منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
يرجي التكرم بتسجبل الدخول إذا كنت عضو معنا
أو التسجيل إن لم تكن عضو وترغب في الإنضمام إلي أسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

إدارة المنتدي




انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة
يرجي التكرم بتسجبل الدخول إذا كنت عضو معنا
أو التسجيل إن لم تكن عضو وترغب في الإنضمام إلي أسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك

إدارة المنتدي


منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

جامع في ميونيخ .. دور المخابرات النازية والأميركية في نشوء ونشاط التنظيم الدولي للإخوان المسلمين 1-3

اذهب الى الأسفل

جامع في ميونيخ .. دور المخابرات النازية والأميركية في نشوء ونشاط التنظيم الدولي للإخوان المسلمين 1-3 Empty جامع في ميونيخ .. دور المخابرات النازية والأميركية في نشوء ونشاط التنظيم الدولي للإخوان المسلمين 1-3

مُساهمة من طرف السهم الناري الخميس فبراير 20, 2014 7:51 pm

إيان جونسون
دام برس:
بسم الله الرحمن الرحيم }وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَىٰ وَاللَّه يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{ سورية التوبة الآية (107)
استهلال
ـ تأكد أبو عامر الراهب أن سلطته تهددت، وأن نفوذه إلى أفول بسبب إقامة الرسول لدولته في المدينة المنورة.
ولاستعادة السلطة. لجأ أبو عامر الراهب لمحاربة الرسول محمد (ص) بكل الوسائل حتى وصل التآمر على النبي إلى حد التحالف مع ملك الروم هرقل.
وفي المدينة المنورة بنى رجال أبو عامر مسجداً ليكون ضراراً لمسجد قباء الذي بناه الرسول .. ولم يكن جامع الضرار إلا مركزاً ومقراً وقيادة ورصداً ومنبراً لأبو عامر الراهب في حربه لاستعادة السلطة في المدينة.
فهل هناك في العصر الحديث ما يماثل مسجد ضرار؟؟ وهل هناك معادل موضوعي لأبو عامر الراهب كسياسة واستراتيجية.؟؟
إننا نسأل التاريخ.
لأن من لا يقرأون التاريخ محكومون بتكراره.
و(جامع في ميونيخ) صفحة من التاريخ تكثفت فيها انطلاقة تنظيم استخدم الدين كغطاء ايديولوجي، واستعمل الجامع كمقر ومنطلق، وتوسل الاعلام لتجنيد القلوب والعقول، والقشرة التي ظاهرها دعوة روحية وأبحاث دعوية، باطنها عمل منظم من أجل الوصول للسلطة السياسية عبر بناء الدولة- دولة الخلافة الاسلامية….
جامع ميونيخ، هو جامع ضرار الحديث، وأبو عامر الراهب بات اسمه التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وبدل هرقل ملك الروم جاءت المخابرات النازية ثم الأميركية.
ودائماً الدين هو الغطاء- والسياسة هي المضمون والإعلام والفكر هما الوسيلة…
إنه التاريخ الذي لم نقرأه جيداً.. والذي تكرر علينا بكل مصائبه.
فهل نعي حقيقة ما يجري؟؟ وهل نتحصن ضد ما ينتظرنا من مصائب؟؟
قصة الكتاب: (المقدمة)
في شتاء 2003 كنت في مكتبة بمدينة لندن مختصة بالتاريخ والأدب والدراسات الاسلامية، لدرجة يسميها اللندنيون (لندنستان).
لاحظت أثناء تجوالي في ردهات المكتبة، خريطة فريدة للعالم، لوّنت فيها البلاد حسب نسبة المسلمين فيها، وكان الأخضر الغامق للدول ذات الأغلبية المسلمة الكبرى وكلما بهت الأخضر دلّ على تناقص نسبة المسلمين في البلد الملون. وكانت الألوان وكأنها تقسم العالم إلى مسلمين من جهة وغير مسلمين من جهة أخرى.
وفي إطار الخريطة كان هناك صوراً لأشهر المساجد الإسلامية في العالم مكة- الأقصى- الجامع الأزرق في اسطنبول وكان هناك صورة للمركز الاسلامي في ميونيخ…
وهذه أول مرة أسمع فيها عن مسجد في ميونيخ (المركز الإسلامي) يوضع مع المسجد النبوي في مكة. ومسجد الصخرة في القدس. ما قصة هذا المسجد؟؟….. ولأنني كنت أنوي زيارة ميونيخ قررت المرور على هذا المسجد، لأتعرف على أهميته.
بعد رحلة طويلة خارج ميونيخ وصلت إلى المسجد، وجدته بناء مهملاً رغم أنه كان على شكل منطاد (تصميم مستقبلي) ووجدت حارس نحيل رث الثياب يحرس الجامع وعندما سألته (لماذا كان هذا الجامع مشهوراً جداً؟؟) لم يهتم، وأجاب (لا أعرف) ولما سألته من أسسه؟؟ لم يجبني.
