القلمون، تسوية أم معركة ميني – قصير؟.. الزبداني: ضربات دقيقة فرضت التفاوض والجيش لم يتجاوب

زهراء فارس
تفتح «سلاب نيوز» ملف مناطق وبلدات القلمون الأساسية، وتستعرض بالوقائع والمعلومات، وضع المدن والبلدات منذ بدء الحرب على سوريا، أماكن سيطرة المسلحين وانتشارهم، طريقة تعامل القيادة والجيش السوري مع الملفين الأمني والعسكري لكل بلدة أو مدينة، وتفاصيل وأحداث جرت ولا زالت تجري على أرضها، ونبدأ الجزء الأول للملف بالمنطقة الجنوبية للقلمون المرتبطة بالسلسلة الشرقية لجبال لبنان، من الزبداني وسرغايا ومضايا ومحيطها.
شكل فتح الجيش السوري لجبهة الزبداني، أولى الإنذارات الحاسمة بأن المعركة التي بدأها المسلحون في المنطقة لن تُغلِق «أبواب الجحيم» قبل أن ينهي الجيش السوري خططه العسكرية وعملياته فيها، ورغم أن حماوة وعنف المعارك كان على أشده على الجهة الأخرى من القلمون، في قارة ودير عطية والنبك، إلا أن جبهة الزبداني لم تكن أهدأ، لكنها لم تحظى بالنصيب الذي تستحقه من الأضواء، بسبب مسارعة المتحصنين بداخلها الى فتح أبواب التسويات .. بعد أن شهدوا بأم العين أن «أبواب الله التي لم تفتح في مهين» لم تأتهم بالنتائج التي حاولت القيادة الموحدة لعمليات المنطقة الترويج لها.
انطلاق العمليات، أهداف محددة
اختار الجيش السوري عدة أهداف حساسة، تحركت الطائرات الحربية ودكت الأهداف بسلسلة غارات مركزة، تلتها رشقات متواصلة من القصف المدفعي والصاروخي التي أصابت كافة الأهداف بدقة متناهية (مدافع مضادة للطيران، مرابض هاون ومراكز ميدانية)، والهدف الأهم كان «معنويات المسلحين»، التي سرعان ما انهارت ليتلقى العميد موفق أسعد اتصالات عاجلة من طرف المجلس العسكري للمسلحين في المدينة يطلب وقفاً لإطلاق النار ويعرض التفاوض على تسوية جديدة بعد أن خرق المسلحون تسويات كثيرة من قبل، كان أهمها التسوية التي كان يُعمل عليها قبل مقتل رئيس البلدية وضابط متقاعد على يد المسلحين.
العميد أسعد وهو ابن المنطقة والمعني الأول بملفها ولطالما حرص على تجنيبها ويلات المعارك، استلم الرسائل مؤكداً أن الجيش سيكمل عملياته العسكرية، بانتظار رد القيادة، انقسم المسلحون، واستمر الجيش في استهداف مراكزهم، وارتفع التذمر بين السكان مذكراً بحوادث سابقة، عندما تظاهر من بقي من سكان المدينة ضد المسلحين، وكانت النتيجة يومها رفع المسلحين سلطتهم عن إدارة الأفران والمشافي، وتم سحب مجموعات المسلحين من بعض الأحياء إلى الأطراف، وتم اخلاء المدارس، وبدأ قادتهم بالتوسط لدى العائلات وفاعليات المدينة للدفع باتجاه التفاوض وايجاد تسوية سريعة على غرار تسويات تحفظ وجودهم وتحول دون دخول الجيش للمدينة أو اشتعال معركة ليسوا جاهزين لخوضها حالياً.
كتائب وألوية عائلية
الكتائب والألوية الموجودة في الزبداني ومحيطها، تتوزع على العائلات، حيث تسيطر عائلة رحمة على معظم الكتائب المسلحة في الزبداني، آل عفلق وآل محرز وآل ليلى في مضايا وآل عبد النبي في سرغايا، أما بلودان فقد أنشأ أهلها المؤيدون للحكومة السورية لجاناً شعبية خاصة بهم، تدافع عن البلدة ومنعت المسلحين وقوافل امداداتهم من عبورها أو التسلل اليها، فيما حافظت بقين على حيادها وأمنت من لجأ اليها محايداً.
