خُطَط الدفاع و الهجوم... سوريا ستتأذّى أم الخصوم؟

ناجي س. البستاني

إعتباراً من يوم الأحد وحتى يوم الأربعاء المقبلين، يبلغ خطر إنطلاق الهجوم الأميركي-الغربي على أهداف عسكريّة في سوريا ذروته. وإذا لم يحصل في هذه الفترة الزمنية، تتراجع فرصه إلى أدنى الدرجات تدريجاً، ليصبح في خبر كان. فما هي باختصار "الخطط" المطروحة، لجهة طبيعة الهجمات وحجمها، وطبيعة الردود المحتملة وحجمها، ومن سينتصر في كل منها؟
بداية، لا بد من الإشارة إلى أنّ جزءاً كبيراً من الفريق الداعم للنظام السوري، وحتى بعض شخصيات الفريق المناهض له، لا يزال غير مقتنع بتنفيذ أيّ هجوم، نتيجة الرفض البريطاني والمعارضة الدولية المتنامية والتظاهرات الشعبية المناهضة، وكذلك نتيجة جدّية التهديدات بالردّ. وهو يعزو كل التصريحات الإعلامية التي تتحدّث عن الهجوم والمترافقة مع تحضيرات ميدانية، إلى عمليّة تهويل إعلامي وضغط معنوي لا أكثر. وفي حال صحّ هذا الأمر، فهذا يعني إنتصاراً معنوياً كبيراً للنظام السوري، وهزيمة معنوية لأميركا والدول الغربيّة التي ستبدو بمظهر العاجز عن التدخّل، وكذلك هزيمة معنويّة للمعارضة السورية التي ستفقد أيّ أمل بتدخّل أجنبي لدعمها في المدى المنظور.
بالنسبة إلى "سيناريوهات" الهجمات، فأوّلها شنّ عمليّة محدودة الحجم والفترة الزمنيّة. وفي هذه الحال، تختلف الجهة التي ستخرج منتصرة تبعاً لحجم الضربات. فالإكتفاء بضرب بضع أهداف عسكريّة للجيش السوري، من دون إضعاف النظام فعلياً، وذلك من باب "حفظ ماء الوجه"، يعني حكماً خروج الرئيس بشّار الأسد منتصراً من الناحية المعنويّة، لأنّ النظام سيُثبت عندها نظريّته بأنّ حرباً كونيّة تُشنّ عليه، وسيُثبت أيضاً أنّه قادر على الصمود حتى لو واجه الجيش الأميركي! وهذا سيرفع معنويات الجيش السوري كثيراً، وسيُحبط كليّا معنويّات المعارضة السورية. وقد حذّر المسؤول الأميركي كريس هامر الذي كان له الدور الأكبر في إعداد خطة هجوم صاروخي على أهداف في سوريا، بأقل كلفة مادية وبأقلّ خطر على الجيش الأميركي، من مغبّة تنفيذ هجمات تكتيكيّة في سوريا، من دون أن تكون ضمن خطة إستراتيجيّة شاملة، وقال إن هكذا خطوة ستأتي بنتائج معاكسة، وأضاف: "إنّ العمل التأديبي هو أكثر الأعمال غباء".
أمّا في حال كانت الضربة المحدودة (والكلمة مطّاطة) عبارة عن قصف عنيف ليومين أو ثلاثة مثلاً، بهدف تدمير الجزء الحديث من سلاح الجوّ السوري، والجزء الأكبر من منصّات الصواريخ المتوسّطة والبعيدة المدى، وبعض مخازن الذخيرة وأجهزة الإتصالات، فهذا يعني إضعافاً أكيداً لقدرات الجيش السوري، لكن من دون بلوغ مرحلة إسقاط النظام. وفي هذه الحال، ستبقى المعارك في سوريا مفتوحة لفترة زمنيّة أطول، مع رفع فرص المعارضة المسلّحة بالتقدّم الميداني، نتيجة الإستفادة من غياب الغطاء الجوي والصاروخي العنيف الذي كان يساعد الجيش النظامي في معاركه السابقة.