تساءلت ما الذي حصل في هذا المسجد؟؟ وظننت أنني سأحصل على إجابة من بعض  أفراد الجالية المسلمة في ميونيخ- والذين هاجروا إليها في ستينيات القرن الماضي- ولكن ما حدث أن الإجابة تفيد أن سر هذا الجامع يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي- وهكذا بدأت رحلة بحث أخذتني إلى ملفات في المحفوظات الأميركية والأوروبية، وتابعت شهادات أناس شاركوا في أحداث هذا الجامع وهم الآن على حافة القبر ووجدت ثلاث مجموعات دعمت الجامع وصولاً لأهداف معينة:
1- مفكرون نازيون يعملون مع المخابرات النازية خططوا لاستخدام الإسلام كسلاح سياسي خلال الحرب العالمية الثانية، ووسّعوا تلك الاستراتيجية لتمتد إلى مرحلة الحرب الباردة.
2- أعضاء في المخابرات المركزية أسسوا على ما أنجزه النازيون، وعملوا لاستغلال الإسلام في محاربة الشيوعية.
3- مجموعة من المسلمين الأصوليين وجدوا في الجامع موطئ قدم وقاعدة لعملهم وسعيهم لتحقيق ما يؤمنون به الخلافة الإسلامية.
وهكذا فإن المجموعات الثلاث التي دعمت الجامع وعملت من خلاله لم يكن هدفها إنشاء مركز للعبادة والتدين، بل هدفت وأنشأت مركزاً للنشاط السياسي والعنفي.
وخاضت هذه المجموعات  في البداية حرباً نفسية معركتها الأفكار ما لبثت أن تطورت لتصبح معركة جنود وأسلحة- وما بدأ في ميونيخ تطور إلى ما حصل في كثير من البلاد، كإنشاء تنظيم (القاعدة) ومحاربة السوفييت بالمجاهدين الإسلاميين – كما امتدت هذه الحرب إلى العراق- (وفي أحداث ما يسمى بالربيع العربي اُستخدم الإسلام سياسياً وعنفياً لتحقيق أهداف المخابرات الغربية).
الإخوان المسلمون هم أكثر المجموعات الإسلامية تنظيماً، واستغلت الجامع لتنشط في الغرب (ولتؤسس مايسمى التنظيم الدولي الذي يدير الجماعة كلها) وهكذا حول الإخوان المسلمون جامع ميونيخ إلى منصة انطلقوا إلى المجتمع الغربي ليشكلوا قوتهم وامتداداتهم الدولية (التنظيم الدولي). كقيادة لعملهم السياسي في العالم كله بهدف تحقيق الخلافة الإسلامية.
يغطي هذا الكتاب الكثير من الفجوات في تاريخ العلاقة بين المخابرات النازية ثم الأميركية وبين الإخوان المسلمين- ويكشف عن تاريخ عمل الإخوان وخدمتهم لأجندات خارجية (نازية- ثم أميركية) من أجل التمكن من الوصول لأهدافهم – ولتحقيق هذا الكتاب اضطررت إلى فتح ملفات كثيرة والعودة إلى كتابات عديدة، والأهم أن كثيراً من الشهود الذين أدلوا بشهادتهم لي كانوا يقضون نحبهم وعلى حافة قبرهم. وهكذا فقد اعتمدت وثائق المخابرات والمراكز الإسلامية وشهادات من عاصروا وعملوا وشاركوا في إدارة نشاط الجامع.
والحكاية كلها بدأت من ساحات معارك الحرب العالمية الثانية. 
الحروب الساخنة:
في العام 1941 زج الجيش الستاليني بالوحدات العسكرية المؤلفة من جنود جاؤوا من القفقاس وآسيا الوسطى التي ضمها الاتحاد السوفييتي إليه وهي مؤلفة من شعوب مسلمة. ونتيجة هزيمة الجيش الستاليني في كثير من المعارك. استسلم عدد كبير من الجنود السوفييت وكثير منهم هرب. والتئم جمعهم في ميونيخ. مهاجرين ومحتجزين في معسكرات الاعتقال.
الجيش الألماني وعمل على استثمار أبناء الأديان والقوميات المعادية للنظام السوفييتي، وبدأ في معسكرات الاعتقال بحملة تثقيف لدفع هؤلاء الأسرى للانتقال للعمل مع الجيش الألماني والقتال معه ضد السوفييت والجيش السوفييتي، وفي العام 1942 كان هناك حوالي مليون جندي سوفييتي من هؤلاء وقد انتقلوا للعمل في الجيش الألماني كان من بينهم 250 ألف مسلم، وسميت خطة استخدام الأسرى السوفييت هذه بالخطة (النمر ب). وزج بهذه الوحدات في المعارك العسكرية،  فحققت نتائج مهمة وبعضهم اشترك في معركة ستالينغراد. وثبت للألمان جدوى استخدام المسلمين ضد السوفييت.
