قلب نظام الحكم في سورية - ج1

  


مصدر الصورة: ألف ياء الأخبار
كيف تقوم السي آي ايه
والمعارضة والمنظمات غير الحكومية
بصناعة وتسويق القتل الجماعي

كتاب صادر في تموز عام 2012 لطوني كارتالوتشي -كاتب رئيسي- ونايل بووي -مساهم ومحرر ومترجم-.

يقوم ألف ياء الأخبار بترجمته ونشره على عدة أجزاء متتالية، في هذه الزاوية.

أولاً. ملاحظات ناشر الكتاب:

يُعتبر هذا الكتاب محاولة ملحة لتحذير العالم، خاصةً أولئك من ذوي أصحاب النوايا الحسنة، من الرعب الذي على وشك أن تجلبه «إمبراطورية الدولار المستبدة» لإسقاط سورية وكل من يناضل لنيل استقلاله.

هو تاريخ مشين غير مسموح الكلام عنه، وهو بالحقيقة حفرة من النفاق لا مستقر لها، فقد تم تمريغ الكثير من الدول بالدم والوحل والفوضى تحت راية «حقوق الإنسان»، مع حزمةٍ كبيرة من الأكاذيب الباطلة.

إن الأعمال المشينة الكامنة تحت هذه الحروب قائمة على أساس التلاعب بالغرائز الإنسانية وخداع واستغلال أولئك الذين يعارضون «التدخلات»، خاصةً أولئك الرافضين للحروب وكذلك القوى اليسارية التي يتم خداعها وتضليلها من خلال عمليات القتل الجماعي، خدمة للديكتاتوريات العالمية صاحبة قوة المال.

على المرء أن يتخيل علامات الاحتقار والعجرفة على وجوه هؤلاء المنضوين تحت مؤسسات صناعة «الرأي العام» وهم يتأملون وجوه خصومهم الواقفين في طوابير جماعية مطالبين بإنهاء تلك الأعمال القذرة.

إن نموذج «العصابات المعارضة» هي الطريقة التي تقوم عليها هذه العملية حيث تم توثيقها من قبل عدد لا بأس به من المؤلفين البارزين. بحيث يتم الإعداد لإرهابيين، وعملاء مأجورين، وجنود مرتزقة وجحافل من قدامى عملاء السي آي ايه.. لتهديم أبنية، وتنفيذ مجازر بحق أبرياء، ومن ثم لَوم الحكومات المستهدفة على هذه المجازر والأعمال.

إن المنظمات غير الحكومية مثل «المنح الوطنية لأجل الديمقراطية» تُروّج لنشطائها المزعومين، فيما يقوم قادتهم من أصحاب الطموحات المريبة بتقطيع ذبيحتهم بهمةٍ عالية لحظة انهيار الدولة، في حين ينتظر الرأي العام ووسائل الإعلام البديلة بفارغ الصبر للعق هذه الكذبة الكبيرة وتضخيمها، بحيث تعمل على خلق "واقع" بديل يصعب على المرء العادي أن يفهم حقيقة ما جرى..

مع مرور الوقت في سورية سيئة الحظ حيث القتل الجماعي هو الطاغي على الأرض حالياً، تصبح دراسة تحقيقية عن ذلك الوضع صعباً، ولكن ذلك لن يمنعنا من المحاولة.



محاولة تفكيك وتغيير أسلوب الإدارة، والقيام بإصلاحات، دون خسارة وبدون تسليم استقلال الأمة إلى الاستعمار العالمي الجديد.. لا شك أن هذه مهمات من الصعب تنفيذها، حتى من دون الدعوات الخارجية التي تدعو إلى تخريب كل شيء.

في حقيقة الأمر، فإن كل الدول الغربية القوية بمن فيهم الولايات المتحدة «يعملون على خديعتنا طيلة الوقت». فعلى الرغم من واجهة الحرية والديمقراطية التي نتمتع بها في الغرب، فجميعنا "مدينين" إلى نفس الزمرة من أصحاب النفوذ والخبراء الماليين الدوليين الذين يقومون بإعارتنا أموالنا مع الفوائد، وهم يقومون بإطلاق عنان أسلحتنا للدمار الشامل على أي بلدٍ لا يرقص على موسيقاهم.

