سؤال لا يطرح الا على القضاء و القدر.. متى تنتهي الحرب في سوريا ؟

نبيه البرجي
متى تنتهي الازمة في سوريا؟ثمة اسئلة لا يمكن طرحها الا على القضاء والقدر. من عقود قال هنري كيسنجر ألا وجود لخط ساخن بين الارض و السماء. هذه هي المشكلة.
بدت جنيف، بذلك الصقيع الخلاب، وكأنها تعيش ذروة الصقيع الديبلوماسي. عادة يأتي المفاوضون الى المدينة ليلاعبوا المستحيل. من زمان قال كليمنت ميترنيخ ان الديبلوماسية «ان تدعو المستحيل الى مائدة العشاء».قد لا يتغير كثيرا، ولكنه يتغير…
في المدينة السويسرية لا شيء يشير الى ان المستحيل لبى الدعوة الى العشاء. كان واضحا ان اميركا في مكان (وتلعب في مكان آخر) وان روسيا في مكان (وتلعب في مكان آخر). لم تنتظم ابدا لعبة الشطرنج. البلقنة كانت عتيقة و مضنية. يعتبر ديفيد اغناثيوس ان واشنطن باتت تفتقد الادمغة الديبلوماسية، والاستراتيجية، الفذة. لا احد هناك مثل افريل هاريمان او دين اتشيسون او حتى دين راسك وجون فوستر دالاس. لقد سقطت القبعة عن رأس الكابوي..
هل حقا ان موسكو ليست راضية تماما عن التقارب الاميركي – الايراني؟ لا تحسبوا ان مسرحية جنيف كانت بعيدة عن كل هذا.
ثمة حرب باردة غير معلنة. بعض الجنرالات الروس يتهمون وكالة الاستخبارات المركزية بأنها ضالعة في تصنيع المجموعات الارهابية التي تقيم خلاياها في الشيشان وداغستان وربما في الداخل الروسي. بطبيعة الحال، اقامت خطوط تواصل مع «جبهة النصرة». هي محكومة بالفرار من افغانستان، وتحاول ان تجد اي وسيلة للتفاهم مع «طالبان» التي إن صح ما يتردد تريد الاستيلاء على باكستان ايضا. هذا الذي يثير هلع الاميركيين والهنود بطبيعة الحال…
ليس الشرق الاوسط وحده الذي يكتنفه الضباب. اللوبي اليهودي بدأ يضغط بأقصى قوته على باراك اوباما الذي عليه ان يعلم ان الكونغرس هو مستودع للحاخامات، بمن فيهم الحاخامات العرب هذه الايام..
لكن الذين يسألون سيرغي لافروف يسمعون كلاما من قبيل ان موسكو لم تفقد الامل من اوباما. المهم ان الرجل لا يستسيغ الحروب، حتى ولو قالت مادلين اولبرايت «ايها السيد الرئيس، اميركا ليست امارة موناكو». هي ماذا اذاً؟تذكرّ بدور الولايات المتحدة في الحرب العالمية الاولى وفي الحرب العالمية الثانية، وكيف ان الاتحاد السوفياتي لفظ انفاسه الاخيرة لان ثمة في واشنطن من ادار الحرب الباردة بالكثير من الحنكة بل و بالكثير من العبقرية…
لا مجال للاستهانة باللوبي اليهودي الذي يريد تقويض نظام بشار الاسد، وازالة نظام آيات الله، وتفكيك «حزب الله». المشكلة ان تنظيم القاعدة، بمفرداته التي تعود الى ما قبل التاريخ، يكره اميركا. اميركا فقط. غريب انه لا يلامس اسرائيل. ذات يوم حاول الانكليز التساؤل عن علاقة ما بين الموساد و ايمن الظواهري، تالياً بين الموساد وابي بكر البغدادي. لا يعرف ما هو السبب الذي جعلهم يطوون التساؤل على عجل..