توسعت خطة (النمر ب) وأنشأ الألمان وحدات عسكرية من المسلمين فقط، وكان هتلر يرتاح للمسلمين، وبارك هتلر شخصياً الاعتماد على المسلمين وهذا ما جعل الألمان ينتبهون إلى قوة الإسلام، حيث جنود داغستان وكازاخ وأمثالها كانوا يعرّفون عن أنفسهم بأنهم مسلمون وهذا جعل الألمان يهتمون: هؤلاء رجال يحاربون من أجل دين يعارض الشيوعية بشدة (نفس الفكرة اعتمدتها أميركا عندما قامت مع السعودية بتجنيد المجاهدين ضد الاحتلال السوفييتي في أفغانستان).
بعد ذلك طلبت قوات الاستخبارات النازية تشكيل وحدات عسكرية من غير الألمان عندما تم جمع وحدات المسلمين (الفرقة 450) مع وحدات أخرى ضمن فرقة كبيرة تابعة للاستخبارات الألمانية وسميت (تشكيلة قوات شرق تركمانستان) قاتلت في اليونان وإيطاليا واكتسبت شهرة بالقضاء على انتفاضة وارسو.
وفي عملية لمعرفة ما يمكن أن تستفيد المخابرات الألمانية من الجنود السوفييت الذين يقاتلون معها. كانوا يقيمون معسكرات تثقيف مستمرة.
وزار أحد هذه المعسكرات فريق تفتيش على رأسه (هاينز أونغلاب) وهو محامي ألماني معجب باللغة التترية، أعجب أونغلاب بجندي سوفييتي شاب من أصول تترية ، أمم السوفييت أعمال عائلته، اسم الشاب غريب سلطان، وعندما سأله أونغلاب كيف تعلم اللغة الألمانية فأجابه أن (أحد أقارب أمي تزوج من ممرضة ألمانية اسمها فون مينده) وانتبه أونغلاب أن رئيسه في وزارة الأراضي المحتلة اسمه غيرهارد فون مينده (وهو مهندس استخدام ألمانيا النازية للمسلمين)، أي أن هناك قرابة ما بين سلطان ورئيس أونغلاب غيرهارد.


غيرهارد فون مينده عالم الأجناس التوركية:
- في 22 حزيران 1941 قام هتلر بغزو الاتحاد السوفييتي، وفي نفس اليوم بدأ (غيرهارد فون مينده) عمله في وزارة الأراضي المحتلة، (والأراضي المحتلة برأي النازية هي آسيا الوسطى والقفقاس)، وكانت مهمة (فون مينده) وضع الخطط للاستفادة من المسلمين في حربهم ضد السوفييت، ويبدو أن خططه (لدعم الإسلام: استراتيجية سوف تستمر طويلاً، بعد هزيمة النازية، وربما استمرت حتى وقتنا الحاضر، حيث مازال الغرب يستفيد من هؤلاء المسلمين في حروبهم حتى ضد البلاد الإسلامية والعربية- وغيرها.
كانت عائلة (فون مينده تعيش في لاتفيا عندما هزمت ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وشاهد غيرهارد بأم عينه كيف قام البلاشفة بقتل والده ، وهربت عائلته إلى ألمانيا وكانت أمه تعيل الأسرة من عملها كسكرتيرة…
وغيرهارد عمل في أعمال كثيرة (بحاراً- عاملاً في مناجم الفحم….الخ) كي يؤمّن تكاليف تعليمه وبالفعل وصل إلى مستويات أكاديمية متقدمة.
كانت برلين في ذلك الوقت مركز الدراسات المتعلقة بروسيا. وصبّ فون مينده اهتمامه على الدراسات الروسية المعاصرة والاقتصادية. وبالفعل أصبح مختصاً فيها، وأتقن عدداً من اللغات منها العربية، وتزوج بكاتبة نرويجية اصبحت مستشارته وضميره وناسخة كتبه.
وكتب غيرهارد كتاباً شرح فيه التركيبة العرقية للاتحاد السوفييتي ثم نشر بعد ثلاث سنوات أكثر أعماله تأثيراً (النضال الوطني للشعوب التركية في روسيا) وكانت أطروحة الكتاب مدوية: شكلت الأقليات غير الروسية في الاتحاد السوفييتي كتلة من المواطنين غير مترابطة وغير متماسكة، ونبه (فون مينده) إلى أن الصراع بين الروس وبين الترك (الأوزبك والكازاخ والقرغيز والتتار سيستمر ويستمر ولكنهم لن ينالوا استقلالهم دون مساعدة خارجية (وهذا ما حصل فعلاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
تقرب فون مينده من الحزب النازي عبر عمله مع قوات العاصفة، ثم عبر ارتباطه برئيس مكتب العلاقات الخارجية في الحزب النازي، ثم انخرط مع النازيين في محاربة اليهود (كان يكره اليهود وربما هذا ما جعله يفضل المسلمين) واعتبر أن البلشفية أعطت لليهود مساحات من الفعالية كبيرة. وهذا مازاد من عدائه للسوفييت.