إن المنطق وراء هذا الوضع المروّع في غاية البساطة: تستطيع تسميته "قانون ليونارد الأول والأخير في علم السياسة" فهناك طريقة واحدة ليقوم 1% بالتغلب على 99% في لعبة الحياة، وذلك عن طريق الغش والخديعة، فيبدو واضحاً أنه بوجود مخطط عادل نقوم من خلاله نحن الـ 99% بفَرضْ إرادتنا ومصلحتنا الذاتية، في حين يمكن أن نُهزَمَ وذلك عن طريق المكر والتلاعب ونصب الفخاخ وفرض الشروط، وممارسة كل أنواع الخدع المدونة في الكتب، التي يمكن تلخيصها كما يلي: «إن الادعاء بأننا نمتلك العالم من خلال السيطرة على 1% من موارده المالية، هو في حقيقة الأمر تشويه وعلى الأغلب تلفيق»، إن جوابهم الوحيد على ذلك هو السخرية من نظرية المؤامرة، بالطبع هذه مؤامرة وإلا كيف يتسنى لهم القيام بذلك.

وبناءً عليه يجب على العالم في هذه المرحلة أن يرى الأمور على حقيقتها، ولكن على ما يبدو فإن ذلك ليس من ضمن اهتماماته الرئيسية.

هذا الكتاب يثبت متفرداً بتفاصيل المأساة الخطيرة الماثلة في: الكذبة الكبيرة عن سورية.

ثانياً. مقدمة:

مقتبس عن «الثورة الدموية للسي آي ايه في سورية» للكاتب جو كوين.

قام مئات الآلاف من السوريين الذين نزلوا إلى شوارع دمشق لإظهار دعمهم للرئيس بشار الأسد.




مسيرة مليونية في دمشق يوم 29 آذار 2011

- - -




مسيرة مليونية في حلب يوم 29 آذار 2011

- - -

طبعاً هذا لا يُصرَّح به في وسائل الإعلام المعروفة، ولا تقوم بعرضه (لقد قامت إحدى القنوات العربية الشهيرة ببث ثوانِ معدودات للقطات من زاوية بعيدة لهذه المسيرات لا يظهر فيها إلا العشرات لتقول إنه خرج بعض المؤيدين في مسيرة مؤيدة بدمشق: المترجم). إن هذه القنوات تذهب إلى أبعد الحدود في صياغة الرأي العام العالمي التي تعمل بكل ثقلها لتجعل الرأي العام يعتقد بأن الأحداث الجارية في سورية هي عبارة عن ثورة شعبية، بينما تُشير الوقائع بوضوح إلى رعاية حكومة الولايات المتحدة لتغيير النظام بشكل دموي.

لقد دبَّرت السي آي ايه عدداً لا يحصى من حركات التمرد في عشرات البلدان حول العالم، بما في ذلك تسليح عصابات العملاء المأجورين وفرق الموت في محاولة للإطاحة بالحكومات الوطنية، وذلك من أجل توسيع الهيمنة الأمريكية على كل ركن من أركان المعمورة.

