«البناء» تنشر ما سرّبه الجبير كورقتَيْ عمل روسية وأميركية إلى لقاء فيينا ــ 1 ...تناغم بين موسكو وواشنطن يكرّس بقاء الأسد

حصلت «البناء» على نسخة لكل من ورقتَي العمل الأميركية والروسية، وفقاً للنصوص التي سرّبها وزير الخارجية السعودية عادل الجبير لقادة الائتلاف المعارض،

ولدى التدقيق تبين أن النص الذي تجري تعليقات الائتلاف برفضه هو لورقة العمل الأميركية وليس الروسية فالورقة الأميركية تنصّ وحدها على لجنة دستورية لوضع الإصلاحات واقتراح الدستور الجديد لا يتولى الرئيس السوري رئاستها، بينما يبدو واضحاً بقاؤه ويمارس مهامه الرئاسية طيلة ما يُسمّى بمرحلة الانتقال، ولا يوجد ما ينص على عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية بعدها.

وسواء أكانت الورقتان اللتان سرّبهما الجبير لقادة الائتلاف هما الورقتان الروسية أو الأميركية، كما وردتا إلى فيينا في اللقاء السابق أو تمّ التلاعب بنصوصهما خدمة لأغراض تريدها السعودية، ففي الحالين يمكن ملاحظة أن النص الذي صدر عن لقاء فيينا يتخطى ما ورد في الورقتين، أي أن النص ليس تسوية بينهما، إذا كان الفريقان المتصارعان في فيينا هما روسيا وأميركا، لأن ذلك يستدعي أن تكون ورقة العمل الأميركية متشدّدة تجاه الرئيس السوري والورقة الروسية متبنية له بشدة ورافضة لفكرة مجلس حكم انتقالي غابت عن بيان فيينا، ليجيء النص الذي رأيناه علناً حصيلة مفاوضات فيينا، فيكون تساهل من هنا وتنازل من هناك نتيجة المفاوضات والنص النهائي. والذي بين أيدينا من نصوص منسوبة للورقتين الروسية والأميركية يقول إن المواقف متقاربة جداً تجاه الرئيس السوري ومجلس حكم انتقالي من جهة، وغاب في فيينا مجلس الحكم الانتقالي كلياً من جهة أخرى، وتمّ تجاهل كل الحديث عن تفاصيل الانتخابات والمهل فإما أن النصوص قد تعرّضت للعبث أو أن طرفاً ثالثاً ربما يكون إيران قد ظهر بقوة، متشدداً ما فرض تعديلات على الورقتين المتقاربتين للروس والأميركيين.

اللافت في الورقتين درجة من التناغم الخفي بين نصوصهما، من التسلسل إلى المقاربات، والتقارب في أمور من نوع تصنيف التنظيمات الإرهابية وقتالها، وصياغة دستور جديد وانتخابات رئاسية وبرلمانية، كإطار نهائي للحل السياسي، وتجاهل الحديث عن تنحي الرئيس السوري أو بقائه، مع تكريس الإيحاء ضمناً بالرضى ببقائه وترشحه للرئاسة المقبلة. وفيما تتميّز الورقة الروسية بتسمية جبهة النصرة كتنظيم إرهابي تكتفي الورقة الأميركية بالحديث عن داعش وتصنيفها باعتبار النصرة مصنفة، لكنها تتجاهل تسميتها وتقول سائر التنظيمات الإرهابية. وبينما تركز الورقة الروسية على تفاصيل المجلس الانتقالي في ظل بقاء الرئيس السوري، وتدعو لمنح المجلس بعضاً من الصلاحيات الرئاسية، وتتحدث عن مجلس انتقالي عسكري لدمج القوات، كما تقول، تكتفي الورقة الأميركية بالحديث عن اللجنة الدستورية التي لا يرأسها الرئيس السوري، من دون ذكر مجلس أو هيئة للحكم الانتقالي وتتولى التفصيل في آليات إصلاح دستوري وعملية انتخابية وتشكيل الحكومة اللاحقة للانتخابات والاعتراف بها.