عززت الخلافات الموجودة بين الكتائب من الانقسام فأصبح لكل بلدة ولائها المحلي وكتائبها ومقاتليها، وكانت الاتهامات المتبادلة بين كتائب الزبداني ومضايا دافعاً لزيادة الشرخ، فاتهم مسلحو الزبداني كتائب مضايا بقبول تسوية مع الجيش والموافقة على الهدنة، والهرب من القتال في وقت المعارك.
أما سرغايا فأنشغل مسلحوها بعملياتهم الخاصة، وحافظوا على خطوط التهريب التي أنشأوها، وأصبحت البلدة ممراً ومقراً للأسلحة والعتاد والمقاتلين القادمين من خلف الحدود، ووصلت صفقاتهم إلى حد انشاء مراكز متخصصة بتفخيخ السيارات التي كانت ترسل إلى العاصمة لتفجيرها.
التنظيمات والفصائل المسلحة
رغم ولاء المسلحين في تلك البلدات لعائلاتهم، إلا أن بعضهم فضل الانتظام في صفوف الفصائل المعروفة، طمعاً بالرواتب الشهرية التي كانت تصل إلى حدود ١٠ آلاف ليرة شهرياً، مع العلم أن المسلحين انفسهم سبق واعترضوا على قيام قيادة المجلس العسكري في المنطقة باقتطاع ١٥ ألف ليرة من رواتبهم والاحتفاظ بها، ونظم المسلحون يومها تظاهرة طالب بإقالة قائد المجلس العسكري أبو النور، الذي اتهموه بسرقة أموال المتبرعين والتصرف بها بشكل شخصي.
ينقسم المسلحون في البلدات بحسب التنظيمات التي ينتسبون اليها إلى «جيش حر»، «جبهة النصرة»، وكتائب الإيمان، وكتيبة حمزة بن عبدالمطلب، وكتيبة مصعب بن عمير، وتسيطر النصرة حالياً على الجزء الأكبر من مدينة الزبداني فيما ينتشر مناصرو الحر بأغلبية ملحوظة في مضايا ويتوزعون على الكتائب الصغيرة المذكورة، فيما تحتضن المنطقة العديد من المقاتلين الأجانب في صفوف النصرة والكتائب الإسلامية بالإضافة لبعض المقاتلين الذين لجأوا اليها بعد هزيمتهم في القصير وريفها.
سبق أن شهدت المنطقة العديد من الاشتباكات بين فصائل المسلحين على خلفية مقتل أحد الأطباء في الزبداني، الذي كان يعمل في مشفى ميداني تابع للجيش الحر، كما قتل مسلحو الحر الشيخ السلفي المحسوب على النصرة، المدعو ياسين علي عكاشة.
انتشار الجيش السوري
يقيم الجيش السوري حواجز له على مداخل الزبداني، كما تتوزع وحداته المختلفة على التلال المحيطة، مثل: تلة حوش بجد، وجبل مدفن النبي هابيل، وعند نبع بردى حيث تتمركز وحدات متخصصة وتضم أجزاء الوادي معسكرات ومراكز تدريب.
وقام الجيش السوري مؤخراً بتعزيز قواته الموجودة في محيط الزبداني، ورفع وتيرة استهدافاته النارية لمواقع المسلحين، ولا تزال عملياته التمهيدية متواصلة بانتظار القرار الحاسم، بدخول المدينة أو بفرض تسوية بشروط جديدة قد لا يستسيغها المسلحون ومتزعميهم، لكنها آخر الأبواب المفتوحة أمامهم كما يؤكد مصدر عسكري معني، موضحاً أن «معركة القلمون وبالتحديد في الزبداني ومحيطها ستكون عبارة عن «ميني-قصير» سريعة وخاطفة ومدمرة، لكن حرص القيادة والجيش على المواطنين يدفعنا الى العمل بالدقة والتأني والحرص الشديد».