هل تستطيع الحكومة الليبية لجم المليشيات المسلحة؟
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
هل تستطيع الحكومة الليبية لجم المليشيات المسلحة؟
الدكتور خيام محمد الزعبي-كاتب وباحث أكاديمي سوري
أن مسألة المليشيات هي واحدة من أكثر القضايا إلحاحاً التي تواجه الحكومة الليبية، حيث نشأت عشرات الألوية القتالية الطليقة من المتطوعين المسلحين في جميع أنحاء البلاد وقد أصبحت هذه الألوية المسلحة بحكم الواقع الحكومات المحلية في مدن عديدة من العاصمة الليبية.
يتزايد إنزلاق ليبيا في الفوضى، ويبدو أن الحكومة الليبية مفتقدة لوسائل تحقيق الإستقرار في البلد كما أنه من غير الواضح أيضاً كيف ستتعامل الحكومة مع المليشيات المسلحة التي تتحدى الحكم المركزي في ليبيا، فالميليشيات مازالت تسيطر على مناطق واسعة في المدن الليبية ورغم أن الحكومة تبدو مصممة على مواجهتها، إلا أن هناك شكوكاً في قدرتها على تحقيق الأمن وفرض القانون، وقد ألقى خطف نائب رئيس المخابرات الليبية مصطفى نوح الضوء مجدداً على ضعف أجهزة الدولة أمام هذه الميليشيات.
تواجه ليبيا اليوم تهديدات حقيقية، فالنزاعات القبلية والصراعات المحلية قد تحيلها الى وضع فوضوي غير مسبوق، إذ أن البترول الذي يستطيع أن يؤمّن حياة الليبيين هو الآن الجزء الذي تدور حوله الصراعات وهو ايضاً السبب الذي يدفع القوى الإقليمية والدولية الى إمكانية التضحية بليبيا وتحويلها الى صومال جديد غير آمن ومستقر مادامت منابع النفط مؤمّنة والدولة الليبيّة لا تملك أي ديون خارجية.
ومن هذا المنطلق لا تزال ليبيا، تعاني من إنفلات أمني واسع وموجة من الإغتيالات التي طالت الآلاف من الأشخاص معظمهم من رجال الجيش والشرطة، إضافة إلى رجال الدين والسياسة والإعلام، وكرست أعمال العنف الأخيرة من الغضب الجماهيري ضد الميليشيات في طرابلس حيث وقعت اشتباكات عنيفة بين الجماعات المتنافسة على الأراضي أو بسبب خصومات شخصية، وفي إطار ذلك تزايدت المطالبات الشعبية بضرورة رحيل المليشيات من العاصمة الليبية طرابلس وتسليم المدينة لقوات الجيش والشرطة.
وفي إطار ذلك إن الدولة الليبية تحيط بها الأزمات من أكثر من محور فضلاً عن سيطرة المليشيات على مخازن السلاح التي فقدت الدولة السيطرة عليها بعد قتل القذافي، ما جعل الدولة تخضع لإبتزاز المليشيات التي تتحكم في إنتاج النفط والإعتداء على الشخصيات العامة، ما أدى إلى تراجع صورة الدولة الليبية في الداخل والخارج خاصة بعد مقتل السفير الأمريكي في طرابلس والاعتداء على أكثر من قنصلية وسفارة في العاصمة، فضلاً عن انتشار الفساد ونهب أموال الدولة الليبية.
ولشراء السلام وزعت السلطات الانتقالية في ليبيا بشكل مكثف ملايين الدولارات على العديد من الميليشيات، للإنسحاب من المناطق وترسيخ مبدأ الأمن والفوضى وعندما تتوقف الحكومة عن توزيع المكافآت أو الحوافز أو تسعى إلى حل هذه الميليشيات، فإن الأخيرة لا تتوانى عن مهاجمة مؤسسات الدولة وخطف مسؤولين أو تعطيل مواقع نفطية في البلاد.
وفي سياق متصل هناك أكثر من 50 تشكيلاً مسلحاً في وسط طرابلس، وتنتمي هذه المجموعات المسلحة إلى عدة مناطق وقبائل ليبية، وبات من المعروف بأن هذه المجموعات تملك أهداف متعددة تشكل مشكلة أمنية كبيرة للسكان والحكام الجدد في ليبيا.
وفي وقت سابق عرضت حكومة علي زيدان خطة مؤلفة من 15 بنداً لإجلاء المليشيات المسلحة عن طرابلس، وتقضي هذه الخطة إحصاء المجموعات المسلحة بالعاصمة ومواقعها تمهيداً لإجلائها نحو مواقع أخرى خارج المدينة، كما إن الحكومة تنوي وضع خطة ثانية لنزع سلاح المجموعات التي سيتم إبعادها من طرابلس، ودمج أفرادها بأجهزة الأمن والجيش الليبي.