في كتابه «الإدمان على الحروب» الصادر عام 1988، ذكر رئيس الاستخبارات السابق في السي آي ايه جون ستوكويل، الذي كان يدير حرب السي آي ايه السرية في أنغولا، أنه قد تمَّ شَن ما يقارب 3000 عملية مخابراتية رئيسية، و10000 عملية صغيرة من نفس النوع، مما أسفر عنه مقتل أكثر من 6 ملايين شخص، يقول: «لدينا الآن كم هائل من الوثائق لما يسمى بالحروب السرية للسي آي ايه، لم يكن لدينا الافتراض أو التخمين، بل كان لدينا تحقيقات «لجنة تشرش» التي تمت عام 1975، والتي قدمت لنا وبشكل معمق حقاً نظرةً ثاقبة داخل هذا البنية. بعد تلك التحقيقات، اكتشف السيناتور تشرش الذي قام بالتحقيق طيلة الأربعة عشر سنة الماضية أنه قد تمت إدارة 900 عملية كبيرة و3000 عملية صغيرة. في حين يمكن استقراء الاستنتاجات التالية على مدى الأربعين سنة الماضية حيث تم القيام بِـ3000 عملية كبيرة وأكثر من 10000 عملية صغيرة، كل واحدةٍ منها تمت بطريقة غير شرعية، وكل واحدةٍ منها قامت بتدمير الحياة لمجتمعات شعوبٍ أخرى، والكثير منها دموي وعنيف بشكل يستعصي على الفهم».

تُعتبر كل تلك الحروب الخفية انتهاكاً لدستور الولايات المتحدة، حيث يتطلب الأمر تصريحاً من الكونغرس لشن أي حرب، بينما يمكن القيام بهِا عن طريق هيئة سرية غير منتخبة؛ حيث يتم تمويل أعمالهم على هذا المستوى من خلال سيطرتهم على تجارة المخدرات العالمية، التي يُفترض أنها السبب الحقيقي للحرب الأمريكية- الأفغانية.

إن تحقيقات ستوكويل لم تتضمن عمليات الناتو أو غلاديو في أوروبا، كما لم تتضمن أيضاً عمليات السي آي ايه منذ قيامها بعملها قبل أكثر من خمسة عشرة سنة، ومن المحتمل مع ازدياد وتيرة نشاطها واتساع نطاق عملها عالمياً، سيتم تمرير هذا الرقم المذهل المقدر بنحو 20000 من العمليات السرية.

وعليه، ليس على القارئ أن يبدي استغراباً كبيراً حينما تُشير كل الدلائل في الأزمة السورية الحالية على اعتبارها عملية أخرى من عمليات السي آي ايه.

خلال لقاء مع آمي غودمان في الثاني من شهر آذار 2007، فقد أوضح الجنرال الأمريكي المتقاعد ويسلي كلارك أن إدارة الرئيس جورج بوش قد خططت «للاستيلاء» على سبع دول خلال خمس سنوات وهي: العراق، سورية، لبنان، ليبيا، الصومال، السودان، وإيران.

لقد كانت سورية دائماً مدرجة على قائمة الأولويات الإسرائيلية، والآن خصوصاً، فهي آخر دولة عربية في الشرق الأوسط مستقلة وعلمانية وذات تعدد عرقي، فيما تُعتبر مؤيدة قوية لإيران وبنفس الوقت هي عقبة كأداء أمام الهيمنة الإسرائيلية الكاملة على منطقة الشرق الأوسط.

السؤال المطروح الآن هو على الشكل التالي: هل النظام الحاكم في سورية ديكتاتوري؟ هذا أيضاً جزء من اللعبة الكبرى، فإن بعض الحكومات العربية التي ترفض الخضوع للهيمنة الغربية الإسرائيلية تتعرض للانتهاك وزعزعة الاستقرار فيها بشكل مستمر، الأمر الذي يجبر تلك الدول على تطوير بنيتها التحتية الأمنية بشكل كبير لتستطيع الاستمرا، وبطريقةٍ أو أخرى ينتهي بها المطاف لتصبح أنظمة شمولية. هكذا فإن إسرائيل ومعها القوى الغربية وعندما يحين الوقت المناسب لهم، سوف يستنكرون بشدة غياب الحريات للشعب المُستهدف وتبدأ المطالبة بإسقاط الحكومة. لنراجع هنا مآل نظام الرئيس (الراحل) هوغو تشافيز كمثال على كيف تم تحريك هذه «اللعبة» عليه من قبل القوى الغربية.