ووجد غيرهارد في المسلمين مؤمنين بدين يحارب البلاشفة والشيوعية وهذا ما جعله يركز على استثمار هذه الفكرة، وأصبح المخطط الاستراتيجي والمنقذ لدى النازيين للاستفادة من المسلمين… وهذا ما شكل  مرحلة مهدت لعلاقة بين عناصر من الإخوان المسلمين استغلت ظروف الحرب لتعمل مع المخابرات النازية، ولتستغل جامع ميونيخ كما سيتضح لتؤسس لنفسها التنظيم الدولي:

النموذج النازي الأولي لتعاون المسلمين مع الغرب:
- من  المراحل الهامة في تبلور نشاط الحركات والجماعات الإسلامية في الغرب ما حصل عبر النموذج النازي الأولي، والذي قادته (وزارة الأراضي المحتلة) حيث لعب (فون مينده) الدور البارز فيها. كصاحب الفكرة وواضع الاستراتيجية والمساهم في تنفيذها.
وبدأ المسلمون العمل مع النازيين والقتال في صفوفهم ضد الشيوعية، ولكنهم عند هزيمة النازيين، أعلنوا أنهم لم يقاتلوا مع ألمانيا نصرة للنازية بل سعياً وراء تشكيل حكومة في المنفى تحارب الشيوعية والسوفييت، وهكذا فإن العمل السياسي، لهؤلاء المسلمين انتقل للتفكير بدورهم السياسي ولو عبر اختراع التبرير الملائم لإقناع المنتصرين الأميركيين والبريطانيين ولكن كل ذلك تأسس في عملهم عبر وزارة الأراضي المحتلة الألمانية.
وقصة (وزارة الأراضي المحتلة) أنشأها هتلر كي تكون مسؤولة عن إدارة روسيا وبولونيا وأوكرانيا والقفقاس وآسيا الوسطى- بعد احتلالها من قبل الجيش النازي- وكان (فون مينده) في البداية مسؤول قسم القفقاس ثم رئيس مكتب (قسم الأشخاص الأجانب) ثم تولى مسؤولية جميع الشعوب المسلمة بما فيها آسيا الوسطى. (مسؤول جميع الشعوب المسلمة لاستخدامها لصالح المخابرات النازية).
في الثلاثينيات انتقل عمل العاملين مع (فون مينده) ضد الشيوعية إلى بولونيا وفرنسا وبريطانيا، ونال دعم المخابرات الفرنسية والبريطانية واصبحت تلك المجموعات تحت سيطرة الألمان عندما احتل النازيون فرنسا.
وصل غريب سلطان إلى برلين مع تبلور خطط (فون مينده) بإقامة مكاتب ارتباط، فانضم سلطان إلى مكتب ارتباط التتار كإعلامي، وكان لديهم إذاعة وفرقة مسرح وصحيفة، كما عمل قيوم خان مع فون مينده في إدارة الشعوب التركمانستانية ونال دعم فون مينده، الذي حاول تحويل مكاتب الارتباط إلى مكتب إرشاد (وربما كان رئيس كل مكتب إرشاد يسمى المرشد العام وربما جاءت هذه التسمية من تسمية مرشد الإخوان المسلمين العام) وأعلن وزير الأراضي المحتلة أنه سيحول مكاتب الارتباط إلى حكومات.
في العام 1944 بدأ تراجع الجيوش الألمانية وبدأت نذر الهزيمة تلوح بالأفق، فعمل (فون مينده) على نقل وحدات المسلمين إلى الجهات الغربية بحيث يقعون بأسر الأميركيين والبريطانيين لأن وقوعهم بأيدي السوفييت يعني موتهم.
وبتأثير من الأحداث ومن فون مينده ادعى المسلمون أنهم لم يقاتلوا الروس من أجل النازية بل من أجل نيل استقلالهم الوطني وإقامة حكوماتهم المستقلة وكان هذا التبرير بمثابة برنامج أولي لمقابلة صديق المسلمين الجديد: الولايات المتحدة… (وهذا هو الانتقال من المخابرات النازية للعمل مع المخابرات الأميركية).

الحرب الباردة:
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية- كانت برلين مقسمة فهجرتها الفعاليات الاقتصادية والشركات الهندسية وبيوت المال إلى ميونيخ ، التي رغم أنها كانت مدمرة بالكامل، إلا أنها كانت العاصمة السرية لألمانية خاصة وأن بون التي سميت العاصمة لم تكن أكبر من قرية كما قال أحد الكتاب.
وبعد ان تخلص الغرب من النازية، تفرغ للشيوعية، وشكل في الولايات المتحدة وكالة المخابرات المركزية- ومجلس الأمن القومي- واعتمدت أميركا في استراتيجيتها محاربة الشيوعية سياستين:
1- سياسة الاحتواء التي تعمل على الحد من انتشار الشيوعية وتقليص وجوها.