في هذا السياق قال رئيس وزراء ليبيا علي زيدان إنه يجب على جميع الميليشيات المسلحة مغادرة طرابلس دون إستثناء في أول تصريح له بعد الإشتباكات بين الأهالي والمسلحين، وأبلغ زيدان الصحافيين “أخطر شيء هو وجود السلاح خارج أيدي الجيش والشرطة مهما كانت المسببات”، وأضاف “يجب على كافة الكتائب المسلحة من أي مدينة أن تخرج من طرابلس ولا توجد استثناءات لأي كتيبة”.
وبالمقابل تسبب التدهور الأمني والفوضى السياسية في ليبيا بتعطيل القطاع النفطي وتهديد مستقبله، ليهوي انتاج البلاد من 1.4 مليون برميل يومياً الى 200 ألف فقط، كما أن الإمدادات تتوقف بين الحين والآخر بسبب العنف الذي تمارسه الميليشيات المسلحة والتي تمثل التهديد الأكبر لشركات النفط الأجنبية العاملة في البلاد، وهو ما يتوقع أن يكبد الإقتصاد الليبي خسائر كبيرة في حال إستمرت الأوضاع الأمنية والسياسية على حالها،
وقالت جريدة فايننشال تايمز البريطانية ان حقل “الشرارة” النفطي الذي كان ينتج 350 ألف برميل نفط يومياً أصبح متوقفاً عن العمل تماماً منذ أواخر شهر أكتوبر الماضي، وذلك بسبب الخلافات السياسية التي أدت الى تدهور الأوضاع الأمنية في العديد من مناطق البلاد.
أكد رئيس الوزراء الليبي أن 60% من المنشآت النفطية في البلاد توقفت عن العمل، فيما قال وزير الخارجية ان إغلاق هذا العدد الكبير من المنشآت النفطية يكلف البلاد خسائر تتجاوز 130 مليون دولار يومياً، وتقول “فايننشال تايمز” ان مسؤولي النفط في ليبيا يجدون أنفسهم دون حماية ولا قوة وسط حالة الفوضى السياسية، وفي وسط ميليشيات متناحرة تتنافس من أجل السيطرة على حقول النفط والغاز في البلاد.
ونظراً لذلك تحث الحكومة الليبية العديد من الشركات الأجنبية على العودة للعمل في البلاد، الا أن هذه الشركات لا تبدي أي حماسة للعودة الى ليبيا في ظل الأوضاع الراهنة المتوترة.
وتراقب الدول المجاورة الوضع في ليبيا عن كثب بسبب المخاوف من إنتقال العنف عبر الحدود غير المؤمنة خاصة في ظل إحتماء متشددين من تنظيم القاعدة في الصحاري الجنوبية التي لا تخضع لسيطرة طرابلس إلى حد كبير، إذ أعرب وزراء الخارجية الأوروبيون في تشرين الثاني 2013، عن قلقهم إزاء التدهور الكبير للوضع في ليبيا، بعد الصدامات الدامية في الأيام الأخيرة، وقال الوزراء في ختام إجتماعهم الشهري ببروكسل: “إن الاتحاد الأوروبي قلق إزاء التدهور الكبير للوضع السياسي والأمني في ليبيا ويدين أعمال العنف التي وقعت في الخامس عشر من تشرين الثاني في طرابلس”، ودعا السلطات الليبية إلى مواصلة الاستيعاب التدريجي لعناصر الكتائب الثورية من خلال برامج تسريح وإعادة استيعاب ونزع سلاح، هذا وأطلق الاتحاد الأوروبي مؤخراً مهمة مدنية، هدفها تدريب طاقم مكلف بمراقبة الحدود البرية والبحرية والجوية، ومن جهة أخرى أعلن متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أن الجيش الأمريكي يستعد لتدريب خمسة آلاف إلى ثمانية آلاف جندي ليبي في بلغاريا لمساعدة السلطات الليبية على تشكيل جيش محترف.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا بقوة، هل تستطيع الحكومة لجم المليشيات المسلحة في ليبيا؟
من الواضح أن هذه المليشيات لديها مصالح تريد حمايتها والحفاظ عليها حتى وإن كان ذلك بقوة السلاح، وطالما ترفض الحكومة الإعتراف بمصالح هذه المليشيات، طالما تبقى خططها غير فعالة، وتبدو الحكومة من جهتها غير قادرة على السيطرة على السلاح الموجود وعدم قدرتها على تقديم المكافآت والحوافز لهذه المليشيات للتخلي عن المناطق التي تسيطر عليها وتقديم سلاحها للدولة، وبالتالي تبقى عاجزة أمام تنامي قوة هذه المليشيات خاصة في شرق البلاد الذي يشكل مسرحاً لإغتيالات عناصر أمنية واعتداءات على مصالح وهيئات دبلوماسية غربية، وفي الإطار نفسه أدى تصاعد أعمال العنف إلى هروب معظم الدبلوماسيين والشركات الأجنبية هذا مما ينعكس سلبياً على إقتصاد ليبيا ويؤخر إعادة إعمار هذا البلد لعشرات السنوات.