حتى الآن تُعتبر «الثورة» السورية نسخة طبق الأصل عن عمليات «إسقاط الأنظمة» الذي رعته السي آي ايه على مدى السنوات الستين الأخيرة، فهناك المرتزقة وفرق الموت الذين تم توريدهم مسبقاً لداخل البلاد «لإثارة الفتن»، حيث يقومون بالإغارة عندما يحين الوقت المناسب، وهذا ما حدث في ليبيا تماماً. لقد جمع البريطانيون والأمريكيون، وكذلك الإسرائيليون، مصادرهم وتشاركوا فيما بينهم بمحتويات كتيباتهم السوداء الصغيرة عن مقاتلي «القاعدة» الذين قد تم تجنيدهم على مر السنين. إن العديد من قادة المتمردين الذي قاتلوا في ليبيا يجاهدون الآن في سورية، وذلك حسب شهادة الصحافي الاسباني دانييل ايريارته. فقد تحول هؤلاء الإرهابيون الإسلاميون في السابق إلى مقاتلين أحرار في الناتو، هم ليسوا إلا بنادق مستأجرة من أصحاب الضمائر الميتة، الذين سوف يقاتلون لأي سبب طالما هناك من سوف يدفع لهم مئات الآلاف من الدولارات.

خلال شهر نيسان 2011، بث التلفزيون الرسمي السوري شهادة ثلاثة من الرجال المعتقلين للاشتباه بقيامهم الهجوم على مدنيين وكذلك على قوى الأمن السورية. لقد تمّ تسجيل اعتراف لأنس الكنج الذي قدم نفسه على أنه "قائد جماعة إرهابية"، يقول فيه أنه قد حصل على «أسلحة ومال» من قبل عضو من جماعة «الإخوان المسلمين» السورية المحظورة. كما أضاف الكنج خلال لقائه بأن الأوامر قد صدرت له لكي يعمل على «تحريض أشخاص بشكل فردي للتظاهر خارج المسجد الأموي في دمشق»، وكذلك العمل على تأجيج الاحتجاجات في المدن المضطربة كمدينة درعا واللاذقية وبانياس من أجل «تحريض المتظاهرين لإسقاط النظام والقيام بأعمال تخريبية».

وقالت وكالة فرانس برس ونقلاً عن صحيفة الثورة السورية إن الكَنج كان مكلفاً لـ«فتح النار على المتظاهرين لزرع الفوضى ودفع الناس للاعتقاد بأن قوات الأمن هي من تطلق النار على المتظاهرين».


اعترافات أنس الكنج ومجموعته يوم 13 نيسان 2011 على شاشة التلفزيون السوري

- - -


إن الفكرة تكمن في حمل الشعب والسلطات على حمل السلاح ضد بعضهم البعض، في حين تُقرع الطبول في وسائل الإعلام العالمية على أن النظام هو من يقمع الاحتجاجات بطريقة وحشية. هذه الشهادة مثيرة جداً للاهتمام حيث تسلط الضوء على بعض الخطوات المصيرية في عقيدة الحروب غير التقليدية للبنتاغون، هذا ما سوف نراه بالتفصيل بالفصل الثالث.

فيما يلي لمحة عامة عن مخطط اللعبة التي يراد تطبيقها في سورية:

- تمويل المنظمات غير الحكومية لخلق المناخ المناسب للاحتجاجات في البلدان المستهدفة.

- يقوم المحرضون بتنظيم المظاهرات ومن ثم إطلاق النار على المتظاهرين وقوات الأمن على حد سواء لإذكاء نار العنف.

- إخراج لقطات فيديو تحت مسميات مضللة لخلق وهم وانطباع غاضب من القمع من قبل النظام.

- تقوم وسائل الإعلام على تكرار الكذبة الكبرى إلى ما لا نهاية بأن زعيم الأمة هو ديكتاتور وحشي على مبدأ «اعطِ لمن تريد سمعةً سيئة ثم اعمل على تصفيته».

- غزو المدن الحدودية بالقوات الخاصة لفرق الموت، وكذلك الحشود الأجنبية للسي آي ايه من متشددّي تنظيم القاعدة والمتعصبين والمرتزقة.

