بوتين والأسد والمبادرة

غالب قنديل

بعد إعلان التراجع الأميركي عن قرار العدوان على سوريا أحيطت المبادرة الروسية بالعديد من التساؤلات وسعت الولايات المتحدة لتسويق جانب أحادي منها هو انضمام سوريا إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة الكيماوية وقبولها بوضع ترسانتها الكيماوية تحت الرقابة الدولية وتكفلت مواقف الرئيس فلاديمير بوتين وتصريحات الرئيس بشار الأسد بتظهير مضمونها الفعلي كجدول يتضمن التزامات متقابلة أميركية وسورية.

أولا أعان الرئيس بوتين بكل وضوح أن المبادرة تتضمن التزامات سورية وأميركية متقابلة ومتزامنة من خلال اعتباره أن تجاوب سوريا بالانضمام إلى المعاهدة الدولية يوجب على الولايات المتحدة ثلاث خطوات من خلال : إعلان تراجعها الصريح عن قرار شن الحرب على سوريا أو ما أسماه أوباما بالضربة العسكرية ، سحب الولايات المتحدة لحشدها العسكري الذي قامت به لتنفيذ قرار العدوان ، واتخاذ التدابير الفورية لوقف دعم عصابات الإرهاب في سوريا وهذا ما يتضمن قرارا أميركيا صريحا بإلزام الحكومات الشريكة في العدوان على سوريا بالكف عن تمويل وتسليح العصابات التكفيرية وإرسال حشود إرهابية إلى سوريا من دول الجوار وهو المغزى العملي لإشارة الوزير لافروف خلال مباحثاته مع نظيره الأميركي إلى الاندماج العضوي بين مبادرة روسيا ومؤتمر جنيف 2 وهو المضمون الذي رضخ له جون كيري في تصريحه اللاحق مما يشير إلى نجاح روسي في فرض التقيد بهذا التصور الروسي الواضح وقد اعترف كيري أيضا بان أي قرار دولي حول الكيماوي لن يتضمن أي عقوبات بحق الدولة السورية بعدما رفض الوزير لافروف المشروع الفرنسي الذي عرض سابقا.

ثانيا أعلن الرئيس الدكتور بشار الأسد في حديثه إلى قناة روسيا 24 أن سوريا تتعامل مع المبادرة الروسية بمفهوم الالتزامات السورية والأميركية المتقابلة وبالتالي فهي تعتبر أن تجاوبها في الملف الكيماوي سيكون بخطوات عملية لن تتخذ إلا مقابل خطوات أميركية موازية على صعيد التراجع الصريح عن قرار العدوان سياسيا وعمليا وكذلك الوقف التام لعمليات دعم الإرهاب في سوريا و سعى الرئيس بوتين من جانبه لبلورة هذا المضمون في مقالته التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز عندما خاطب الرأي العام الأميركي وأعضاء الكونغرس بحقيقة أن القوى التي تقاتل ضد الدولة السورية مدعومة من الولايات المتحدة والغرب هي كناية عن منظمات تصنفها حكومة الولايات المتحدة نفسها على لوائح الإرهاب العالمي وشرح كونها فصائل إرهابيين ومرتزقة متعددة الجنسيات ( تضم أفرادا من 83 دولة كما أوضح الوزير وليد المعلم ) وقال بوتين إن في عداد هذا الحشد الإرهابي العالمي بعض المقاتلين الروس .

ثالثا إن الخطوات العملية في مسار مراقبة الكيماوي تحظى بضمانة روسية أكيدة يرسخها التزام معلن بدعم سوريا في مجابهة تهديدات العدوان الأميركية ويبدو واضحا أننا نتجه لبلورة جدول زمني لخطوات متقابلة تضع الكيماوي مقابل وقف العدوان الاستعماري على سوريا بجميع مستوياته وسيكون فرض تجفيف المستنقع الإرهابي عبر آلية وقف العنف المتضمنة في جنيف 2 مجالا لبلورة توازن قوى في الميدان السوري يسمح بانطلاق هجومي لعمليات الجيش السوري في تصفية معاقل الإرهاب واستعادة سيطرة الدولة الوطنية على كامل الأراضي السورية ومن ثم الإفراج عن الحوار الذي وصفه لافروف بحرفية العبارة الرسمية السورية التي وردت في مشروع الرئيس الأسد للحل السياسي من خلال الدعوة لحوار تشارك فيه جميع مكونات المجتمع السوري ومعلوم أن الولايات المتحدة هي التي عطلت المبادرات السياسية في سوريا منذ تفاهمات جنيف الأولى عام 2012 وبالتالي فقد تم استخدام توازنات الردع الجديدة التي أظهرها اختبار القوة منذ قرار العدوان لإلزام حلف العدوان بتفكيك منصاته وسيعني ذلك عمليا وقف جميع أشكال التدخل في سوريا وتعهد واشنطن بتفكيك حلف الخيبة الذي استجمع حكومات الخليج والأردن العميلة للغرب في باريس وبردع حكومة الوهم العثماني عن مواصلة إرسال الإرهابيين ومدهم بالسلاح من الحدود التركية وثمة معان كثيرة لمبادرات الجيش العربي السوري الهجومية في أرياف إدلب ودمشق ودرعا وحلب.