وبالنسبة إلى السيناريو الهجومي الثالث فهو عبارة عن تدمير ممنهج ومتواصل للقدرات العسكرية للجيش السوري، ولمباني النظام ومقرّاته كافة، على مدى أسابيع كاملة، لفتح الطريق أمام إسقاط الرئيس السوري بشّار الأسد بالقوّة. وفي هذه الحال، فإنّ الحرب في المنطقة ستُفتح على مصراعيها، لأنّه لن يكون للنظام، ولا للقوى المحليّة والإقليمية والدولية التي تدعمه، ما تخسره!
وبالإنتقال إلى "خطط" الدفاع، فهي أيضاً ستكون متدرّجة تبعاً لطبيعة وحجم الهجوم. فإذا كان الهجوم مجرّد قصف محدود لعدد من الأهداف المحدودة، فإنّ الردّ قد يأخذ شكل عمليّة عسكريّة محدّدة في الجولان، أو إطلاق صواريخ برّ-بحر من الساحل السوري في محاولة لإصابة أيّ بارجة، أو إطلاق دفعة من الصواريخ البعيدة المدى على القاعدة الأميركية في الأردن، إلى ما هناك من خيارات لا تؤدّي إلى الإنزلاق إلى حرب شاملة.
أمّا في حال كان الهجوم قصفاً صاروخياً لبضعة أيّام، وربّما مرفقاً بغارات جويّة، فعندها ستُفتح الأمور على كل الإحتمالات، ولن يعود بالإمكان ضبطها. ومن غير المرجّح أن يكون الردّ عبر حلفاء سوريا، بهجمات بآلاف الصواريخ من اليوم الأوّل لبداية الهجوم، كما تردّد، بل تدريجياً وتصاعدياً. بمعنى آخر، إنّ تورّط "حزب الله" ومن ورائه إيران، لن يتمّ إلا في حال إستمرّت المعركة لأيّام عدّة. وحتى هذا التدخّل، سيكون تصاعدياً، أيّ أنّ الضربات ستكون محدودة بداية، لتتدرّج صعوداً في حال إستمرار الهجمات على سوريا، وذلك بهدف عدم الإنجرار في حرب إقليمية شاملة بتوقيت من صنع الدول الغربيّة.
في الختام، إنّ الجزم بعدم حصول أيّ هجوم على النظام السوري ليس في مكانه. والضربة العسكرية يمكن أن تحصل بمجرّد الإنتهاء من التحضيرات اللوجستية لها، ومن الإجراءات الدفاعية ضد أيّ رد فعل محتمل، وكذلك بمجرّد "إختراع" صيغة للتدخّل، ومحاولة إضفاء صبغة قانونيّة عليها عبر ربطها بتقرير أممي عن إستخدام السلاح الكيماوي السوري، وهو الأمر المتوقّع أن يتم في القريب العاجل. وبالتالي، مسألة الربح والخسارة، مرتبطة بحجم العمليّة المُنتظرة وبطبيعة الرد عليها. والأرجح أنّ الهجوم لن يكون محدوداً، أيّ مجرّد إطلاق لبضع صواريخ لبضع ساعات، بل عبارة عن عمليّة عسكريّة لبضعة أيّام، يتمّ خلالها تدمير جزء لا يُستهان به من القدرة الجويّة للجيش السوري، لفرض حظر جويّ بشكل غير مباشر، ويتمّ خلالها أيضاً تدمير جزء لا يستهان به من القدرة الصاروخيّة للجيش السوري، لمنعه من إستخدام صواريخ أرض-أرض في المستقبل، وذلك قبل إعلان وقف العمليّة "التأديبيّة". والوجهة التي ستسلكها الأحداث تتوقّف من جهة على أيّ محاولة للمعارضة السورية لإستغلال فرصة الضربات الغربيّة، لإحداث تغيير ميداني، ومن جهة أخرى على طبيعة الردّ الذي سيختاره النظام السوري، وحلفاؤه، وما إذا كان سيشمل دخولاً مباشراً لـ"حزب الله" في المعركة، وربّما لإيران أيضاً، وما إذا كان سيطال إسرائيل والدول العربية التي ستغطّي الهجوم. وبالتالي، من المستحيل التكهّن بنتائج المواجهة المُنتظرة قبل معرفة حجم الضربة الأميركية-الغربيّة وطبيعتها، ومعرفة حجم الرد السوري-الحليف وطبيعته.