أسماء رنّانة لمعارك فاشلة

عمرمعربوني*

من معركة "الأنفال" في كسب، الى معركة "بتر الكافرين" في حلب، الى إدلب ومعركة "كسر القيود عن اريحا الصمود"، الى معركة "الفاتحين" في درعا، وصولاً الى معركة "كسر اسوار دمشق" في الغوطة الشرقية، كلّها أسماء لمعارك لم تحقق الا مكاسب تلفزيونية جعلت جمهور الجماعات المسلحة يشعر بنشوة النصر الوهمي الذي غالباً ما ينتهي بصدمةٍ لهذا الجمهور، وبحملة تبادل سبّ وشتائم وتبادل اتهامات وتحميل مسؤوليات لأسباب فشل هذه المعارك، بين الجماعات المسلحة.

في كسب التي بات الجيش العربي السوري على مشارفها تمهيداً لرفع العلم في ساحتها، وبعد أن حقق فيها الجيش قفزاتٍ نوعيةً عبر السيطرة على أغلب التلال الاستراتيجية وعزل السمرا وقطع طريق نبع المر، في منطقةٍ معقدة الجغرافيا تجمع بين قتال الغابات والتلال والعقد الجغرافية الصعبة والممرات الضيقة والاجبارية، ما جعل الجيش السوري يلجأ الى تكتيكات قتال معينة وخاصة تعتمد على إنجاز المهمة بعيداً عن السقوط بعقدة الوقت. وبانتهاء المعركة في كسب ومحيطها تكون تركيا قد منيت بالفشل الاوّل الذي سيليه إخفاقا حلب وادلب.

في حلب يتابع الجيش السوري تقدمه على اكثر من بقعةٍ جغرافية في جنوب حلب، لإكمال ما بدأه من عمليات في الريف الجنوبي للمدينة، والإحتمال الاكبر لمن يراقب سير العمليات بدقّة ان تتجه عمليات الجيش من الجنوب الى الريف الغربي بملاقاة قوات اخرى من المؤكد انها تتحضر للتقدم باتجاه الليرمون كفرحمرة لقطع طريق الكاستيلو، وهو الطريق الوحيد الذي يؤدي الى أحياء حلب الشرقية التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة.

في إدلب استفاد الجيش السوري من المواجهات السابقة والهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة، واستطاع الاحتفاظ بأغلب مواقعه الهامة من خلال السيطرة على عقد المواصلات الاساسية والتلال الكاشفة. ومن المرجّح أنّ معركة ادلب تنتظر لحسمها تطورات المعركة في حلب واريافها نظرا للإرتباط الجغرافي بين المنطقتين ولتداخل خطوط الامداد والتحرك ونقاط الارتكاز والتجمعات.

في ريف حمص لا يمكن لمتابعٍ خبيرٍ أن يعتبر السيطرة عل قرية ام شرشوح انجازاً قد يؤدي الى كسر توازن السيطرة، في هذا الريف الذي ما زال لمصلحة الجيش السوري الذي يؤخر معركة تلبيسة والرستن لارتباط الامر بحي الوعر والدار الكبيرة التي يمكن أن تدخل في مصالحة تُنهي المعارك وتُخرج هذه المناطق من دائرة القتال.

في درعا وريفها ثبّت الجيش مواقعه بشكلٍ جيد، ويتركز جوهر مهمته هناك على ربط طرق مواصلاته وتعزيز السيطرة على التلال وفصل مناطق سيطرة الجماعات المسلحة عن بعضها كما حصل في قرية الثورة جنوبي الكسوة.
ويقوم الجيش في المنطقة الجنوبية لسورية بعملياته في نفس الوقت، حيث تشمل العمليات ريف دمشق الجنوبي وتحديداً بلدات الكسوة وزاكية وصولا ً الى ريفي درعا والقنيطرة.

وفي الغوطة الشرقية، حيث تجري المعارك الاكثر شراسةً في المليحة التي سيعلن سقوطها في وقت قريب جداً، بات مؤكداً أنّ المجموعات التي ما زالت تقاتل فيها لن تستطيع الصمود فترة طويلة، حيث استطاع الجيش خلال هجومه ان يسيطر على المحيط الاكبر للمليحة واجزاء كبيرة منها.
في معركة ريف دمشق وتحديداً الغوطة الشرقية تجري اكثر العمليات تعقيداً، والتي تجمع بين حرب البساتين والشوارع والانفاق، وفي كل مرّة يقترب الجيش من تحقيق أهدافه تحاول الجماعات المسلحة أن ترفع معنويات مقاتليها عبر القيام بعمليات تسللٍ وتفجير، مستخدمةً أنفاقاً معدّة لغايات التواصل والتسلل والهجوم.

وكما برعت الجماعات المسلحة في حفر الانفاق، استطاعت وحدات الهندسة في الجيش السوري أن تعمل على إجراءاتٍ مضادة خففّت كثيراً من نتائج التفجيرات أو الهجمات التي تحصل عبر الانفاق، فقد استعاض الجيش عن الاعداد الكبيرة لصد الهجمات في مناطق التماس وخصوصاً جوبر بنقاط استطلاع ورصد وقوات متحركة تندفع بسرعة الى أية منطقة اشتباكات، كما حصل اليوم في تفجير مبنى تتمركز فيه وحدات من الجيش السوري في محيط جامع المصطفى غربي حي جوبر.

بالإضافة الى ذلك، عملت القوات الخاصة ووحدات الهندسة في الجيش السوري على تنفيذ مهمة مشتركة سريعة تلت الانفجار، تمثلت باشتباك القوات الخاصة مع المتسللين فيما عملت وحدات الهندسة على تفجير النفق ومن بداخله، الامر نفسه حصل فجر أمس في حرستا حيث فجّر الجيش نفقاً بطول 300 متر وعمق 15 متراً على من فيه من المسلحين الذين تمّ أسر بعضهم.

وفي الوقت ذاته التي تجري أعنف معارك الغوطة الشرقية في المليحة وجوبر، فإن لجنة المصالحة في حرستا تؤكد أن التسوية في طريقها الى الانجاز خلال فترة قريبة.
وعليه، فمع سقوط المليحة الذي سيليه سقوط محتّم لجوبر، وبإتمام المصالحة في حرستا، سيكون على زهران علوش الذي ظهر في صورٍ في جوبر تحت عنوان كسر أسوار دمشق أن يخوض معركته الأخيرة في مسقط رأسه دوما. والمعركة في دوما تحمل سيناريو وحيد يتضمن ثلاثة احتمالات لا رابع لها:

1- أن يقاتل زهران علوش حتى النهاية وخياراته ستكون بين القتل والاسر.
2- أن يعمد الى التفاوض للخروج من دوما كما حصل في حمص ولكن هذه المرة الى خارج الحدود السورية.
3- أن تتّم المصالحة الكبرى بين وجهاء دوما والحكومة السورية التي يمكن أن يسبقها تناحر وقتال بين المجموعات المسلحة المتمركزة في دوما وبين الاهالي.
ولمن اعتقد أن الحرب تشبه لعبة "البلاي ستايشن"، وقرّر ان يعيش ضمن جدران الوهم والحلم، فإنه لن ينال الا الهزيمة، فمن يزرع الريح يحصد العاصفة.
وختاماً فلا غنيمة في أنفال كسب، ولا بترٌ للكافرين تمّ في حلب، ولا اريحا سقطت في ادلب، ولا فتحٌ مبينٌ في درعا، ولا أسوار دمشق كُسرت.

ضابط سابق (خريج الاكاديمية العسكرية السوفياتية).