لماذا زار بوتين الفاتيكان

د. عامر السبايله
كثير من زعماء الدول قاموا مؤخراً بأداء نوع من الحجيج السياسي لحاضنة الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان. عدة أسباب و اعتبارات ترتبط بزيارت قادة الساسة في العالم الى معقل البابا و الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان. أما زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فلا يمكن ان تكون زيارة عابرة, لهذا لا بد من السؤال عن الاسباب التي دفعت الرئيس بوتين للذهاب في هذا التوقيت الى الفاتيكان؟
لا يمكن قراءة زيارة بوتين الى الفاتيكان بعيداً عن اطار التحولات في السياسة الدولية و استراتيجية موسكو الساعية الى تغيير قواعد اللعبة الدولية و اعادة صياغة شكل النظام العالمي الجديد. مع العلم أن زيارة الرئيس بوتين هذه للفاتيكان هي ليست الاولى فقد سبق للرئيس الروسي ان زار الفاتيكان أربعة مرات في السابق. خمسة و ثلاثون دقيقة جمعت البابا مع الرئيس بوتين على انفراد, المعلومات أكدت ان مجمل الحديث تركز على واقع الشرق الأوسط و الأزمة السورية. و اذا ما اتفقنا أن التعامل مع الواقع الشرق أوسطي لا يمكن ان يتم من زاوية كنيسة معينة بل من زاوية الكنيستين الارثوذكسية و الكاثوليكية فزيارة بوتين للفاتيكان تأخذ طابع الجمع بين الكنيستين لتوحيد المرجعية و الاستعداد لظهور موسكو القوي على ساحة الشرق الأوسط. لهذا فان خطوة الرئيس بوتين بمد جسور التواصل بين الكنيستين هي خطوة لا بد ان تظهر ثمارها في الشرق الأوسط قريباً. حيث ان دخول روسيا على خط التحالف الدبلوماسي مع الفاتيكان يعني نجاح روسيا في كسر حصرية تحالف الفاتيكان مع القوى الغربية, خصوصاُ ان كثير من الانباء أشارت الى أجواء مشحونة يعيشها ممثلو الكنيسة الكاثوليكية مع ادارة الرئيس أوباما في أميركا, في المقابل يعمل الرئيس بوتين في روسيا على اظهار اهتمام كبير بالكنيسة الارثوكسية و ممثليها و تعظيم دورهم على الساحة الروسية, في رسالة واضحة تشير الى الاختلاف في التعامل بين النموذجين, حيث تعتقد موسكو ان الحصول على الاجماع المسيحي من الكنيستين هي أحد العوامل التي تؤهلها للعب دور المرجعية الدولية الأولى مستقبلاً و تؤهل الرئيس بوتين أيضاً ليكون فعلاً قيصر العالم.
الحقيقة أن الصراع الدبلوماسي الخفي بين الولايات المتحدة و روسيا في السنوات الأخيرة تجلى في عدة مناطق. من شبه الجزيرة الكورية الى افريقيا وصولاً الى أخطر ضربة وجهتها موسكو لواشنطن عبر استثمار قضية ضابط المخابرات المركزية الامريكية السابق ادوارد سنودن, و توظيف معطيات ملف التجسس بضرب علاقة الولايات المتحدة مع حلفاءها التاريخيين و على رأسهم ألمانيا, عبر تسريب معلومات تشير الى تجسس الوكالة الأمريكية على اتصالات المستشارة الألمانية انجيلا ميركل. و التي انعكست بشكل حالة من الفتور الواضح بين الولايات المتحدة و ألمانيا استدعت الدبلوماسية الامريكية القيام بحراك ديناميكيي لرأب هذا الصدع مع ألمانيا و الأوروبيين.
الرد الامريكي على استثمار قضية سنودن و محاولات ضرب العلاقة بين اميركا و الأوروبيين يتجلى اليوم ساحات كييف في اوكرانيا. حراك موالي للغرب يسعى لانضمام اوكرانيا للاتحاد الاوروبي و اثارة حالات العداء لروسيا في بلد عرف تاريخياً بارتباطه لالحضارة الروسية و بموسكو بالتحديد. لهذا فان مراقبة هذه التحولات تفتح باب التساؤلات حول الكيفية التي ستتعامل فيها روسيا مع هذا الامتحان و ما هي الساحات القادمة التي ستظهر فيها تجليات الصراع الخفي بين موسكو و واشنطن؟ أسئلة تحمل الايام القادمة بلا شك الاجابة عليها.