خليفة حفتر

حفتر بين زمنين
لو صدق في الأول لكذب في الثاني
كثيراً ما تزاحمني الأفكار بشأن شخصية حفتر التي تنتقل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار دون أن تقدم سبباً مقنعاً لترك اليمين أو سبباً مقنعاً أيضاً للإنتقال إلى اليسار ودون أي إحساس بالذنب أو الخطأ أو إعلان الندم على إتخاذ أحد الموقفين والذين يصعب الجمع بينهما لتناقضهما التام .
فمن تنظيم الضباط الوحدويين الأحرار الذي تشكل لتخليص البلاد من الإستعمار والتبعية بالدرجة الأولى ، إلى فبراير التي جاءت بالإستعمار وأتت به على أعين الأشهاد ،، نقلة تستدعي التوقف عندها لمعرفة شخصية صاحبها ، فهو لم يكن مجبراً على الإنضمام لتنظيم الضباط الأحرار وإنما يُفترض أنه كان مقتنعاً بمبادئه وأهدافه لدرجة أنه كان على استعداد للموت فيما لو تم القبض على أفراد التنظيم ومحاكمتهم ، كما أنه لم يكن مكرهاً على الإنضمام لفبراير بل ويُفترض أنه اقتنع بها وكان على استعداد أيضاً للموت فيما لو فشلت أو سقط عليه صاروخ هنا أو هناك خلال تنقله من جبهة لأخرى طيلة فترة الأحداث .
قد نتفهم هذه النقلة من ثورة لثورة (!) إذا كانت الثانية إستمراراً للأولى أو مقاربة لها أو مشابهة لها في الأهداف والرؤى ، ولكن أن تكون من الشي لضده ومن الفكرة لعكسها فهذه والله تحتاج لبيان ، خاصةً أننا لم نسمع منه تأسفاً على دوره في الأولى أو ندماً على مشاركته في الثانية ، بل على العكس يتحدث عن الأولى بفخر ، وعن الثانية بزهو ، فضاع وضيع معه الكثير .
نسمعه يتحدث الآن عن محاربة مؤامرة دولية على الوطن دون أن يعترف بدوره فيها ودون أن يترحم على من سبقوه إلى إدراك المؤامرة ودفعوا أرواحهم ثمناً لنجاة الوطن منها .
هل حقده الشخصي على معمر القذافي هو الدافع لكل ذلك ؟ وهل يُقبل من شخصية وعضو تنظيم تاريخي مثله ويفترض أنه مدرك ، أن يكون مغرراً به أو تحركه الأحقاد إلى هذا الحد ؟ أم أن بريق السلطة يجعله ينسى بأن شعباً كاملاً عرف حقيقة وطهارة قيام ثورة سبتمبر ، وأدرك نجاسة وخبث صناعة فبراير وقارن بينهما بحيث لم يعد بإمكان حفتر أو غيره أن يحجب نقاء الأولى ورجس الثانية ؟
شخصياً أتمنى أن يقدم تبريراً مقنعاً للتاريخ ، بشرط أن لا يتحدث عن الوطن والوطنية لأن أهلها الحقيقيين ظهروا في 2011 وما تزال جراحهم تنزف وقبورهم لم تجف بعد ، وليبحث عن تبرير آخر يُقنع به نفسه أو المتلونين المتزلفين حوله .