هل يضحي “العدالة والتنمية” برأسه لإنقاذ جسده؟

تستمر الحرب داخل الدولة في تركيا بشكل متصاعد قد يؤدي إلى انهيار التركيبة الحاكمة في أي لحظة، ما لم يقرر حزب “العدالة والتنمية” الحاكم التضحية برأسه للنجاة ببقية جسمه. وفيما كان الرأس رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان يقدم تنازلاً واضحاً، بتراجعه عن مشروعه للسيطرة على القضاء، تلقى ضربة جديدة من قبل جماعة الداعية فتح الله غولان، التي أثبتت أنها ما تزال تمتلك الثقة بالنفس والامتداد الكبير داخل مؤسسات الدولة التركية، وذلك بعملية دهم جديدة للشرطة استهدفت هذه المرة الذراع السورية لأردوغان، أي “هيئة الإغاثة الإنسانية” التي يدخل بواسطتها السلاح والمال والمساعدات الأخرى إلى حلفائه في شمال سورية. في الشكل، أثبتت الجماعة أنها لا تخشى أردوغان، الذي أطاح حتى الآن بـ2500 ضابط شرطة، فوجدت من بين رجال الشرطة من يقوم بدهم مقر الهيئة، وقد أتى هؤلاء من محافظة أخرى لا تقع تحت تأثيرهم القانوني، في تحدٍّ واضح لأردوغان. أما في المضمون، فقد رفعت الجماعة شعاراً لافتاً لمواجهة جماعة أردوغان، وهو اتهام الجمعية بتمويل “القاعدة” والتعاون معها، مما قد يشكل إشارة إلى مسار المواجهات المقبلة، ومدى وقوف الولايات المتحدة وراء الداعية المقيم في أراضيها، والمعروف بعلاقاته الواسعة مع مخابراتها، بالإضافة إلى علاقاته مع دول خليجية كبرى تناصب أردوغان العداء. وتقول مصادر قريبة من أردوغان أن الهدف هو إيجاد دليل على تورطه بدعم “القاعدة”، لاستعمال هذا التورط ضده لدى الغرب الذي لا يبدو متمسكاً بأردوغان، رغم اقتناعه باستمرار الإطار الحاكم في تركيا، المتمثل بتحالف الإسلام السياسي – مع رأس المال. وفي المقابل، وجّه الرئيس عبدالله غول رسالة مباشرة للجماعة ولأردوغان، مفادها أنه مستعد للدخول إلى المعركة بناء لـ”الثمن المناسب” الذي قد يتمثل في حلوله محل أردوغان المنهك من الضربات، لكنه ما يزال متماسكاً، ولا يخرج المراقبون دعوة غول إلى “سياسة جديدة في سورية” عن هذا الإطار، باعتبار أن دعوته هذه تلقى تجاوباً من جماعة غولان وبقية أطراف المعارضة العلمانية والقومية واليسارية، وهي تبدو أقرب إلى استدراج العروض لبقية الأطراف التي ترى في غول “واجهة مقبولة”، نظراً إلى تاريخه في عدم الصدام والسعي إلى التسويات. ويكشف مصدر تركي بارز عن وجود اتصالات أجريت على أكثر من مستوى بين غول وقيادات عربية خليجية، قادها موفد مقرب من الأخير، تتحدث عن إمكانية انفتاح دولة خليجية كبرى على تركيا بشكل غير مسبوق في حال وصوله إلى السلطة، ووعود بدعم لأي تحرك قد يقرره للتخلي عن أردوغان وخوض غمار المعركة ضده، لكن المصادر تشير في المقابل إلى أن غول يدرك أن “الثور لم يقع بعد” وأنه يتردد في التحرك الآن، مفضلاً الوصول إلى تسوية كبرى يكون أردوغان جزءاً منها باعتبار أن تسوية مماثلة من شأنها أن تؤمن استقراراً في عملية انتقال السلطة، فيما المواجهة من شأنها إلحاق الضرر بالحزب والمؤسسات التركية الرسمية، ودور تركيا في المنطقة.