اليرموك ــ عين الحلوة: محاكاة!

نبيه البرجي
يا ايها الذين زرتم مخيم اليرموك قبل ان يتسلل اليه البرابرة من ثقوب في الهواء، ومن ثقوب في الغبار. كان الشقاء هادئا وضاحكا وينهي يومه بالسيكارة المئة وبالصلاة على محمد وآل محمد…
لا بد ان تجد ذلك الشيوعي العتيق، والمثقف، الذي كان يردد امامك قول ألبيركامو « انا اميل الى اليسار غصبا عنه وغصبا عني».يضحك وهو يحدثك عن كارل ماركس الذي لو كان عربيا لقال ان التاريخ لا الدين هو افيون الشعوب…
يكتب بعض القصائد العبثية بين الوقت للآخر، ويقول لك ان التاريخ بات وسادة من القش، ظلا من القش، الا في دمشق. كان يحدثك عن بهائها حديث الصوفي بين يدي الله «يا اخي، لا تدري وانت تتجول في حواري دمشق ما اذا كنت تمشي على ضفاف الورد في غرناطة ام على ضفاف البرتقال في حيفا».
وكانت دمشق تملأ روح ذلك الشيوعي العتيق وهو يسخر من صائب عريقات الذي «يا صاحبي يفاوض على عظامنا». اكتشف «ان البؤس هو الذي يضيء الذاكرة اكثر بكثير من الرفاه، فهل تعلم ان غابرييل غارسيا ماركيز ظل، وحتى بعدما اضحى ثريا، يقول انه مدين بجائزة نوبل للآداب للذباب، اذ ان كل ما فعلته كلماته انها كانت تقتفي اثر الذباب».
اتصلت بأحد الاصدقاء سائلا عن «الرفيق سالم». قال لي ان مقاتلي «جبهة النصرة» علموا انه شيوعي، والطامة الكبرى عندما علموا انه مسيحي ايضا. سألوا احد فقهائهم، فقال افقأوا عينيه اولا ثم اشنقوه. شنقوا «الرفيق سالم» بقميصه الذي لم يبارح جسده منذ عشر سنوات، وكان يقول ضاحكا« هذا القميص يلازمني مثلما يلازمني وجه امي التي ماتت وهي حامل على الطريق من فلسطين الى سوريا».
الآن يلقي تقرير لمنظمة العفو الدولية باللائمة على النظام السوري لانه يحاصر المخيم. هو المسؤول عن الموتى جوعا، وعن الموتى ذبحا، وعن الموتى شنقا، فهل سأل واضعو التقرير كيف حدث هذا للمخيم الذي كانت الحياة فيه عادية وهادئة قبل ان تقوم الخلايا النائمة والتي كانت اشبه ما تكون بأحصنة طراودة، بتفجير الوضع وفتح الطريق امام «جبهة النصرة» من اجل استخدام المخيم كاحدى نقاط الانطلاق نحو دمشق…
هؤلاء هم الذين دمروا ايقاع الحياة لعشرات آلاف الفلسطينيين الذين تم استعمالهم كدروع بشرية، فلماذا لم يشر تقرير المنظمة الدولية التي تحترم بطبيعة الحال الى جذور المشكلة، والى تبيان الظروف التي حولت المخيم الى خراب كما لو انه يفترض بالفلسطينيين ان يعيشوا على حافة الرحيل من الاطلال الى الاطلال…
لا نغالي اذا قلنا ان هناك من يسعى الى تحويل مخيم عين الحلوة الى نسخة لبنانية عن مخيم اليرموك، وقد انتشرت فيه الخلايا، فيما «فتح» تترهل و« حماس» تتواطأ، فهل كانت ظاهرة احمد الاسير الذي لاحظنا كيف تمددت عنكبوتيا الى اي مدى كان ارتباطها ببعض القوى المتطرفة في المخيمات،معزولة عن التفاعلات التي تحدث في عين الحلوة؟
ثمة في عاصمة الجنوب من يعلم كيف ان الاسير الذي احتضنه من احتضنه بحثا عن ذلك التوازن القاتل ابلغ من ابلغ انه في ليلة ليلاء سيحرر صيدا من حارة صيدا، دون ان يأخذ بالاعتبار اي تداعيات لعملية من هذا القبيل على المدينة التي طالما كانت نموذجا ليس فقط للحياة المشتركة وانما للاتجاهات القومية البعيدة عن ثقافة الكهوف.
