أميركا من القاهرة .. إلى طهران

وائل عبد الفتاح
ــ 1 ــ
يبدو أن أميركا تهندس موقعها، أو تعيد خريطة وجودها في المنطقة حسب مصير ثورات/ حروب ما يسمّونه «الربيع العربي». ليس هذا هو العامل الوحيد طبعاً. هناك أيضاً فشل أدواتها أو ترهل خياراتها (من اللعب على المسافة بين قطر والسعودية إلى الرهان على فعالية الحكم الإسلامي مروراً بملء فراغات السياسة بتوزيع الحصص الطائفية والمذهبية).
هكذا تشحب مرحلة كاملة من تاريخنا السياسي بالتدريج ووفق إيقاع حركة ألواح القوة بعد زلازل ارتبطت بخريف الأنظمة أكثر من ارتباطها بقدرات بناء «دول جديدة».
الإيقاع الأميركي يجدّد مواقع الدول لتدخل خارطة جديدة، تقوم على وضع حد او سقف لصراعات او تجمّد صراعات اخرى، او تتيح مساحة تفاعل لحسابات اخرى (كما حدث مع الرغبة الإيرانية في اختراق الحظر والحصار التي تلاقت ربما مع رغبات في إحداث توازن فعال لتوحُّش التنظيمات السلفية او السنية).
المسرح هنا ممهّد للوسطيين/ الإصلاحيين، الذين لا يتصادمون مع الدولة وايديولوجيتها، كما انهم لا يكتفون بنسختها المتطرفة، المغلقة على ذاتها، انهم ليسوا وسطيين بقدر تمثيلهم لجناح يفكك الايديولوجيا القائمة لتستمر لا لتنقرض.
ــ 2 ــ
وفي مصر يبدو هذا الجناح بلا فعالية تقريباً. لأن وجودهم في الدولة بمنطق الضيافة الثقيلة، اما خارجها فيذوبون في راديكالية ثورية، بلا جسم سياسي، وهنا تحتاج ماكينات إعادة تركيب الدولة القديمة الى المسافات المعلنة عن اميركا. يقول جون كيري: «… لقد سرق الاخوان الثورة»، فيما يبدو انه اعتذار متأخر عن الموقف الزاعق لتأييد الاخوان. فيأتي الرد سريعاً وغير رسمي: «لا نصدقكم…». المسافة مع اميركا هي جزء من الخطاب المصنوع من رُقع الخطابات القديمة الفاتنة في «الوطنية المصرية» من محمد علي الى السادات، وبرغم افتقاد خطة «عدالة اجتماعية» تحشد جمهوراً لخطاب الرُّقع، الا ان السيطرة على الاعلام ووجود بطل شعبي (السيسي) سيمنحان الخطاب فرصة/ وهمَ الهيمنة.
ــ 3 ــ
هل يلتفت خطاب إعادة تركيب الدولة في القاهرة الى تفكيك واشنطن للاوزان في المنطقة…؟
الخطاب منشغل بشيطنة اميركا، ليواجه قطاعات الثوار الذين لم يدجنهم بعد، اي ان الشيطنة التي كانت ايرانية بامتياز، تعيش اليوم تفاصيل طبعتها المصرية، بما يؤثر في ذلك طبيعة الرُّقع داخل الخطاب الايديولوجي، حيث تتصادم عدائية ناصر مع براجماتية السادات فيما يتعلق بأميركا التي تفقد بشكل ما ادوات كونها «الراعي الأوحد» في المنطقة، ليس بعودة الثنائيات، او الحرب الباردة، ولكن بطرق ليس من الذكاء استعجال تأطيرها في نماذج سابقة، او استباق تخيّل ما تنتهي اليه رقصة «الشيطان» الأميركي في منطقة هي مسرح استعراض قديم يودّع أيامه الأخيرة، استعداداً لاستراحة ستكون رهاناً على الوسطيين، اصحاب القدرات في حماية الكيانات القائمة من الانهيار كي تكون صالحة لتغييرها.
اميركا التي وصلت إلى أرضية اتفاق، وسقف للخلاف مع عدوها الرئيس/ إيران تفشل في ذلك مع حليفها الرئيس/ مصر، وفي هذا علامة من علامات القيامة الكبرى.