هل ستقع الحرب ولماذا؟
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
هل ستقع الحرب ولماذا؟
بشار لقيس
هل السياسة استكمال للحرب بلغة أخرى؟ في رده على كلاوزفيتز عام 1976 راح ميشال فوكو يعيد انتاج علاقة الحرب وفق مقولات الهيمنة والسياسة. ثمة علاقة اطّرادية بين الحرب والسياسة كان نظام ما بعد «عصبة الأمم» قد أنتجها، وهي على الدوام قابلة لإعادة الإنتاج والاختبار على مسرح السياسة الدولي. بهذا المعنى، شكلت حرب 1956 لحظة من لحظات اختباره في الشرق الأوسط، مثلما شكلت حربا 1973 و1982، بنحو من الأنحاء، محاولات لاستعادة التوازن واختبار الردع عند أطراف المعادلة الداخلية فيه. ثمة نص يعرفها لمتحاربون جيداً، الحرب صنو اللغة، ومن شأنها أن تسدل على الواقع مضارع المنتصر أو القادر على فرض إرادته.
بعد اكتشاف احتياطات النفط العربية، كان ثمة استراتيجية مستجدة في عواصم الدول الكبرى في منطقة المتوسط تقتضي توازناً، صفري المحصلة، بين قوى اقتصادية عالمية ثلاث، الدول المحددة للتوجهات الصناعية العالمية، المستهلك الأول للطاقة، دول المجال الإقتصادي، وهي الدول التي شغلت محور رحى التنمية بموجب خطة ماريشال، ودول اعادة تدوير الاقتصاد، وهي دول أطراف، لكنها - بشكل أو بآخر - لازمة لاحتياج عجلة الاقتصاد العالمي. يومها تقاسم كل من الروس والأوروبيون والصينيون اقتطاعات المنطقة، وفق أولويات الأمن وجغرافيا تقاطع خطوط الماء والطاقة. حزام طوق منطقة المتوسط (إيران، تركيا، إثيوبيا) كان مقسماً على قوى العالم الثلاث; تركيا الأوروبية، إيران الروسية- الأميركية، وإثيوبيا التي كانت ولم تزل موطئاً صينياً بالمعنى السياسي والاستراتيجي. في العالم العربي نفسه اقتطعت أوروبا مناطق نفوذها التاريخي على طول ضفة حوض المتوسط، حافظت الصين على حضورها الدائم في اليمن ومعه القرن الإفريقي. فيما تآزرت روسيا في كل من موانئ المرسى الكبير، والاسكندرية وبور سعيد والحديدة، على طول خط التجارة العالمي، وهي قسمة لن تستمر بعد حرب حزيران 67.
مرة جديدة كانت حرب حزيران اختباراً لقدرة الردع والتوازن بين القوى المتنافسة عالمياً. عشية الخامس من حزيران، حجزت فرنسا وبريطانيا مقعدين لهما في نادي عجزة الأطلسي، دخل الأميركي والسوفياتي على خط المنطقة بشكل أكثر فاعلية، أُعيد توزيع المواقع والأدوار على مسرح المتوسط، فيما سارعت كيانات المنطقة لاحتياز وكالات اعتماد الدول الكبرى. بدا المشهد الأولي منقسما بين منظومتين شرقية وغربية، وأن لكل من هذه القوى توجهها الخاص والمتباين بحسبها. لقسمة الاقتصاد والسياسية عرى لم تغب عن فضاء المنطقة. تناوب الروس والأميركيون هذه المرة على تركة الميراث الاستعماري (الفرنسي- البريطاني)باعتبارهما محددتين للتوجهات الاقتصادية العالمية. حافظت أوروبا - فرنسا تحديداً- على مناطق تحفظ مجالها الأمني-في المغرب العربي-، فيما بدت الصين نائية، محافظة على ثبات موقعها في زحمة التحولات الكبرى التي شهدها العالم منذ منتصف الخمسينيات، ومع صعود الحرب الباردة منتصف الستينيات.
ثمة أحزمة جيوسياسية ثلاث تتقاطع عند منطقة المتوسط، الحزام الأمني الأوروبي ويتمثل بجدار دول حافة المتوسط، الحزام الأورو- آسيوي الروسي، والممتد من بودابست حتى بغداد. وحزام الداخل الآسيوي المناط بخط التجارة العالمي من مضيق مالاق او حتى مضيق جبل طارق على الحدود المغربية. لكل من هذه الأحزمة أولويتها وأهميتها بالنسبة لقوى الإقتصاد العالمي الثلاث.
