خاص: أسرار الصمت السوري و الغموض الروسي و هدف العدوان الأمريكي

انت تخسر حين تخسر قدرتك على التحكم..
You lose when you lose your control
هذا هو بالضبط ما يحدث مع الرئيس الامريكي باراك أوباما.. إنه يخسر قدرته على التحكم بقراراته و أعصابه و تصرفاته مما سيؤدي به بالتأكيد الى الخسارة..
لم يكن من المفترض ألا يسقط النظام السوري خلال الأشهر الأولى مع كل هذا الضخ الاعلامي عن الحرية و الديمقراطية.
لم يكن من المفروض ألا يسقط النظام السوري خلال سنتين من حرب عصابات عالمية ضده شارك فيها و بدون أي مبالغة حوالي مليون مسلح.
لم يكن من المفروض أن يصمد النظام السوري فينكشف الاخوان وينهار مشروعهم من تونس الى مصر و أمريكا قد راهنت عليهم بالكثير.
لم يكن من المفروض أن ينتصر النظام.. هذا سيهدم كل شيء.. كل شيء.. سينهي مخطط الشرق الأوسط الجديد و ستخسر الولايات المتحدة نفوذها و سيتساقط حلفاءها كأحجار الدومينو أما اسرائيل فستكون في خطر حقيقي يتهدد وجودها.
كلاعب القمار الذي كان يخسر و يخسر وجد أوباما نفسه أمام خيارين:
أن ينسحب من اللعبة لوضع حد لخسائره وهذا يعني أنه لن يستطيع تعويض ما خسره أبدا.
أو أن يراهن بكل شيء.. والحرب هي كل شيء و لكن هذا لا يعني أنه قد يكسب فيعوض كل ما خسره و انما هذا قد يعني بأنه قد يخسر كل شيء.
القرار الذي اتخذه أوباما هو قرار ناجم عن خسائر متلاحقة أفقدته قدرته على التحكم, مما دفعه الى اتخاذ قرار غير حكيم سيكلفه و سيكلف الولايات المتحدة غاليا.
لقد وضع أوباما نفسه في موقف الخسارة المحققة مهما فعل:
1- ان لم يضرب سوريا فإنه نصر ما بعده نصر للأسد وشعبية كاسحة له كأول رئيس عربي يكسر الارادة و العجرفة الامريكية, وفي نفس الوقت انهيار كامل للمسلحين وحلفائه الاقليميين فإن كان السيد الأعلى لا يتجرأ على قتال الأسد.. فمن نكون نحن حتى نقاتله ؟
2- اذا ضرب سوريا وهنا المصيبة الاكبر:
- اذا صمد النظام و استطاع الحاق أضرارا بالاسطول الأمريكي او اسرائيل فسيخرج منتصرا نصرا ساحقا على الولايات المتحدة و سيجبرها على انهاء توريد الارهاب و الارهابيين و تمويلهم الى سوريا في أي اتفاق لوقف اطلاق النار مما يعني نصرا باهرا ستترتب عليه نتائج استراتيجية مدمرة للولايات المتحدة وإسرائيل.
- حتى لو ألحقت الولايات المتحدة أضرارا كبيرة بالنظام إلا أنها ستخسر الكثير:
حين يعلن بابا روما وهو الزعيم الروحي للمسيحية رفضه لضرب سوريا.
حين يعلن الأزهر الشريف رفضه للضربة.
حين يرفض ذلك مجلس النواب البريطاني.
حين ترفضه دول أوربية كثيرة.
حين يعارضه الشعب الامريكي.
فعندها ستكون الاقدام على هذه الضربة هي خسارة كبرى للولايات المتحدة مهما كانت النتائج, لن تعود الولايات المتحدة بعدها تلك الدولة الاخلاقية التي تطبق مبادئ العدالة و الحرية و انما ستصبح دولة مارقة على الاجماع العالمي و معتدية.
هل شاهدتم يوما, أمريكا لا تستطيع حشد الحلفاء للحرب كما هو اليوم ؟
هذا وحده يشكل كارثة بالنسبة للمحللين الاستراتيجيين الأمريكيين بغض النظر عن ضرب سوريا أو عدم ضربها.
يدرك باراك أوباما هذا جيدا, لكنه تورط.. وفي كل قرار يتخذه سيتورط أكثر..
سيراقب العالم الولايات المتحدة وهي تضرب سوريا و لكنه هذه المرة سيتمنى أن تنتصر سوريا لتحطم عنفوان هذا الكاوبوي الامريكي على أبواب دمشق.
العالم بعد الضربة لن يعود مثله قبلها, والولايات المتحدة على مشارف الانهيار.. لا يلزمها كي تسقط إلا دفعة صغيرة من القيصر الروسي فلاديمير بوتين.

وهنا يثير اهتمامنا أمران:

أ- تلميح روسي و تلميح إيراني بعدم ترك سوريا وحيدة دون الاعلان عن دخول الحرب معها مع أن اعلان هاتين الدولتين أو حتى ايران منفردة دخول الحرب مع سوريا سيوقف هذه الحرب.

ب- صمت حزب الله التام و صمت سوري حتى بشكل غريب و غامض يثير ألف تساؤل و سؤال.

هل من المعقول أن يكون هذا المحور يريد من الرئيس الامريكي أن يقوم بضربته ؟ لماذا لا يقوم هذا المحور بالتهديد المباشر لاسرائيل و مصالحها و الاعلان أنه عند اطلاق اول صاروخ امريكي على سوريا سيسقط الف صاروخ على اسرائيل ؟ الا يمكن لهكذا تصريح أن وقف الحرب ؟ وحتى لو كان مجرد تصريح.. لماذا يصمتون ؟ هل يريدون استدراج الولايات المتحدة الى حرب تسقط امبرطوريتها المتهالكة اقتصاديا ؟

لا يمكن للرئيس الامريكي أن يقدم على ضرب سوريا الا لهدف واحد و وحيد وهو:

إسقاط النظام عبر غزو بري تقوم به ميليشيات الحر بالتزامن مع العدوان.