2- محاولة الانقلاب على الشيوعية من داخلها. (وتفتيتها عبر زرع بذور الفتنة والانقسام ضمنها).
ولتحقيق نتائج لهاتين السياستين اعتمد الغرب على (الحرب النفسية) فأنشأوا لذلك منظمة غير حكومية باسم (اللجنة الأميركية للتحرير) وكانت تتبع سراً للمخابرات الأميركية، وأنشأت اللجنة الأميركية للتحرير.
أنشأت إذاعة الحرية إضافة إلى معهد دراسات الاتحاد السوفييتي- ودائرة علاقات المهجرين (وكانت تعمل على تجنيد العملاء). ومعظم العاملين في الإذاعة أو المعهد أو دائرة العلاقات كانوا ممن عمل مع (فون مينده) عبر وزارة الأراضي المحتلة… وهكذا فقد بدأوا يعملون مع المخابرات الأميركية نفس العمل الذي كانوا يقومون به مع المخابرات النازية).
وهكذا فقد كانت وزارة الأراضي المحتلة النازية توازي تماماً اللجنة الأميركية للحرية، وبعد سنتين أو ثلاث من عمل اللجنة الأميركية للحرية عبر الإذاعة والمعهد ودائرة العلاقات، اكتشف الأميركان أن العاملين معهم من أبناء الاتحاد السوفييتي لم يكن لديهم ثقافة إسلامية ذات مصداقية، وبالمقابل فقد استطاع فون مينده بهذه الأثناء الوصول إلى الارتباط بالمخابرات الأميركية واستطاع اقناعهم بأن الإسلام والمسلمين هم العنصر الأكثر قدرة على محاربة الشيوعية وتدميرها، واستطاع فون مينده إقناع المخابرات الأميركية بضرورة البحث عن مسلمين يمتلكون ثقافة دينية إسلامية ذات مصداقية تمكنهم من التأثير على الرأي العام في صناعة العقول وحشدها ضد الشيوعية وضد الاتحاد السوفييتي، وهكذا بدأ البحث عن هؤلاء المسلمين للعمل مع المخابرات الأميركية.
المفتاح إلى العالم الثالث:
- للبحث عن عناصر مسلمة تملك ثقافة إسلامية مؤثرة لابد من التوجه إلى العالم الإسلامي وهو جزء أساسي من العالم الثالث، الذي يشكل أهمية استراتيجية لكل من العالم الغربي والاتحاد السوفييتي(العالم الثاني)، وكانت جماعة الإخوان المسلمين من أهم المجموعات الإسلامية المنظمة، وهذا ما لفت الأنظار نحوها.
وتوجهت أنظار كل من السوفييتي والأميركان إلى العالم الثالث في حرب العقول والإيديولوجيا التي يخوضانها ضد بعضهما البعض… وفي موسم الحج لعام 1954 توجه إلى مكة مسلمان مدعومان من المخابرات الأميركية هما ( روسي نصر) و(حميد رشيد) وحاول نصر تقليب حجاج سوفييت ركب معهم الباص من جدة ولكنه لم يفلح، فما كان منه إلا أن بادر لمهاجمة شيخ سوفييتي كان يخطب قرب الكعبة متحدثاً عن معاملة السوفييت الحسنة للمسلمين فتصدى له (نصر) وهاجمه (كيف تسكتون على السوفييت الذين يحاربون الإسلام؟؟) فرد عليه الشيخ (من حاربنا نال عقابه من الله…)، فهاجمه نصر: (ألا تستحي أن تكذب وأنت تقف قرب الكعبة وأنت شيخ على حافة قبرك، كيف تدافع عن أعداء الإسلام السوفييت…). ومن ثم قام بعض من استأجرهم نصر بالهتاف معه ومهاجمة الحجاج السوفييت لدرجة أن الحكومة السعودية منعت الحجاج السوفييت من إقامة صلاة الجماعة بإيعاز أميركي.
كل ذلك روجه الإعلام الأميركي وكأنه ثورة إسلامية ضد السوفييت. وقامت كل من “تايم” و”نيويورك تايمز” باعتبار ماجرى (انتفاضة كراهية) ضد الشيوعية.
وهكذا تأكد الأميركيون أن ساحة صراعهم مع السوفييت هي العالم الثالث. والسلاح هنا هو الإسلام والمسلمين، خاصة وأن (مجلس الاستراتيجية النفسية) الذي ورثه الرئيس الأميركي روزفلت عن سلفه ترومان أكد على أهمية العامل الديني، كذلك فإن الباحث إدوارد كيللي قدم مذكرة تركز على ضرورة استخدام العامل الديني لتأليب الشعوب ضد الشيوعية، وللحد من تأثير السوفييت. كما أن الورقة 162/2 المقدمة من مجلس الأمن القومي دعت إلى ضرورة تحريك المصادر الروحية والأخلاقية (الإسلام) بالتوازي مع القوة العسكرية لمحاربة القوة النووية والانتشار الشيوعي.