وبالتالي أرى فإن استمرار الوضع الحالي في ليبيا سيكون مؤشراً على زعزعة إستقرار وأمن الدولة الليبية ودخول عصر المليشيات وهو ما يهدد بدخول ليبيا حقبة زمنية قد تصل لعشرات السنوات من الفوضى الأمنية والسياسية يصعب الخروج منها وتتحول خلالها من دولة غنية أراد شعبها أن تدخل إلى قائمة دول التقدم والازدهار إلى دولة فاشلة سياسيا واقتصاديا.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن الطريق إلى وحدة ليبيا على أسس مؤسسات وطنية ثابتة وقوية يبدو اليوم طويلاً وصعباً ولكن الوصول إليه ليس مستحيلاً وذلك عن طريق تعزيز منطق العقل والرشد بين الفرقاء المتخاصمين وتسلح الجميع بالشجاعة السياسية وتضييق الخناق على أصحاب المصالح الشخصية والعمل على تحقيق المصلحة العامة ليعود بالنفع لصالح المواطنين، وهذا يتطلب تحقيق وتعميق ثقافة الحوار وتعزيز المناقشات حول مواضيع دعم الهوية والمصالحة بين الجماعات المتحاربة، ولا بد من تحكيم العقل والتمسّك بالوحدة الوطنيّة والوعي بأن مصير الليبيين لا ينبغي أن يخرج من أيديهم وبإمكانهم الاختيار أين يضعوا أنفسهم ووطنهم في الفوضى أم في الاستقرار والازدهار الذي يقود الى تعزيز مكانة ليبيا على المستوى الإقليمي والدولي.
السهم الناري- المراقب العام
-
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي
مواضيع مماثلة
» اللواء عمر تنتوش علي قناة وطن الكرامة :القوات المسلحة العربية الليبية جاهزة للقضاء علي المليشيات المسلحة
» ملخص لجلسة استماع للكونجرس الامريكي حول ليبيا :الولايات المتحدة الامريكية لن تستطيع الاعتماد على الحكومة الليبية .
» السيسي: السلاح يتدفق على المليشيات.. والأمم المتحدة تحظره على الحكومة الليبية
» فاطمة أبو النيران:المليشيات المسلحة في مدينة برك الشاطىء الليبية تستخدم أسلحة محرمة دولياً
» الحكومة الليبية تثمن عملية تحرير بنغازى من الجماعات المسلحة
» ملخص لجلسة استماع للكونجرس الامريكي حول ليبيا :الولايات المتحدة الامريكية لن تستطيع الاعتماد على الحكومة الليبية .
» السيسي: السلاح يتدفق على المليشيات.. والأمم المتحدة تحظره على الحكومة الليبية
» فاطمة أبو النيران:المليشيات المسلحة في مدينة برك الشاطىء الليبية تستخدم أسلحة محرمة دولياً
» الحكومة الليبية تثمن عملية تحرير بنغازى من الجماعات المسلحة
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:32 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة سجلات الأعمال الإحصائية للبلدان العربية|قطاع التامين:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:31 pm من طرف ايمان محمد
» دورة إدارة وبرمجة وتخطيط وجدولة وضبط المشاريع بإستخدام الحاسب الالي MS Project و بريمافيرا:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:23 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة تخطيط وتطبيق مكاتب إدارة المشاريع والتحضير لشهادة مدير مشاريع محترف:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:19 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة إدارة إتصالات ومخاطر وتوريدات المشاريع|إدارة المشاريع:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:16 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة تطبيقات الحوكمة فى القطاع المصرفى Governance|البنوك والمالية:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:07 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة مبادىء وإعداد القوائم المالية فى القطاع المصرفى|البنوك قطاع المصارف:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:04 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة إدارة وتحصيل الإشتراكات التأمينية|البنوك قطاع المصارف:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:02 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة استراتيجيات وتقنيات اعداد وادارة العقود والحد من المخاطر المالية والقانونيةالقانون والعقود:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 2:57 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة الأســـس الفنيـــة لصياغــــة عقـــود المقـــاولات الإنشائيـــــة|القانون والعقود:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 2:54 pm من طرف ايمان محمد