتجه نحو نظام معارض للنظام الأميركي العالمي

في الثمانينيات من القرن الماضي كشفت بعض الوثائق الخاصة بوكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) أن قادة أجهزة هذه الوكالة اقترحوا التركيز على (زرع) شخصيات إسلامية في عدد من الأحزاب والتيارات الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط لا بهدف جمع المعلومات ونقلها إلى (الوكالة) بل بهدف أن يتحولوا إلى قادة في هذه المجموعات والأحزاب وينفذوا المهام التي تضعها لهم (الوكالة).
وهذه التجربة استمدتها الوكالة من الدور الذي قامت به مع المجموعات الإسلامية في أفغانستان في بداية الثمانينيات في حربهم ضد (الاتحاد السوفييتي) إلى أن استولت مجموعات (طالبان) على البلاد... وفي ذلك الوقت من الثمانينيات كانت أولوية جدول العمل الأميركي هي الاتحاد السوفييتي وفي بداية التسعينيات تحول جدول العمل الأميركي بعد تفكك الاتحاد السوفييتي إلى الشرق الأوسط ومناطق الدول الإسلامية وتحول العراق إلى مسرح لحروب شنتها الولايات المتحدة والغرب لبنان إلى مسرح لحرب إسرائيلية دامت (18) عاماً إلى أن انتصرت المقاومة اللبنانية ودحرت قوات الاحتلال بفضل الدعم السوري وقوى المقاومة وإيران وبقي العراق حتى الآن مسرحاً للحرب الأميركية بأشكال مختلفة ضمن الاستراتيجية الأميركية نفسها في لعبة (حرب المسلمين ضد المسلمين).
وتمكنت واشنطن من نقل خطتها إلى سورية منذ عام (2011) وإلى مصر في العام الماضي وإلى ليبيا وباكستان واليمن بطرق متنوعة..
ويكشف (جوستين ريموندو) رئيس تحرير المجلة الإلكترونية (أنتي وور) أن الإدارات الأميركية اعتادت دوماً على إشعال حروبها بطريقة تعمل من خلالها على فرض منطقها في (الدفاع عن النفس) وفي الظهور بمظهر (الضحية)، فهذا ما فعلته في 7 كانون الأول عام 1941 حين قررت الانخراط في الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء البريطانيين بعد انتظار متعمد لسنتين على اندلاع الحرب العالمية الثانية.. ويؤكد (ريموندو) بموجب الوثائق التي ظهرت قبل سنوات أن واشنطن تمكنت قبل حربها ضد اليابان من تسجيل معظم نسخ الخطط اليابانية الحربية وأهدافها ثم أعدت نفسها للظهور بمظهر (الضحية) حين استفزت وحرضت اليابان على مهاجمة ميناء (بيرل هاربر) في جزيرة هاواي الأميركية في 7/12/1941، وبهذه الاستراتيجية أخضعت أميركا اليابان وحلفاءها في نهاية الحرب بعد أن قصفتها بقنبلتين نوييتين لإرهاب جميع دول العالم بعد استسلام اليابان دون قيد أو شرط على غرار استسلام ألمانيا في أوروبا. ومن المؤكد الاستنتاج في هذه الظروف أن تسخير عدد من المجموعات الإرهابية في المنطقة في الحروب الداخلية في الشرق الأوسط يحمل أهدافاً منها إخضاع كل دول الشرق الأوسط الصديقة أو الحليفة لواشنطن أو المعادية لها للهيمنة المباشرة الأميركية ومنع أي منافسة بين الدول الكبرى الأوروبية أو غير الأوروبية مع الولايات المتحدة على هذه المنطقة، فالولايات المتحدة تسعى إلى سد الطريق على أي دولة تسعى إلى التحول إلى دولة كبرى منافسة لها لكي تحافظ على عالم من قطب أميركي واحد فقط.
لكن هذه الأهداف بدأت تصطدم بمعارضة ومقاومة شديدة من الدول الأخرى مثل الصين وروسيا وكذلك فرنسا وألمانيا بشكل خاص. ويلاحظ معظم المراقبين أن واشنطن تريد دفع اليابان باتجاه حرب ضد الصين ودفع الدول الأوروبية إلى حرب ضد روسيا فترسخ هدفها في فرض نظام القطب الواحد الأميركي على العالم.
ويستنتج (ريموندو) أن واشنطن لن يكون بمقدورها هذه المرة خداع الدول الأوروبية ولا خداع االيابان التي تتطلع إلى التخلص من القواعد الأميركية العسكرية التي أنشئت منذ عام 1945 في اليابان وألمانيا وإيطاليا وهي الدول التي منيت بالهزيمة في الحرب العالمية الثانية، فهل يظهر تقارب فرنسي- ألماني- روسي في أوروبا وآخر بدأ يظهر بين الصين والهند وباكستان وأندونيسيا واستراليا لمنع توريط اليابان بحرب لا ترغب فيها ولتشكيل نظام عالمي معارض للنظام الأميركي؟!