روسيا وأوروبا: اشتباك مصالح حدودي
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
روسيا وأوروبا: اشتباك مصالح حدودي
وسيم ابراهيم
في اللحظة الأخيرة اعتكفت أوكرانيا عن توقيع الشراكة مع الأوروبيين. ومن بين أسباب كثيرة، قالت قيادتها السياسية إن هذا لمصلحة… «الأمن القومي».
ولمعرفة الأسباب من الأفضل تعداد ما لم تهدّد به موسكو، بعدما رصفت بالوعيد التنازلي طريق الأوكرانيين إلى قمة «الشراكة الشرقية» مع الاتحاد الأوروبي. قمة العاصمة الليتوانية فلنيوس افتتحت ليل أمس وتختتم اليوم. موسكو عرقلت شراكة الأوروبيين مع ست جمهوريات سوفياتية سابقة، بتنحية أوكرانيا الأكبر بينها. الإحباط لم يصب الأوروبيين فقط. مثلهم بالطبع عدد ليس قليلاً من مواطني الشرق السوفياتي السابق، الذين سئموا من العيش في كنف «الأخ الأكبر».
شوارع كييف تشهد الآن أحد انفجارات هذا السأم. «وقعوا الاتفاق»، يخاطب آلاف الغاضبين قيادة بلادهم. المعارضة انضمّت لهم، والأعلام الأوروبية انتشرت كما لم يحصل سابقاً. في ساحة «الثورة البرتقالية»، وربما على منوالها، هناك من يأمل بإحداث تحوّل، خلال القمة أو بعدها.
لكن روسيا ستبقى بالمرصاد لأية محاولة، بعدما وصمت مشروع بروكسل بأنه «تهديد». لم تكن تحذيراتها مجرد كلام. منذ آب الماضي، بدأ الروس بصناعة مشهد واقعي للعواقب. اصطفت صادرات أوكرانيا تنتظر على حدودها الشرقية، والسلطات الروسية تذرعت بشبهة تهريب بضائع أوروبية. هكذا اتضح بالتجربة كم سيكون تعطيل اتفاق التبادل الحر القائم بين الجانبين شديد الضرر. 80 في المئة من تجارة أوكرانيا الخارجية تمر عبر روسيا، والتي تستقبل أسواقها تقريباً ربع تلك الصادرات.
تبع ذلك التوعد بسحب الصناعات الروسية «الحساسة» العاملة من أراضي الجارة، ولا سيما في قطاعي الطيران والفضاء. بالطبع الغاز لم يكن خارج اللعبة، واعتماد أوكرانيا على الصادرات الروسية جعلها مرتهنة. لم يبد أن إغلاق صنابير التصدير سيكون مستبعداً عن موسكو إذا تقدم «التهديد» لنفوذها. عملاق الغاز الروسي «غاز بروم» أصبحت تتحدث عن الدفع مسبقاً قبل التصدير، والذريعة ديون أوكرانيا التي وصلت الى 1.3 مليار دولار.
ما لم يصل عبر كل هذه الرسائل تكفلت به التصريحات المباشرة. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هو نفسه، من قال، منذ أشهر، إن محاولة أوكرانيا الجلوس على كرسيين «لن تنجح». كان يشير إلى تردد كييف حيال مشروع روسيا المنافس، المسمى «الاتحاد الجمركي»، وطموحه إعلان «الاتحاد الأوراسي» في العام 2015. بوتين يأمل أن يكون اتحاداً سياسياً واقتصادياً، ويضم الآن مع روسيا كلاً من كازاخستان وبيلاروسيا، وصولاً إلى ما يمكن جمعه من الجمهوريات السوفياتية السابقة.
خلاصة البوتينية هذه، لم تترك لتنضج من دون تسخين متواصل. لم يسبق أن استضاف الكرملين الرئيس الأوكراني فيكتور يانكوفيتش بهذه الكثافة، كما فعل خلال الأشهر الماضية مع الحليف يانكوفيتش. الأسبوع الماضي وحده شهد زيارتين أحيطتا بتكتم وسرية. هذه الاجتماعات هي أنضجت الإعلان الأوكراني عن «تأجيل» التوقيع، وإن لم تكشف الوعود وجوائز الترضية التي ستحصل عليها كييف في المقابل.