العالم الثالث اجتمع في أندونيسيا في مؤتمر باندونغ وأعلن منظمة دول عدم الانحياز كتعبير عن قوة العالم الثالث، ومع أن الولايات المتحدة لم تدع إلى هذا المؤتمر، إلا أن (روسي نصر) تحول في هذا المؤتمر من حاج في مكة إلى صحفي في باندونغ موفداً من قبل صحيفة “نيويورك هيرالد تريبيون” ما لبث أن أعلن عن أنه يمثل (مجموعة وحدة تركمانستان) وقام في المؤتمر بمهاجمة الشيوعية والنظام السوفييتي الذي يضطهد المسلمين، وسبب إحراجاً للسوفييت وحقق اختراقاً إعلامياً، جعل الإدارة الأميركية تشعر بالزهو وتحس أنها حققت ضربة نفسية للاتحاد السوفييتي عن طريق هذا المسلم وبسلاح الإسلام، هنا تحرك (فون مينده) المسيطر على مجموعة وحدة تركمانستان وكل بقايا وزارة الأراضي المحتلة مطالباً الإدارة الأميركية بضرورة تنظيم عمل المسلمين بشكل أفضل الأمر الذي لاقى تجاوباً عند الإدارة الأميركية. (المخابرات الأميركية).

الجامع يتحقق:
بعد أن استقر العمل في (امكوم لب) أرادت المخابرات المركزية الأميركية تفعيل عمل المسلمين بشكل أكبر للتأثير على الاتحاد السوفييتي- فأرسلت أحد رجالها (أريك كوينهولم) إلى اسطنبول ليطوع عدداً من المسلمين ليعملوا مع اللجنة الأميركية للحرية (امكوم لب) ويبدو أن مساعيه لم تنتج أكثر من نصيحة قدمها له وزير الداخلية التركي حيث أشار عليه بضرورة إقامة مركز أبحاث كتغطية للعمل الأميركي في تجنيد المسلمين ضد السوفييت.
من جهة أخرى أنشأت الخارجية الأميركية (مكتب التنسيق السياسي) وسلمته لأحد عملاء المخابرات الأميركية (ويزنر) الذي أدار العمل في راديو الحرية وراديو أوروبا الحرة، ولكنه ركز على الفخامة والتظاهر والمغامرات، وقام بعمليات كانت نتيجتها كارثية على المخابرات الأميركية.
وفي نفس الإطار قام مسؤولو (امكوم لب) باعتماد من المهاجرين هو (جاكا أوغلو) ورغم أن له هيئة الشيخ إلا أن ثقافته الدينية ضحلة كما أن  لغته الألمانية ضعيفة، إضافة إلى أنه كان جلف الطباع حاد الأخلاق وغليظ المعاملة.
كل ذلك جعل (فون فينده) يبتعد عن الأميركيين بعد أن تعاون معهم وبقي في دوسلدورف في مكتبه يعمل في خدمة المهاجرين، ويتابع اتصالاته ودراساته وأعماله الدعائية.
وتجاهلت جماعة (امكوم لب) رغبة المسلمين المهاجرين المقيمين في ميونيخ وتوقهم لإقامة جامع، بينما انتبه (فون مينده) إلى أهمية إقامة مثل هذا الجامع في ميونيخ وبدأ يعمل من أجله.
وفي هذه الأثناء،  بدأ الميل الألماني إلى توحيد الألمانيتين يبرز كحلم تعمل الحكومة على تحقيقه في المدى الاستراتيجي، وكان لبعض الوزراء خلفيه ألمانية قومية وكانوا يعتبرون أن المهاجرين المسلمين هم عنصر فاعل في تحقيق أحلامهم بتوحيد الألمانيتين وفي استعادة الأجزاء الألمانية المقتطعة من أراضيها والمسيطر عليها من قبل السوفييت وحلفاؤهم… وبدأت ألمانيا العمل لاستمالة المهاجرين المسلمين من جديد ولم تجد أفضل من (فون مينده) ليساعده في تحقيق ذلك… ولتنظيم كل ذلك أنشأت المانيا (الإدارة المدنية للاجئين المسلمين) ووضع فون مينده أحد أصدقائه (نمنجاني) كرئيس لها… وفي عام 1958 تمت دعوة هذه الإدارة إلى اجتماع حضره عدد من المهاجرين المسلمين وكان هدفه إعلان بناء جامع في ميونيخ وسيكون إمامه صديق فون مينده (نمنجاني)… 
وصل د. سعيد رمضان- وصل الإخوان:
عقد الاجتماع في كنيسة ميونيخ وحضره حوالي خمسون شخصاً من أجل إطلاق عملية بناء جامع ميونيخ، وكان لحضور سعيد رمضان تأثيراً كبيراً أشعل الحماس بين الحضور خاصة وأنه سكرتير المؤتمر الإسلامي، وهو طبعاً يختصر جماعة الإخوان المسلمين في شخصه، إضافة إلى أن تاريخه يكشف الكثير من العلاقات مع الحاج أمين الحسيني ومع فون مينده، وبالتالي مع النازية التي كانت حاضرة في فكر وتنظيم الإخوان المسلمين، فما قصة سعيد رمضان، وما قصة الإخوان؟؟
رأى سعيد رمضان حسن البنّا أول مرة حين كان يتحدث في اجتماع دعوي العام 1940، اعتاد البنّا أن يطلب بعد كل اجتماع من أحد الحاضرين الصعود إلى المنصة للحديث كنوع من تمتين الارتباط بالجماعة، قرر الفتى رمضان والذي كان يبلغ وقتها أربع عشرة سنة من العمر، أخيراً وبعد خمسة اجتماعات التقدم إلى المنصة… قال له البنّا حينها: ما الذي أخرك كل هذا الوقت؟؟ من هنا ابتدأت قصة رمضان مع الإخوان.