مثلاً، تشكل دول حوض المتوسط بالنسبة لأوروبا جداراً يحول دون امتداد أزمات الجنوب ناحية أوروبا والشمال، بهذا المعنى يمكن اعتبار البحر المتوسط «بحيرة داخلية» بالمعنى الجيوسياسي والأمني الأوروبي، يشكل الحزام الأوروآسيوي صمام الأمان والحرب بالنسبة لروسيا - الأوراسية- يمتلك هذا الحزام امكانية لعب دور البديل الآسيوي للطاقة المصدّرة من روسيا لأوروبا، من خلال امداد تركيا لأوروبا بالنفط الآذري عبر حوض المتوسط (خط باكو- جيهان)، بينما يشكل الحزام الأخير ميراث الخطة الأطلسية القديمة «حلقة الأناكوندا» القاضية بإحكام السيطرة على المنافذ القارية لليابسة الأوراسية، والذي تكفلت أميركا بشكل رئيس في تأمين أمنه وسلامة انتقال الطاقة فيه.
ترتسم عند هذه الأحزمة مؤشرات توازن أي من القوى المتنافسة. عشية سقوط أفغانستان بيد المجاهدين العام 1991، خسرت روسيا ممري حيدر آباد في الشمال، وبوابة الذهب في إقليم هلمند الاستراتيجيين، ومعهما خسرت ثغرة في الحزام الآسيوي الرابط بين خطوط التجارة التقليدية الصينية - الهندية ودول آسيا الوسطى. لقد فقدت روسيا بانسحابها من أفغانستان امكانية التأثير بخط التجارة الصينية الأوروبية مثلاً، مثلما فقدت بخسارتها العراق العام 1990. ومعه بعض من دول أوروبا الشرقية، امكانية التأثير في خط مرور الطاقة جنوب البحر الأسود.
ما بعد الحرب الباردة، كان مفصلاً مهماً، دفع بالدول الإقليمية لإعادة تشكيل خيوط المسألة السياسية برمتها. سادت المنطقة مرحلة من الفراغ الاستراتيجي، بدت كل من تركيا وإيران باحثتين عن دور يملأ هذا الفراغ. إيران الثورة كانت تعد بتمدد ناحية ضفاف المتوسط لتدخل في مواجهة مفتوحة وصريحة مع الغرب الأميركي والأوروبي. تركيا «البانطورانية» (نسبة إلى جذرها القبلي البانطوراني الممتد على طوال دول آسيا الوسطى)كانت قد رفعت شعار «العالم التركي من الأدرياتيكي إلى سور الصين العظيم». داوود أوغلو في كتابه «العمق الاستراتيجي» ما فتئ يذكّر بأن «الدفاع عن اسطنبول يبدأ من ساراييفو، مثلما أن الدفاع عن شرق الأناضول يبدأ من شمال القوقاز وغروزني». بدا كل من الشرق الأوسط والبلقان ساحتين لنشاط القوى المندفعة ومساحة تتقاطع فيها المنافسة الدولية.
أميركا ستتدخل على خط أزمة يوغوسلافيا منذ منتصف التسعينيات لتقترب من خطوط انتقال الطاقة من آسيا الوسطى، روسيا ستقابلها بتزويد قبرص اليونانية بصواريخ أس 300 لوقف المشروع التركي لنقل الطاقة من أذربيجان، أوروبا التي ستقدم بعد مؤتمر منظمة التعاون والأمن الأوروبية في بودابست للسيطرة على مخارج خليج الإسكندرون وشرق البحر المتوسط - بضم قبرص للاتحاد الاوروبي -، أميركا ستوسع مبادرة الدفاع الاستراتيجي، بالتمدد في شرق أوروبا ناحية بولونيا والتشيك، وبدخولها لكل من أفغانستان والعراق،ستعيد من خلال هذا الدخول للهلال الممتد من شمال غرب تركيا إلى باكستان أولويته كحزام جيوسياسي رادع لروسيا عن أي امتداد جنوبي-غربي، وكحزام يحكم الطوق على»إيران» - جسر الأوراسيا الجديدة والمعضلة الأكبر في شبكة أمن الطاقة العالمية-
هل ستقع الحرب على سوريا؟ لكل حرب مجالها وسياقها الخاص، وفق تقاطع الأحزمة وتوجهات الدول الإقليمية، بدا كل من الثلاثي الإقليمي (السعودية، إيران، تركيا) في حالة من النزاع والمراوحة في علاقته بالآخر، يدفع الروسي ومعه الإيراني للامتداد غربا واحكام الطوق على مضيقي هرمز وباب المندب. يوازن الإيراني بين تطلعاته الاستراتيجية، ومصالح الحليف الصيني في القرن الإفريقي، يدفع الأميركي بالسعودي للامتداد شمالاً لقطع الذراع الإيرانية في العراق، ويعيد توزيع الشراكة بين تركيا والسعودية لإنفاذ الطوق الأخضر في العمق الآسيوي عملاً بمبدأ كيسنجر. يدفع الأوروبي بالتركي هو الآخر للامتداد جنوباً لتأمين مجاله المتوسطي، تعهَد اوروبا لتركيا مهمة الامتداد في البلقان من خلال منح كوسوفو استقلالها عن صربيا. تقطع روسيا على تركيا امكان التمدد شرقاً بدخولها أوسيتيا عام 2008. تشتعل الحرب في سوريا، وتتنازع القوى الإقليمية ومعها الأطراف العالمية إزار الحرب، بامكان روسيا وإيران الحفاظ على ضفة شرقي المتوسط خارج مناطق مرور الطاقة عالمياً. بإمكان تركيا وأوروبا تسديد ضربة قاصمة للاقتصاد الروسي ـ ومعه الأمن القومي الإيرني - بفتح منطقة شرق المتوسط لانابيب النفط الخليجي. بإمكان النظام في سوريا اشعال ضفة المتوسط بفوضى تثقل كاهل أوروبا. بإمكان إيران تهديد الاقتصاد الأميركي من خلال ضربات موضعية على طول خط التجارة العالمي.