الآن، ثمة خوف حقيقي داخل المخيم مما يعد في داخله. ايضا ما يعد لمدينة صيدا التي لا يتاخمها المخيم فحسب، اذ تتداخل معه و يتداخل معها، مع انتشار تلك المعلومات التي تقول ان البرابرة إياهم على وشك تفجير المخيم، وعلى غرار ما حصل في اليرموك من اجل احداث خلل امني واسع النطاق و يتزامن مع السيناريو إياه والمتعلق بمحاولة اقتحام دمشق، وان كانت المعلومات الاخيرة تشير الى تراجع تكتيكي لاعادة تنظيم الصفوف، وبعدما تبين ان من وضع الخطة استعان بقيادات وعناصر من «جبهة النصرة» و«الدولة الاسلامية في العراق والشام»، قبل ان يأتي التحذير الاميركي بأن ثمة اخطاء هائلة قد حدثت، وان ثمة من يحمل داعش على ظهره الى الخطوط الامامية…
المعلومات تؤكد ان مناقشات واسعة وعميقة حصلت، وان المعطيات التي لدى الاستخبارات الاردنية تقاطعت مع المعطيات التي بحوزة الاستخبارات الاميركية حول كيفية تسلل عناصر «النصرة» و«داعش» الى الخلايا التي تم تدريبها على الصواريخ المضادة للدروع وللطائرات…
هذا لا يعني تفكيك صاعق التفجير في عين الحلوة. كلام كثير قيل حول اغتيال العقيد جميل زيدان و حول الصفقات و الاختراقات والتغطيات التي تحصل، وعلى اساس ان تحرير حيفا و يافا يقتضي اولا تحرير صيدا، وبطبيعة الحال تحرير دمشق، في حين يوجد داخل المخيم من يدعو الجيش اللبناني الى تسلم زمام الامور لان الفوضى التي تستشري في ارجاء المخيم، وليس فقط في احياء معينة، تنذر بالشر المستطير، ودون ان يقوم عزام الاحمد، بزياراته المتكررة، بأكثر من «اعادة ترتيب المومياءات».
التعبير اخذناه حرفيا من عضو بارز في اللجان الشعبية يتخوف من وقوع الكارثة في اي لحظة، ودون استبعاد ان تمتد الحرائق الى داخل مدينة صيدا و لاسباب «استراتيجية» كما يتردد في الاوساط القريبة من الجماعات المتطرفة…
بين مخيم اليرموك و مخيم عين الحلوة ضاعت القضية. كان «الرفيق سالم» يسخر لان خالد مشعل ( المتواري عن الانظار) يريد تحرير اشبيلية وطشقند، والقاهرة ودمشق، اولا قبل ان يشق طريقه الى بيت المقدس…
من زاروا اليرموك اخيرا رأوا كيف ان الناس على شاكلة جدرانهم المهدمة. منظمة العفو الدولية تتحدث عن الحصار. لم تأت على ذكر ما حصل و يحصل في الداخل، وكيف انتهك الاتفاق بصيحات القبائل البدائية« الله اكبر». احتلوا الازقة الخربة كما لو انها ازقة الناصرة و عسقلان.
لمن تعود الهياكل العظمية التي هناك؟ لكل اولئك…العرب!

اسمحوها بالجرافة والغاء حاجة اسمها مخيمات كل واحد ياخذ منزل ويعيش وسط الشعب السوري مع توزيعهم داخل النطاق الجغرافي معاش تخصص لهم مخيمات او كتل سكنية .