كان الكرنفال سيئا و مضحكا في جنيف. الصقيع في الوجوه وفي الاوراق المطروحة. محمد حسنين هيكل حين زار بيروت تساءل ما اذا كان بالامكان استيراد سياسيين من الدول الاسكندنافية لادارة الدول في المنطقة. قال ان «هؤلاء الذين بيننا صالحون فقط لادارة الجحيم». لا فارق الآن بين الشرق الاوسط و الجحيم…
لا تهزأوا باولئك المعارضين الذين كانوا يرددون في الاروقة الخلفية بأن ما حدث في جنيف عبارة عن ملهاة ديبلوماسية بكل معنى الكلمة، فالازمة السورية ستنتقل قريبا الى نيويورك حيث قرار مجلس الامن جاهز، وتحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، لارسال قوات عسكرية الى سوريا و فرض الهيئة الانتقالية هناك..
معارضون ويتحدثون بثقة عن تلك «اللحظة الخلاقة»، ثم يؤكدون ان ثمة تراجعا «نحو الواقعية» في الموقف الروسي. لا يفوتهم ان يتحدثوا عن صفقة ما. صفقة ما خارج سوريا. الساحات كلها مفتوحة على مصراعيها…
عقب صدور كتاب مايلز كوبلاند «لعبة الامم»، سأل برنارد راسل «هل حقا ان الشيطان يتكلم الانكليزية فقط؟». كثيرون يقولون انه يتكلم اللغة العربية فقط. لنفترض الآن انه يتكلم كل اللغات..
ولكن من يتجرأ على النزول الى الارض السورية. رجب طيب اردوغان الذي اعدّ جيشه لهذه الساعة العثمانية حاول ان يقنع الاميركيين، اكثر من مرة، ان سوريا، حتى من حيث التضاريس الجغرافية، مختلفة جدا عن افغانستان، قال لهم لا تخافوا. اعطونا الضوء الاخضر وسترون كيف ان كل شيء ينتهي بأيام، بل بساعات. الروس هددوا بحرب عالمية ثالثة، وقالوا ان باستطاعة اردوغان ان يلعب بالتاريخ قدر ما يشاء، اما في الجغرافيا لا…
هل لاحظتم ما ورد في الورقة التي قدمها وفد النظام في جنيف. كلام عن تحرير كل الارض المحتلة. ثمة من نبّه الاتراك الى ان السوريين يعنون لواء الاسكندرون تحديدا. اللواء إياه الذي كان النظام قد دفع به ولاسباب تكتيكية او واقعية الى خارج الخريطة. الآن لا بد للنظام ان يلعب بكل الاوراق. احرج المعارضين والذين يقفون وراءهم والذين يستضيفونهم في اسطنبول. هل بات سرا ان عرابي المعارضة ابلغوا تل ابيب ان «الائتلاف الوطني السوري» بكل اطيافه هو مع ابرام معاهدة سلام معها ودون اي تحفظ؟
بدا مشهد الوفد المعارض مضحكا. صباحا قال احدهم انه تم رفض ورقة النظام لانها استنساخ لبيان جنيف – او لا حاجة اليه. وفي المساء قال آخر انها مناقضة لهذا البيان. المعارضون ارتبكوا كيف يوافقون على النقطة المتعلقة بتحرير الاراضي. محمد رياض الشقفة، زعيم «الاخوان المسلمين» لم يكتف بالتعهد بأن اسرائيل ستكون دولة صديقة بل ستكون دولة شقيقة..
اكثر من ذلك، معارضون وقالوا انها مفاوضات للمفاوضات. وراء الستار خطة لما بين ثلاثة وستة اشهر يتم خلالها اعداد نحو ثلاثين الف مقاتل وتدريبهم على اسلحة متطورة لشن «الحرب الثانية» على النظام. مصادر ديبلوماسية عربية تؤكد ذلك. لم يؤثر صقيع جنيف في جنون الازمة!