- إشعال حرب أهلية على خلفية الانقسامات العرقية واختلاق الذرائع للتدخل العسكري من قبل الأمم المتحدة أو حلف شمال الأطلسي.

- تدمير البلاد حتى إعادتها للعصر الحجري، مما يتيح غزوها ومن ثم حُكمها من قبل الدُمى الإسلامية لحلف الناتو.

- القضاء على الاشتراكية العربية والحكومات المنبثقة من الشعب والاستعاضة عنها بزمرة فاسدة تدين بالولاء لوول ستريت ومصرفيي لندن.

- تصدر الشركات الأمريكية عقود بمليارات الدولارات من أجل «إعادة الأعمار والأمن»، مما يسفر عن تحقيق أرباح فلكية على غنائم الحرب.

- عزل كل من لبنان وفلسطين والعراق وإيران لإطلاق العنان لإسرائيل الكبرى بالسيطرة على الشرق الأوسط.



في كانون الأول من عام 2011، صرَّحت المترجمة السابقة في مكتب التحقيقات الفدرالية سيبيل ادموندز التركية-الأمريكية:

«هناك انتشار مجموعات من القوات الأجنبية تقدر بمئات الأفراد في القرى الشمالية الأردنية لمدينة المفرق المتاخمة للحدود الأردنية–السورية. وحسب ما ذكر أحد الضباط العسكريون الأردنيون، والذي طلب عدم ذكر اسمه، فإن مئات الجنود المتحدثين بلغات غير عربية قد شوهدوا خلال اليومين المنصرمين في تلك المناطق يتجولون بعربات عسكرية جيئةً وذهاباً بين قاعدة الملك حسين الجوية في المفرق (على بعد حوالي عشرة كيلومترات عن الحدود السورية) وبين محيط القرى الأردنية المتاخمة للحدود».

خلال كانون الثاني من العام نفسه، أفاد الموقع الإلكتروني البريطاني «قوات النخبة البريطانية» في أحد تقاريره بأن «الحديث قد تزايد في الآونة الأخيرة حول قيام القوات الخاصة البريطانية بطريقة ما بمساعدة القوات المتحالفة ضد النظام السوري».

كان سفير الولايات المتحدة في سورية روبيرت فورد سفيراً لبلاده منذ العام 2010 وحتى إغلاقها، وقبل كونه سفيرا في سورية كان فورد مستشاراً قانونياً لسفارة الولايات المتحدة في بغداد تحت أمرة جون نيغروبونتي سيئ الذكر والذي ترتبط باسمه فرق الموت في بغداد. وبحسب موسوعة ويكيبيديا «فقد أكّد مايكل شوير "الضابط السابق في السي آي ايه" أن فورد وقبل تنحيته قد سافر في جميع أنحاء سورية لتشكيل جماعات تحريضية لقلب نظام الحكم».

يعتبر شهر آذار من عام 2011 بداية «للثورة» السورية، فقد اندلع القتال داخل بلدة صغيرة نسبيا، تابعة لمدينة درعا على الحدود الأردنية، بدلاً من اندلاعه في المدن الكبرى كدمشق أو حلب، ومنذ ذلك الحين قامت وسائل الإعلام الرئيسية بتحريف حجم المظاهرات المناهضة للحكومة بشكل منهجي، فيما اعتمدت على تقارير منحازة لإحصاء الخسائر البشرية.

فعلى سبيل المثال، كانت كل التقارير الأولى تقريباً ومنذ اندلاع القتال في درعا خلال شهر آذار تشير إلى هجمات الشرطة على المتظاهرين المناهضين للحكومة، ولكن تقارير أخرى أشارت إلى أن عدد رجال الأمن الذين تم قتلهم يفوق عدد المتظاهرين. وعليه إذاً، أين هي بالضبط هذه التي تدعى «تظاهرة سلمية» من هو الذي عنده القدرة أن يطلق النار ويقتل سبعة من رجال الأمن؟ وكيف يَتوقع أي شخص أن تكون ردة فعل الحكومة السورية على هذا الأمر؟ خصوصاً بعد مشاهدة تعاطي شرطة الولايات المتحدة مع المتظاهرين السلميين فعلاً لحركة «احتلوا وول ستريت»، يمكننا فقط أن نتصور ماذا كانت حكومة الولايات المتحدة ستفعل لو أن شرطة الولايات المتحدة قد وقعت تحت نيران المتظاهرين.