لم يضع الكرملين حداً نهائياً لمشروع الأوروبيين، لكنه أظهر أن روسيا لن تدخر عرقلة لمنع إحرازه أي تقدم حاسم. وإن لم تعلن قيادة أوكرانيا أنها اختارت بدلاً من الأوروبيين «الاتحاد الجمركي»، لكن عناوين الأخبار تستخلص مسبقاً هذه النتيجة. لم يكن خروج أرمينيا من نطاق المغناطيس الاقتصادي الأوروبي بهذا الالتباس. أعلنت يريفان بجلاء أنها ستنضم إلى المشروع الروسي، معلية شأن حاجاتها الأمنية والعسكرية. من بقي؟ إضافة لهذه الدول الأربع، يحاول الأوروبيون الإيحاء بتقدم مشروعهم، عبر توقيع جورجيا ومولدافيا بالأحرف الأولى على الاتفاقية. هذا تمهيد للتوقيع النهائي، لكنها مرحلة تعويل مرت بها أوكرانيا وأرمينيا قبل الاستنكاف.
أليست قمة فلنيوس، والحال هذه، بلا قيمة فعلية؟
ينفي ذلك المفوض الأوروبي لشؤون التوسع والجوار الأوروبي ستيفان فولي. ويقول، رداً على سؤال «السفير»، إنها «قمة نتائج». ويعزو حكمه إلى مسألة توقيع الدولتين بالأحرف الأولى، إضافة إلى توقيع اتفاقية تسهيلات الحصول على تأشيرة الدخول «شنغن» بالنسبة إلى أذربيجان، كما حصل سابقا مع مولدافيا. هناك أيضا توقيع اتفاق إطاري لإشراك جورجيا في بعثات الاتحاد الأوروبي لإدارة الأزمات، وتوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية في مجال الطيران مع أوكرانيا.
إذاً: تسهيلات، اتفاق إطاري، بالأحرف الأولى، أليس هذا بالضبط ما يسوغ وصف «بلا قيمة». لكن المفوض الأوروبي لا يريد الإقرار. هذا مفهوم، فتراجع أوكرانيا شكل خيبة أمل كبيرة له على نحو خاص. هو من قاد الجانب الأوروبي في مفاوضات مستمرة منذ حوالي خمس سنوات. قبلها كانت إخفاقة أرمينيا ومفاوضاتها لنحو ثلاث سنوات ونصف السنة. حتى الآن لا نتيجة مهمة، ولا شيء مؤكداً.
بالنتيجة، روسيا ربحت الجولة، والقضية تحولت صراعاً على النفوذ مع الأوروبيين. كييف نفسها تقول لا تجعلونا ساحة معركة. لا يوافق فولي. يقول إن مشروعهم مع جيرانهم «ليس بغرض المنافسة، ولا يسير على حساب روسيا».
بديبلوماسية ترسم ابتسامة صفراء، يقول فولي إن «روسيا شريك استراتيجي للاتحاد الأوروبي، ونحن نريد استثمار كل الإمكانيات التي تتيحها هذا الشراكة»، مستنتجاً أنه «سيكون من غير المنطقي أن نسأل شركاءنا ألا يفعلوا المثل».
مشروع «الشراكة الشرقية» سيكمل، والمفوض الأوروبي يقول إنهم يريدون منه تحقيق «الشراكة السياسية والتكامل الاقتصادي» مع الدول الست، مقدماً لها فوائد أخرى: «نريد مساعدتهم على تحديث مجتمعهم، وزيادة المعايير الديموقراطية والاقتصادية. وهذا أيضاً يمكن أن تستفيد منه روسيا». طبعاً لم يستطع فولي إلا تمرير انتقاده المبطن هذا لموسكو، التي يراها تفتقد رفعة المعايير الموعودة.
لم يكن الأمر بحاجة لهذا الغموض بالنسبة لقادة المؤسسات الأوروبية في بروكسل. فبعد الفصل الأوكراني، انتقد رئيس المفوضية ورئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي روسيا بالاسم لأول مرة. أكدا رفضهما للضغوط التي مورست على الدول المستهدفة بالشراكة. اعترضت موسكو وطالبت بالامتناع عن تصريحات كهذه. لكن عملياً، بالفعل عانت مولدافيا من حصار روسيا التجاري، وحاول الأوروبيون تعويض خسائرها بتسهيلات للتصدير.
هذا ما وعد به الاتحاد الأوروبي أوكرانيا أيضاً. لم يقللوا من خسائرها لو انحازت لهم، لكنهم أكدوا لها أن المنافع ستكون أكبر على المدى الطويل. نصف مليار يورو في أول سنة شراكة، ستكون فوائد مباشرة من الإعفاءات الجمركية، ونمو الناتج المحلي بحوالي 6 في المئة. لكن حتى لو وضعت جانباً الصفقات التي عقدت في الكرملين، لا أحد من القيادة الأوكرانية مستعدّ للمخاطرة بتحمل خسائر المدى القصير، التي ستكون بمثابة زلزال اقتصادي.