إن نجحت الخطة فازوا بكل شيء, وان فشلت خسروا كل شي.

كل الكلام عن اضعاف الجيش السوري و ضرب القدرات العسكرية السورية كلاما فارغا.

باستطاعة الروس تعويض الجيش السوري بأسلحة أحدث من التي قد يخسرها نتيجة العدوان خلال فترة قصيرة و ربما تسليحه بأسلحة لم يحصل عليها من قبل.

باستطاعة حلفاء سوريا مد الجيش السوري بمئات الاف المقاتلين ان لزمه تعزيز أو تعويض في العنصر البشري.

لا يمكن لهذه الضربة التي ستعطي الاسد شعبية كاسحة و التي سيخاطر بها أوباما مع معارضة الرأي العام الامريكي و الاوربي لها أن تكون الا كضربة قاضية هدفها الوحيد اسقاط النظام و أي نتيجة أخرى مهما كانت هي خسارة ماحقة.

مسألة معارضة ومولاة ستمحوها الضربات. وسينمو الشعور الوطني على كل شعور. إنه شعور القرابة والدماء.
- أميركا ستخسر الكثير من مصداقيتها لدى: المنظمات الأهلية والحقوقية والمنظمات الإنسانية….
- الضربات لن تسقط النظام. بل على العكس ستقويه، وستجعل كل التقدميين والعروبيين يلتحمون معه.
- الضربات لن تغير شيئا على الأرض.

تعتمد الاستراتجية العسكرية الامريكة في ضرب سوريا على خطة مؤلفة من شقين:
1- ضربات صاروخية محددة للمراكز العسكرية السورية التي يعتبرها الأمريكان أهدافا مؤثرة في القدرات العسكرية السورية.
2- هجوم بري عن طريق الميليشيات التابعة للولايات المتحدة و التي يطلق عليها اسم الجيش الحر و النصرة و ....
وقد كان جون كيري واضحا جدا بهذا عند سؤاله كيف ستخوضون عدوان على سوريا بدون إنزال جيش عالأرض ؟ فأجاب بوقاحة و ثقة : لدينا الجيش "الحر"
والهدف من الهجوم البري هو السيطرة على دمشق و حلب و بالتالي إسقاط النظام السوري.
تعلم سوريا و حلفاؤها تماما الخطة الأمريكية و لكن الأمريكيون لا يعلمون خطة الدفاع و الرد السورية, وهنا تبدو قدرة النظام السوري كبيرة على مفاجأة القوات الغازية, فهو يعلم ما هو مخططهم و لكنهم لا يعلمون ما هي خطته ردا عليهم.
علينا أولا أن نغض الطرف قليلا عن الحرب النفسية التي تشنها الولايات المتحدة عبر التهديد اليومي بالخيار العسكري و لنلق نظرة على استعدادات المحور الاخر:
أولا : علينا أن ندرك حقيقة مؤكدة وهي أن سقوط النظام السوري سيعني القضاء على حزب الله و من ثم ضرب إيران و من ثم عزل موسكو و تحويلها من لاعب الى متفرج على الساحة الدولية, فالدفاع عن سوريا بالنسبة لهذه الأطراف هو دفاع عن أمنها القومي و وجودها الاستراتيجي و هذا أمر محسوم.
من هذا المنطلق يبدو انخراط هذه الأطراف في الصراع مؤكدا في حال حدوث تهديد جدي للنظام السوري أو أي تغيير خطير في ميزان القوة العسكرية على الارض السورية مما سيفتح بالتأكيد الجبهة مع الكيان الاسرائيلي و سيؤدي الى اندلاع حرب اقليمية أو حتى عالمية.
ولكن.. هل ستندلع الحرب الاقليمية مع أول صاروخ أمريكي يسقط على سوريا ؟
الجواب هو لا, ما لم يتحقق البند الذي بيناه سابقا.

تعتمد خطة الدفاع السورية على أمران:

1- تقليص الخسائر الناجمة عن أي عدوان أمريكي صاروخي الى حدها الادنى, وذلك عبر اخفاء الاسلحة الاستراتيجية التي يمكن استهدافها أو توزيع الوحدات العسكرية مما يصعب عملية قصفها وهذا سيفرغ الضربة الصاروخية الأمريكية من محتواها, وقد كان لدى القيادة السورية الوقت الكافي لتقوم بما سبق خلال 3 أسابيع.
2- دحر الغزو البري لميليشيات الحر و النصرة مما يؤدي الى فشل الخطة الاساسية للغزو وبالتالي الفشل الذريع للولايات المتحدة في عدوانها على سوريا.
وهنا من المؤكد أن القيادة السورية قد وضعت خططا لصد هذا العدوان, مع العلم أن القصف الصاروخي الامريكي غير ذي جدوى على صعيد القوات السورية المشتبكة على الارض مع ميليشيات الحر و النصرة بسبب تداخل و تشابك خطوط القتال و تحركها الدائم مما يجعل الصواريخ الامريكية غير ذي جدوى في حرب عصابات على امتداد الاراضي السورية.

وعلى الرغم أن القيادة السورية تعلم ما ستستهدفه الضربات الامريكية, الا ان القيادة الامريكية لا تعلم المفاجأت التي تحضرها القيادة السورية لكل من يحلم بغزو دمشق.

رجال ليسوا كالرجال يرابضون بانتظار ساعة الصفر.