هل ستقع الحرب على سوريا؟ يستدعي سؤال الحرب تأملاً في ما يمكن أن تفترضه هذه الحرب، أن تُضرب دمشق ويحتفظ النظام بحق الرد، قد يعني أن طهران خسرت إحدى أهم الأوراق، وأن جدارها صار مُشرّعاً للغرب بلا انفلات لقواعد اللعبة. أن تُضرب دمشق ويحتفظ النظام بحق الرد، قد يعني أن روسيا أناءت برحلها تاركة للغرب شرعة التقدير والتقرير، لما يحفظ مجالها في الشرق الممتد من الأوسط إلى البلقان. أن تُضرب دمشق ويحتفظ النظام بحق الرد، قد يعني عود لشرعة التدخل الإنساني - السياسي، وهو ما تعيه الصين وتحذره جيداً، مع ارتكاز قوات مشاة البحرية الأميركية في مجالها الإقليمي.
رويداً يعود السؤال من جديد فيما لو بادر النظام للرد.. هل ستقع الحرب على سوريا؟
السهم الناري- المراقب العام
-
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي
مواضيع مماثلة
» أول جريمة قتل على الإنترنت ستقع قبل نهاية 2014
» 24 ساعة مفصلية أو حرب إبـادة ستقع بين “داعش” و “الجبهة الإسلامية”
» بعد فشل الحرب على النظام.. الرعاة الثلاثة للحرب على سورية يخوضون الحرب فيما بينهم
» ولماذا يستيقظ القوم من حلم اسقاط النظام السوري؟
» كم مرة سجن ابن تيمية ولماذا وكم شهرا قضى في السجن؟
» 24 ساعة مفصلية أو حرب إبـادة ستقع بين “داعش” و “الجبهة الإسلامية”
» بعد فشل الحرب على النظام.. الرعاة الثلاثة للحرب على سورية يخوضون الحرب فيما بينهم
» ولماذا يستيقظ القوم من حلم اسقاط النظام السوري؟
» كم مرة سجن ابن تيمية ولماذا وكم شهرا قضى في السجن؟
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء نوفمبر 26, 2024 12:48 am من طرف larbi
» بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ترحب بإعلان النتائج الأولية للانتخابات البلدية
الإثنين نوفمبر 25, 2024 10:47 am من طرف larbi
» مراسل التلفزوين العربي: 4 ملايين إسرائيلي يدخلون الملاجئ وحيفا تتحول لمدينة أشباح
الأحد نوفمبر 24, 2024 10:23 pm من طرف larbi
» يوم كئيب في تل أبيب» حزب الله يقصف إسرائيل 5 مرات متوالية و4 ملايين في الملاجئ.
الأحد نوفمبر 24, 2024 10:14 pm من طرف larbi
» عصبة العز وثلة الهوان
الأحد نوفمبر 24, 2024 6:40 pm من طرف عبد الله ضراب
» الاهبل محمد بن سلمان يحاصر الكعبة الشريفة بالدسكوهات و الملاهي الليلية
السبت نوفمبر 23, 2024 9:34 pm من طرف larbi
» نكبة بلد المشاعر
السبت نوفمبر 23, 2024 4:41 pm من طرف عبد الله ضراب
» صلاح الدين الايوبي
الخميس نوفمبر 21, 2024 10:36 pm من طرف larbi
» جنائية الدولية تصدر أمري اعتقال ضد نتنياهو وغالانت
الخميس نوفمبر 21, 2024 4:06 pm من طرف larbi
» الى فرسان اليمن
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:52 pm من طرف larbi