وكما هو معروف فإن حركة الإخوان المسلمين أسسها حسن البنّا في العام 1928 وذلك بهدف العمل على استرجاع (الخلافة الإسلامية) التي أنهاها أتاتورك بإنهائه للخلافة العثمانية العام 1924.
وكان البنّا يرفع شعار (الإسلام هو الحل) وكان يقصد به أن (الخلافة الإسلامية هي الحل) وهذا ما جعل جوهر عمل الإخوان سياسي بحت رغم ارتدائهم لباس الدعوة الدينية.
ولأن حسن البنّا لم يكن شيخاً ولم يدرس علوم الدين في الأزهر أو في أية جامعة أخرى (كان استاذاً للخط) فقد اعتمد في نشر دعوته على التحدث في المقاهي والتأثير بصغار الحرفيين والطلاب. كما اعتمد الابتعاد عن النقاشات الفقهية أو الدينية وكان يتناول مشاكل الحياة ويقترح حلاً لها من الإسلام وبذلك كسب قلوب الحرفيين والفلاحين والمهمشين ومحدودي الثقافة الأمر الذي جعله مؤلهاً عندهم يُسمع ويُطاع بدون نقاش.
وكان لحركة الإخوان المسلمين علاقات بالنازية، وقد بلغت علاقتهم بها أن قبلت الحركة أموالاً من أحد عملاء النازية (صحفي نازي كان يعمل في البعثة الألمانية بالقاهرة) وبهذا المال أنشأ البنّا وموّل التنظيم الخاص الذي اشتهر بالاغتيالات والعنف والذي شكل جناحاً عسكرياً للحركة.
ويبدو أن علاقة الإخوان بالنازية عززت عندهم ضرورة اعتماد القوة في تحقيق أهدافهم (الخلافة الإسلامية)، ورغم أن الإخوان استلهموا فكرة اعتماد القوة من الحركة الوهابية التي قادها الملك عبد العزيز آل سعود الذي أخضع الجزيرة العربية بالسيف، الأمر الذي جعل الإخوان يجعلون من السيفين والمصحف شعاراً لهم، وأن القوة بالسيفين والفكر من المصحف أعطى للإخوان قوة عززتها تجربة النازية وعلاقاتهم مع النازيين.
مع تقدم حركة الإخوان المسلمين، تصاعدت النقمة على اليهود من قبل النازيين والفاشيين، وبذلك تلاقى الإخوان بمعتقدهم الديني ضد اليهود مع عداء النازية والفاشية لهم، كذلك فإن الإخوان استعملوا البنى الأساسية للحزب الفاشي (مع استفادة من سرية الماسونية)، والقاهرة أصبحت في العام 1945 ملجأ للنازيين الهاربين من وجه العدالة.
حسن البنّا وبالرغم من أنه لم يتقبل جميع الأفكار النازية، إلا أن عملاء النازية دعموه بشكل كبير، كما أن علاقته بمفتي القدس أمين الحسيني ساهمت في تمتين علاقة الإخوان بالنازية، خاصة وأن الحسيني (صديق فون مينده) عمل مع النازية التي كادت تنصبه رئيساً على تتار القوم كونه مفتي، وقام الحسيني مع فون مينده باستعراض القوات المسلحة من المهاجرين الذين كانوا يقاتلون إلى جانب النازيين ضد السوفييت، وعمل الحسيني مع (فون مينده) الذي كان يجهد لتوظيف الإسلام والمسلمين ضد الشيوعية والسوفييت.
وبعد انتهاء الحرب استمر الحسيني بعلاقاته مع النازيين، مثل الإعلامي (يوهان فون ليرس) الذي انتقل للعيش في القاهرة، وغيّر اسمه إلى أمين لاهارس… الذي شكل مجموعة لمحاربة اليهود وكان الحسيني يموّله، وحتماً كان هناك صلة بين هذا النازي وبين البنّا والإخوان عن طريق المفتي أمين الحسيني.
كما أن المفتي الحسيني لم يكن بعيداً عما يجري في ميونيخ ليس بسبب علاقته القوية والمستمرة بـ(فون مينده) بل أيضاً عن طريق الكاتب والناشط ورجل المخابرات الأميركية أحمد كمال.