مَن سيوقّع مع الأوروبيين سيتحمل مغبة النتائج شعبياً. فصيحات التهليل الأولى لن تلبث أن تتبدّد، وما سيبقى هو واقع العيش وتدابيره. كل هذا مع اقتراب استحقاق حاسم: الانتخابات الرئاسية الأوكرانية في العام 2015. وتسوق استطلاعات الرأي نسبة 60 في المئة لمصلحة أوروبا، و40 في المئة لمصلحة روسيا. لهذا، الرئيس الأوكراني يغازل بتفهم تظاهرات المؤيدين للاتجاه غرباً. لكنها نسبة ثبت أن الأوضاع الاقتصادية يمكن أن تقلبها، كما سبق وفعلت عندما أعادت صناديق الاقتراع القيادة التي أطاحت بها «الثورة البرتقالية» في العام 2005. وفوق ذلك وضع أوكرانيا لا يحتمل في الأصل، فعجز الموازنة المتوقع لهذا العام 8 في المئة، والديون وصلت إلى 130 في المئة من الناتج المحلي، مع انكماش للفصل الخامس على التوالي.
بين المحتجين في كييف، انتشرت المعارضة السياسية ومن يناصرها. دعم التقارب مع الاتحاد الأوروبي ليس كل شيء. حتى من سجنها، ومن إضراب الجوع المتضامن مع الغاضبين، أرسلت المعارضة البارزة يوليا تيموشينكو لقادة المعارضة طالبة أن تُسحب الشعارات الحزبية، ويُكتفى بشعار جامع للصفوف. ومن سجنها تدير رئيسة الوزراء السابقة حملة لكسب الناخبين.
هذه أسباب إضافية للرئيس الأوكراني كي يرفض ما اشترطه الأوروبيون للتوقيع، عندما طلبوا إصلاحاً قضائياً يؤدي لإطلاق سراح ألدّ خصومه السياسيين، وذهابها للعلاج في الخارج. إنه يقول ببساطة إن المسألة قضائية، وتيموشينكو في السجن منذ العام 2011. محكومة سبع سنوات، ومدانة بسوء استخدام السلطة لدى إبرامها عقود الغاز مع روسيا في العام 2009.
ما الذي يبقى لمشروع الأوروبيين؟ لروسيا الأمر حسم. إنه تهديد، وأي محاولة للتقارب شرقاً يجب أن تمر عبر موسكو. أما للاتحاد الأوروبي، فضبط النفس: ستبقى «الشراكة الشرقية» تسير معتمدة على «القوة الناعمة» لهذا العملاق الاقتصادي. حتى اللحظة الأخيرة خاطب الأوروبيون أوكرانيا: «لا يزال الباب مفتوحاً». لا يزال المتظاهرون في الشوارع، وبروكسل دعتهم للحفاظ على سلمية حراكهم. الباب مفتوح، والنافذة أيضاً.
السهم الناري- المراقب العام
-
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي
مواضيع مماثلة
» بوتين ينتقد تسليح المعارضة السورية ويؤكد ان هناك 600 شخص على الأقل من روسيا وأوروبا يقاتلون في سورية
» جوسيه: معبر حدودي «قاتل»
» اسرائيل في الميدان السوري: شريط حدودي حتى ريف دمشق
» "مجموعات مسلحة سورية" تسيطر على منفذ حدودي مع العراق
» رسالة إلى روسيا خاصة وأصدقاء روسيا عامة
» جوسيه: معبر حدودي «قاتل»
» اسرائيل في الميدان السوري: شريط حدودي حتى ريف دمشق
» "مجموعات مسلحة سورية" تسيطر على منفذ حدودي مع العراق
» رسالة إلى روسيا خاصة وأصدقاء روسيا عامة
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 9:34 pm من طرف larbi
» نكبة بلد المشاعر
أمس في 4:41 pm من طرف عبد الله ضراب
» صلاح الدين الايوبي
الخميس نوفمبر 21, 2024 10:36 pm من طرف larbi
» جنائية الدولية تصدر أمري اعتقال ضد نتنياهو وغالانت
الخميس نوفمبر 21, 2024 4:06 pm من طرف larbi
» الى فرسان اليمن
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:52 pm من طرف larbi
» كلمة مندوب الجزائر في مجلس الأمن بعد الفيتو الأميركي ضد قرار وقف الحرب على غزة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:34 pm من طرف larbi
» كلمة الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:32 pm من طرف larbi
» مقتل جندي و إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك جنوب لبنان
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 7:00 pm من طرف larbi
» مقتل جندي إسرائيلي و جرحى من لواء غولاني بمعارك جنوب لبنان
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 6:48 pm من طرف larbi
» بيان المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع بشأن استهداف سفينة في البحر الأحمر
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 6:37 pm من طرف larbi