ماذا لو اعتذر وزير الخارجية الأميركية؟

عمر الصلح
لا شكّ في أنّ كشف وزير الخارجية السوري وليد المعلّم عن رفض بلاده طلباً أميركيّاً للتفاوض المباشر مع ممثّلي النظام السوري بعد انطلاقة أعمال مؤتمر «جنيف 2»، يُعتبر فضيحة سياسية من العيار الثقيل في فنّ التفاوض.
لم تنجح الديبلوماسية الأميركيّة في نفي “فضيحة المعلّم”، إذ يمكن تصنيف نفي المتحدّثة بإسم الخارجية جين بساكي في خانة التأكيد أو في أيّ خانة أخرى، ولكن حكماً ليس في خانة النفي.
فالزميلة جين خبيرة في العلاقات الديبلوماسية والسياسية، إلى جانب خبرتها الإعلامية، وقد عملت في الدائرة الإعلامية للبيت الأبيض وسكرتيرة صحافية لحملة الرئيس باراك اوباما الانتخابية، لذلك لا يمكن تبرير “فضيحة المعلّم” فقط برغبة بلادها في إجراء “اتصال مع مسؤولين سوريين على مستوى الموظفين”، لأنّ الاتصالات الديبلوماسية على مرّ التاريخ كانت ولا تزال تنطلق من مثلّث الموظفين.
وبالتالي فإنّ رغبة جين في الاتصال مع “موظفين رسميّين سوريين” ليست حتماً من باب التعارف، لأنّ وسائل التواصل الاجتماعي متاحة لهذا النوع من التواصل، ما يعني في القراءة السياسية أنّ العرض الاميركي يأتي في سياق المؤشّرات المتتالية على عدم ثبات الولايات المتحدة في مواقفها حيال الأزمة السورية.
على الطرف الآخر، لا يمكن وضع “فضيحة المعلّم” في سياق الانتصارات السياسية، لأنّ الرفض السوري جاء معطوفاً بشرط اعتذار وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن الاتهامات التي وجَّهها الى الرئيس بشّار الأسد، ما يعني أنّ النظام السوري لم يقفل باب التفاوض مع الاميركيّين وأنّه على استعداد لفتح قنوات الاتصال على مصراعيها، ولكن ضمن شرط واحد وهو “عدم المساس بشرعية الأسد”.
وهذا ما تمثَّل بردّ المعلّم على كيري عند كيله الاتهامات بأنّ “أحداً في العالم لا يملك الحقّ بإضفاء الشرعية أو عزلها أو منحها للرئيس”. وبالتالي فإنّ التفاوض المباشر مع الاميركيين أمر غير مستبعد، علماً أنّ دمشق لم تنفكّ تتّهم واشنطن منذ بدء الأزمة بتدبير المؤامرات الكونية ورعايتها، وتغطية ومدّ الإرهابيين بالأسلحة لإسقاط نظامها.
إذاً، هل هي جولة “عضّ أصابع” في عملية تفاوض معقّدة، أم أنّه غزل ديبلوماسي يُمهّد لجلوس الطرفين وجهاً لوجه على طاولة واحدة في الجولات المقبلة من مفاوضات جنيف؟ وماذا لو اعتذر كيري؟
بالطبع لن يخرج وزير الخارجية الأميركية إلى الإعلام ليعتذر عمّا قاله بحقّ الأسد، لكنْ هناك طرق ووسائل سياسية أخرى لإيصال الاعتذارات، وما الإعلان عن “رغبة التواصل” إلّا اعتراف بشرعية الأسد، واعتذار في حدّ ذاته عن كلّ المواقف السابقة. علماً أنّ العداوة بين الطرفين وصلت الى حدّ إعلان الحرب.
وعلى رغم أنّ التقارب الاميركي مع نظام الأسد قد يكون على حساب موسكو، على اعتبار أنّ لدى الطرفين صولات وجولات سابقة في هذا المجال، إلّا أنّ أوساط الخارجية الروسية تعتبر الحوار بين واشنطن ودمشق مؤشّراً إيجابياً من شأنه دفع المفاوضات إلى المزيد من التقدّم نحو إيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية.
وتعتبر المصادر أنّ وزير الخارجية سيرغي لافروف أشار بوضوح في “مؤتمر ميونخ للأمن” بنسخته الخمسين الى أنّ “روسيا بمفردها لا يمكن أن تفعل شيئاً ولا حتى الولايات المتحدة تستطيع فعل شيء لوحدها، لكنّنا سويّةً نستطيع”.
ما يعني بحسب الأوساط أنّ موسكو ترى ضرورة في الحوار بين الاميركيين والنظام السوري، وضرورة تفعيل الحوار بين موسكو والائتلاف المعارض، ولهذا الغرض تأتي زيارة رئيس الائتلاف أحمد الجربا الى موسكو غداً، إذ ستحاول الديبلوماسية الروسية فتح حوار جدّي مع الائتلاف بهدف وضع أسُس متينة للتواصل في سبيل تذليل العقبات التي تواجه “جنيف 2″.