يذكر الروس في ورقتهم قراراً عن مجلس الأمن وفقاً للفصل السابع، لترجمة بنود التفاهم والإلزام بها، وهو مستغرَب لكون روسيا من معارضي استسهال الذهاب للفصل السابع، وما يفتحه من أبواب، لعقوبات وتدخلات، ويذكرون أيضاً وفقاً للورقة المسرّبة من الجبير، والمستغرَب مثله تشدّد الورقة الأميركية بوقف بيع النفط الذي تنهبه جماعات داعش، والواضح أن المقصود هو الحليف التركي، وهذا لا يفسّره إلا أحد أمرين أو كلاهما معاً، وهو أن الورقتين هما قسمان متكاملان لورقة واحدة روسية ـــ أميركية، جرت قسمتها إلى نصفين يتولى كل منهما تسويق النصف الذي يريد أن يقرأه حلفاؤه ويعرفون الحدود التي يجب الاستعداد لملاقاتها في التسوية، أو أن كل ما جرت تسميته ورقة عمل هو الالتزامات التي أخذها كل فريق على نفسه تجاه نفسه لشرحها لحلفائه، ومجرد دمج الورقتين سيسهّل الفهم، حيث سنجد أننا أمام ورقة متكاملة لا تتضمن النواقص التي ستلفت الانتباه في كل من الورقتين على حدة.

اللافت أيضاً هو أن الأميركيين والروس لم يقوما بتوزيع ما نُسب إليهما من أوراق بل تمّت مناقشتها ثنائياً من كل منهما مع عدد من الأطراف الحضور، ويبدو أن السعودية وتركيا وفرنسا وحدها حظيت بمناقشة الورقتين معاً.

ليس واضحاً بعد ما إذا كانت هجمة الائتلاف على البند الوارد في الورقة الأميركية عن لجنة إصلاح دستوري ونسبتها للورقة الروسية، خطأ أم خطأ مقصوداً، أم رسالة سعودية جوابية على الورقة الأميركية، لكن التسريب بذاته وتمريره لوكالة رويترز يكشف تجاذباً عشية جنيف.

بالمقابل، يبدو أن مناقشة الروس للقسم المنسوب إليهم كورقة أو لالتزاماتهم تجاه حلفائهم أو لنصف الورقة الذي يجب تهيئة المناخ لتمريره، قد تمّت مع الحليف الإيراني، أو أن المواقف التي أبداها الإيرانيون قد فرضت تعديلاً في الخطة الروسية وصولاً لتفاهم أميركي ـــ روسي يضمن شراكة إيران حمله نص البيان الصادر عن لقاء فيينا، فغاب مجلس الحكم الانتقالي والفصل السابع وكثير من البنود التي كانت تبدو تنازلات من رصيد الموقف الروسي، وجاء الإعلان الإيراني عن الغياب عن الاجتماع الثاني لفيينا ليوحي بعد حادث الطائرة الروسية والإنجازات العسكرية السورية أن مقاربة روسية سورية إيرانية أكثر تشدداً قد تمّ التفاهم حولها بعد نجاح التجربة في الأدوار التي تناوب عليها الحلفاء في اللقاء الأول، سواء أكان ذلك منسقاً أم غير منسق.

ولا يزال الائتلاف والجبير في حال ضياع، عما يمكن فعله في اللقاء الثاني ما دام جنيف الذي ذُكر بالاسم فقط قد ضاع في النسيان، وصار بيان فيينا الوثيقة البديلة، التي يبدو أن نص الدولة العلمانية الديمقراطية فيها قد جاء من النص الأميركي لورقة العمل، كما جاء تكريس دور الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، لمجرد القول بلا مناسبة تفرض ذلك، أنه فقط لن يترأس اللجنة الخاصة بالإصلاح الدستوري وهو من البديهيات.

البناء