في شهر حزيران 2011، ذكرت وسائل الإعلام الحكومية السورية أن 120 من أفراد قوات الأمن في البلاد قد قُتلوا في معركة مع من وصفتهم بـ«التنظيمات المسلحة» وفقاً لما ذكرته ديبورا آموس عن محطات الإذاعة الوطنية: «وصف التلفزيون السوري لمعركة ساخنة في بلدة في شمال جسر الشغور بالقرب من الحدود التركية، عصابات مسلحة مزودة بمدافع رشاشة هاجمت قوات الأمن وأضرموا النار في المباني الحكومية، وذلك حسب التلفزيون الحكومي السوري. وخلال البث قام أحد المواطنين المذعورين بالاتصال ببرنامج أخبار المساء مطالباً الحكومة بإنقاذ المدينة».

لوحظ أن أخطر تقارير القتال تأتي من البلدات الحدودية، الأمر الذي يدل على أن الغارات تُشَن من قبل الجماعات المسلحة القادمة من تركيا في الشمال، والأردن من الجنوب، وبطبيعة الحال العراق الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة من الشرق. في الواقع يمكن تحديد مراكز الاضطرابات، فهناك درعا القريبة من الأردن، تلكلخ وحمص وتلبيسة والرستن القريبة من لبنان، جسر الشغور القريبة من تركيا؛ جميعها تقع على الحدود السورية.

في تشرين الثاني 2011، ذكرت جريدة البوابة في أحد تقاريرها على أن 600 مقاتلاً قد غادروا ليبيا إلى سورية لمساندة «الجيش السوري الحر» الذي أُنشئ حديثاً.

في غضون أسابيع قليلة من بداية الانتفاضة التي ترعاها السي آي ايه في سورية، قامت الحكومة السورية بطرد معظم الصحفيين الأجانب المتواجدين في البلاد وفرضت رقابة مشددة على أنشطة من بقي منهم نظراً لطبيعة وسائل الإعلام الغربية -الذراع الدعائية لبناة الإمبراطورية- فقد كان رد الفعل هذا مفهوماً. ولكن للأسف يبدو أن الحكومة السورية قد قللت من تقديرها لمدى تغلغل السي آي ايه في العمق السوري.

نظراً لضآلة أو عدم القدرة للوصول المباشر لقلب الأحداث في سورية، فإن معظم تقارير وسائل الإعلام قد اعتمدت على تقارير نشطاء المعارضة الذي يمكن أن يكون في الواقع أي شخص، هناك منظمة تطلق على نفسها تسمية «لجان التنسيق المحلية» التي تزعم أنها «مجموعة من اللجان المحلية داخل المدن والبلدات في جميع أنحاء سورية، التي تقوم بتلبية وتخطيط وتنظيم الأحداث على أرض الواقع». مع ذلك ومن الغريب جداً أن مواقع هذه التنسيقيات على الشبكة العنكبوتية قد تم تأسيسها في ألمانيا ويملكها شخص يدعى أندرياس بيرتش. ويعود الفضل للجان التنسيق المحلية في سورية لكشف خدعة شخصية «أمينة الفتاة الدمشقية المثلية الجنس» التي اُعتقلت من قبل الشرطة السورية.

