كنيسة مارونية في قطر؟؟

د. عامر السبايله

يبدو واضحاً ان التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط قد بدأ فرض واقع جديد على كثير من الدول و الذي يعني منطقياً ضرورة تبني سياسات جديدة. على مدار الأزمة السورية ظهر جلياً للجميع حجم التطرف الذي يسكن منطقة الشرق الأوسط, لدرجة ان العالم أجمع بات يشعر بالقلق من حجم خطر التطرف و الارهاب الذي يتم تغذيته يوما بعد يوم في المنطقة.
مع بداية الأزمة في سوريا كان النموذج العراقي حاضراً في عقول الكثيرين. ظهور الجماعات المسلحة على الأرض في سوريا اعادة صياغة وجهة نظر الكثيرين في شكل الصراع و جعل هواجس الخوف هي الأقوى. اعادة تجربة التقتيل و التهجير و تهديد الوجود المسيحي شكلت كابوساً حقيقياً و مانع حقيقي لفكرة استخدام القوة العسكرية في سوريا. لهذا فان خروج سوريا من الأزمة و منع سقوطها في فخ التحول الى أفغانستان جديدة تحول ضمناً ليصبح الهدف الأسمى لدى الكثيرين في العالم. موقف الفاتيكان كان الأبرز حيث بني على نقطتين رئيسيتين: الأولى ضرورة الدفاع عن مستقبل المسيحية في الشرق, اما الثانية فمثلت استشعار لشكل الخطر القادم من المغامرة بمستقبل سوريا. مع ذلك, أصرت كثير من القوى على المضي قدماً في موضوع اسقاط النظام في سوريا بأي ثمن.
مع التحولات الأخيرة في المنطقة و انحسار الخيار العسكري و تولد القناعة لدى أغلب أطراف المجتمع الدولي بأن الحل الوحيد في سوريا هو عبر بوابة جنيف. يظهر الامتحان الجديد امام أغلب الأطراف المنخرطة في تأجيج الصراع في سوريا. في المقابل تظهر تحديات جديدة امام الشرق الأوسط تتمثل مبدئياً بالحفاظ على حالة الاعتدال الفكري و جود الاقليات و بالتأكيد واقع المسيحية في الشرق و مستقبلها.
الملك عبد الله الثاني – على سبيل المثال- اتجه الى الفاتيكان في رسالة ضمنية تهدف الى تسويق حالة من الاعتدال و صياغة دور جديد في المرحلة القادمة, خصوصاً فيما يتعلق بالحفاظ أيضاً على مسيحي في الشرق. حالة البحث عن طرق تواكب التطورات لم تقف عند الاردن. فالتحول الأكبر الذي يمكن رصده يتمثل في الاستدارة القطرية خصوصاً بعد تعثر المشروع القطري و انجاز الانتقال السياسي كنتيجة طبيعية لانحسار هذا المشروع و ادواته في المنطقة. الدوحة التي كانت قد افتتحت مكتب تمثيلي لحركة طالبان في الدوحة و قامت ببناء مسجد يحمل اسم محمد بن عبد الوهاب قررت النأي بنفسها عن سياسة التطرف عبر عدة رسائل رمزية قد يكون اهمها مؤخراً دعوة البطريرك بشارة الراعي الى الدوحة و التبرع ببناء اول كنيسة مارونية في الخليج على أرضها.
التنافس على تبني سياسة الاعتدال هو سباق بدأ فعلاً بين الدول التي تخشى العزلة السياسية من جهة و تدرك خطر وضع نفسها في مواجهة العالم من جهة اخرى. خصوصاً أنه أصبح واضحاً أن العالم بات يبحث عن وضع حد و نهاية لكل انواع التطرف و وكلاؤه. لهذا فالدول التي تصر على انتهاج سياسة التشدد و الانغلاق و تمويل التطرف و المتطرفين تبدو و كأنها تصر على المضي قدماً في عملية انتحار سياسي, حيث أنها تضع نفسها فعلياً في مصاف الاستهدافات القادمة, خصوصاً اذا ما أخذنا بعين الاعتبار وجود كثير من القضايا الداخلية العالقة و الناجمة عن سياسات الاقصاء و التشدد التي تتبناها مثل هذه الدول في سياساتها الخارجية و الداخلية. لهذا فان كثير من الدول مثل السعودية و البحرين و آخرين معنيون تماماً بتقديم حلول حقيقية سريعة لكثير من مشاكلهم الداخلية.
الرغبة في الانفتاح على العالم و سيادة فكر الاعتدال و التناغم مع التحولات في عالمية الفكر قد تشكل أساساً لإعادة صياغة مستقبل المنطقة اليوم. لهذا فان دول التشدد و التعصب قد تكون على أعتاب الدخول في تحديات المراحل الأخيرة.