ما هو سر زيارة كيري الخاطفة لمصر ؟

شادي الشربيني

بدت زيارة كيري القصيرة جدا، و التي لم تستغرق سوى ست ساعات، أنها خارج السياق و غير مفهومه، فهي لم تكن أصلا مدرجة على جدول زيارته للمنطقة، و بدا فيها تحول في التوجه الأمريكي نحو الأعتراف بنظام ٤ يوليو، بل و إظهار إشارة بعدم الأعتراض عن محاكمة رجلهم و مجموعة جماعة الأخوان التي جاءت إلى السلطة بمباركة أمريكية…
فما سر هذا التحول، و ماذا وراء هذه الزيارة القصيرة المقحمة…؟؟؟!!!
يمكن بكل بساطة فهم سر هذه الزيارة السريعة المباغته، و التغير الكبير في الموقف الأمريكي، بأستعراض الزيارة التي قام بها وفد روسي رفيع المستوى للقاهرة الأسبوع الماضي، و كان على رأس هذا الوفد قيادة كبيرة من المخابرات الحربية الروسية، يقال أنه نائب مدير الجهاز، و النتائج التي أسفرت عنها هذه الزيارة….
ففي هذه الزيارة، وافق الروس على طلبات السلاح المصري بشكل كامل تقريبا، عدا تحفظ أبداه هذا الوفد تجاه طلب مصرى باستيراد صواريخ ss-25 الروسية الحديثة جدا، ذلك لأن مدى هذا الصواريخ القوية الحديثة يصل إلى ٢٠٠٠ كيلومتر، مما يعني وقوع كثير من العواصم الأوروبية في مدى هذا الصاروخ، مما قد يسبب حرج بالغ لروسيا مع أوروبا….
النقطة ليس فقط قبول قوائم طلبات التسليح المصرية، و التي تضمنت أسلحة حديثة و متقدمة للغاية، و لكن أيضا عرض تسهيلات مذهلة في طرق السداد، بطريقة تجعل مصر تستغني عن أي تمويل خارجي، المقصود السعودية بالأساس، في شراء هذه الصفقة الضخمة…
الأكثر من هذا، أن روسيا أكدت في هذه الزيارة، عرض كانت قد تقدمت به، و هو بناء و تزويد محطة الضبعة النووية بأحدث المفاعلات النووية الروسية، بل و أيضا توفير تمويل روسي كامل لبناء محطة الضبعة النووية بالكامل…. و لم يكتفي الروس بذلك، بل كانوا يحملون في حقيبتهم أتفاقية لتعاون أقتصادي و صناعي شامل، تنفيذ هذه الأتفاقية كفيل بأنتشال الأقتصاد المصري من كبوته و تعثره المتضاعف، بل و تحديث الصناعة المصرية بشكل جذري و عميق لم تشهده منذ زمن طويل جدا…
العروض الروسية كانت بلا أي مقابل تقريبا، فقط طلب بتسهيلات لسفن الأسطول الروسي في الموانيء المصرية، لا تزيد على الإطلاق عن تلك الممنوحة لسفن الأسطول السادس الأمريكي…
المعلومات المعروضة سابقا ليست سرا، بل أصبح يعرفها العدو قبل الصديق، لذا لا حرج في عرضها هنا، لفهم و تفسير زيارة وزير الخارجية الأمريكي لمصر في هذا التوقيت بالذات… الأمريكيون يريدون أن يقللوا من خسائرهم المتوالية في مصر منذ ٣٠ يونيو الماضي، و الأتفاق المصري – الروسي لا يعني فقط خروج كامل لمصر من دوائر النفوذ الأمريكي، و لا فقط أنقلاب في موازين القوى في المنطقة، بل أنقلاب موازين القوى العالمية، و ضربة ساحقة للنفوذ الإمبراطوري الأمريكي…
الروس جادين للغاية في سعيهم لبناء علاقات إستراتيجية مع مصر، و مساعدتها إلى أبعد أبعد مدى، و لكن خشيتهم الحقيقة هو أن تكون ما تفعله القاهرة مجرد مناورة و تجميع لأوراق تساوم بها الأمريكان، فإذا تأكد لروسيا أن مصر جادة بشكل كامل في كسر الطوق الأمريكي، و بناء سباسية جديدة مستقلة عن النفوذ الأمريكي، فإن هذا سيتم ترجمته على الفور إلى زيارة يقوم بها قيصر روسيا فلادمير بوتين، إلى القاهرة و تدشين عصر جديد في المنطقة… بل و العالم كله….
أما إذا صحت المخاوف الروسية بشأن أن ما تقوم به مصر مجرد مناورات و تجميع أوراق لمساومة و مفاوضة الأمريكان، فذلك يعني، بمنتهى الصراحة، أن يحق للأمريكان أخذنا في الحارة المزنوقة، حسب قول الشهير للمخلوع، و أن يفعل بنا ٢..٣..٤..٥..٦ ما بدا لهم في تلك الحارة…!!!!‏