قدمت قناة «روسيا اليوم» على موقعها تقريراً مصوراً يعطي مثالاً عن الطريقة التي يمكن من خلالها «اتخاذ» التقارير الملفقة كلياً عن الحكومة السورية: «بعد مسيرة تأييد حاشدة لنظام الرئيس الأسد في اللاذقية ، أشاع مسلحون تحذيراً من أن الجيش والبحرية السورية سوف تقوم بالهجوم على المدينة، فقام 2000 شخص بالفرار، ولكنهم عادوا بعد بضعة أيام غاضبين زاعمين أنهم تعرضوا للكذب حيث لم يحدث ذاك الهجوم المزعوم. بالطبع فإن عدم حدوثه قد أُغفل تماماً في وسائل الإعلام، بينما السيدة هيلاري كلينتون ومعها وسائل الإعلام كانوا يقفزون مراراً وتكراراً لتشويه سمعة السوريين في «مجزرة ترتكبها الحكومة السورية»، وذلك قبل أن ينقشع الغبار ليظهر الحقيقة أن هذه المجازر قد ارتُكبت من قبل حلف الشمال الأطلسي والسلفيين المرتزقة وكذلك فرق الموت المأجورة، أو حدثت بطريقة أخرى كنتيجة لمعركة ضارية بين طرفي النزاع وجيشيهما.

في كلتا الحالتين، فإن الجيش السوري كان يؤدي وظيفته بحماية شعبه، ولكن بطبيعة الحال لم نسمع هذا التصحيح من قبل وسائل الإعلام أبداً، بينما أدركت سورية الخطأ الذي ارتكبته بمنع الصحفيين الغربيين فقامت بإلغاء القرار، ولكن مع تصاعد وتيرة حمى الحرب فإن ذلك سوف لن يساعدها كثيراً في خضم الحرب الإعلامية المسعورة. إن ما نتعامل معه هنا معروف داخل الأوساط العسكرية باسم الحرب النفسية (psywar) حيث يتم التأثير على عواطف وسلوك ومنطق المشاهدين المستهدفين عادةً عن طريق تلفيق الأكاذيب وتقديمها على أنها حقائق.

يعتبر تغيير النظام في سورية على قمة الأولويات في لائحة السي آي ايه، كما هو الحال مع غزوات الإبادة الجماعية في أفغانستان والعراق وليبيا، وتهيئة حكومة سورية غير ناضجة في المنفى تتكون من اليمين المتطرف أو من رجال مخادعين ومشبوهين، فيما تم إنشاء «المجلس الوطني السوري» ومقره في تركيا. لأخذ فكرة عن الميول السياسية لهذه الزمرة نحن بحاجة للنظر فقط إلى تصريحات رئيسه «الفرنسي» برهان غليون، أستاذ علم الاجتماع السياسي و«الرئيس المستقبلي المحتمل لسورية»، حيث صرح في 2 كانون الأول 2011 أنه وفي حال تسلم السلطة فإنه سوف «يقطع علاقاته العسكرية بإيران ويوقف تسليح حزب الله وحماس، وسيقيم علاقات مع إسرائيل».

تشير جميع الدلائل إلى أن إسرائيل تسعى جاهدةً لدعم وتحفيز الحراك القائم من أجل إسقاط (الرئيس) الأسد، فإن وجود حكومة موالية لإسرائيل والولايات المتحدة في سورية سوف يوقف الدعم الإيراني القوي لحزب الله والفلسطينيين، الأمر الذي يعطي إسرائيل الحرية في إيجاد الحلول لمشاكلها مع العرب.

لقد أشار جورج غالاوي إلى أن من بين «زعماء المعارضة» التي تدعمها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية هناك شخصيات مسؤولة عن جرائم بالإضافة إلى قيامهم باختلاسات تقدر بالمليارات أثناء توليهم لمناصب رفيعة المستوى في عهد (الرئيس الراحل) حافظ الأسد. نتذكر هنا عبد الحليم خدام المنفي، كما أحمد الجلبي عميل السي آي ايه الفاسد في «العراق الحر». إننا نرى العراق وليبيا من أفضل الأمثلة على خباثة هذه الامبريالية الأمريكية التي تتغنى بـ«بناء الأمة»، في حين تقوم فعلياً بنهب وسحق الأمم المتقدمة وتحويلها إلى أنقاض.

http://www.shoofeemafee.com/index.php?operation=read&type=article&idArticle=12905