وفي حرب 1948 في فلسطين طلب الحسيني من البنّا مساهمة جماعته في محاربة اليهود فكلف البنّا سعيد رمضان الإشراف على تطويع المقاتلين من الجماعة والذهاب بهم إلى فلسطين عبر الأردن (وحصل على جواز أردني هناك)… وهناك من يعتقد أن رمضان قام في الأردن بتأسيس فرع للإخوان المسلمين، وهذا كان أول نشاط تنظيمي له خارج مصر، وربما تكون هذه من الخطوات الأولى في عمل رمضان في إطار تأسيس التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
إن ثقة البنّا بسعيد رمضان أخذت تزداد مع مرور الوقت، حيث كان رمضان الذي بدأ مع الإخوان شاب صغير، انتقل ليكون عضواً ناشطاً في تنظيم الإخوان المسلمين. يساعد في تنظيم المظاهرات.
درس القانون في جامع القاهرة وأصبح محامياً وعمل في العام 1946 سكرتيراً خاصاً لحسن البنّا وتزوج من إحدى بناته مما زاد الرابطة بينهما، ويقول عنه زملاؤه أنه كان متحدثاً جيداً وذو شخصية جذابة وكان الشخص المناسب للمهمات الصعبة… كل ذلك جعل البنّا يعتمد عليه ويجعله محل ثقته، ولكن حداثة سنه وصغر عمره لم تمكّنه من خلاله حماه البنّا عندما اغتيل في العام 1949، فترك مصر وسافر إلى الخارج ليستمر في عمله التنظيمي، وفي بناء التنظيم الدولي، يقول جمال البنّا شقيق المرشد حسن البنّا، يقول عن رمضان (لو كان للجماعة وزراء لكان سعيد رمضان وزيراً للخارجية فيها، كان داعية  بارعاً ويتحدث الإنكليزية بطلاقة ولديه صلات خارجية واسعة).
في نشاطه الخارجي (الدولي) الذي بدأ بتجنيد الشباب للقتال في فلسطين وعبر وجوده في الأردن أنتج تأسيس فرع للإخوان في المملكة الأردنية، استمر نشاطه هذا عندما غادر مصر في العام 1948 إلى باكستان بسبب اعتبار الحكومة المصرية الإخوان خطر على الدولة، وعاش في باكستان لمدة عام كان أثناءها يدير إذاعة تعمل على نشر الدعوة، ومن غير المستبعد أن يكون قد ألتقى زعماء اسلاميين باكستانيين وأسس لعلاقات تنظيمية معهم.
وفي إطار الخط الذي رسمه حسن البنّا لإقامة الخلافة الإسلامية استمر سعيد رمضان بالتعاون مع المفتي أمين الحسيني لإنشاء روابط وإقامة مؤتمرات تعوض الانقسامات الكبيرة في العالم الإسلامي، ونجح رمضان مع الحسيني في العام 1951 بتنظيم اجتماع لمؤتمر العالم الإسلامي في مدينة كراتشي الباكستانية وتم انتخاب رمضان أحد سكرتيري المؤتمر الثلاثة، وفي هذا المؤتمر هاجم سعيد رمضان تركيا اتاتورك التي أسقطت الخلافة الإسلامية ورسخت عوضاً عنها العلمانية.
كما عمل رمضان والحسيني بشكل نشط جداً في (المؤتمر العام الإسلامي للقدس) وانتخب رمضان سكرتيراً عاماً لهذه المنظمة في العام 1956، وكان من ضمن المجموعات التي عملت في هذا الاتجاه الإخواني سيد قطب الذي كفّر كل من لا يتبع وجهات نظر الجماعة وشرع قتله.
سعيد رمضان لم يكن رجل دين ولم تكن الدعوة رسالته، بل كانت السياسة منهجه وإقامة دولة الخلافة الإسلامية هدفه، لذلك اعتبر العلمانية والشيوعية أعداء، واعتبر أن الشيوعية هي العدو الأخطر لأنها تمنع ممارسة الأديان، وهذه النقطة هي موضع التقاء المفتي الحسيني مع سعيد رمضان، وهي النقطة التي جعلت (وحدة الخدمات الاستراتيجية) التابعة لوزارة الحرب الأميركية تنتبه لها وتعتبرها ميزة مهمة عن المفتي أمين الحسيني وكل من يعمل معه… وهذا ما كان ظهر في تقارير المخابرات الأميركية لاحقاً التي اعتبرت أن عداء المفتي للشيوعية جعله جذاباً للمخابرات النازية – أما رمضان فكان له تميزه الإضافي.
أول اتصال للإدارة الأميركية بالإخوان المسلمين كان في العام 1953 عبر وفد أكاديمي من الإسلاميين زار أميركا برحلة ثقافية، وكان سعيد رمضان أحد  أعضاء هذا الوفد، الذي تقدم للبيت الأبيض بطلب  لقاء الرئيس ايزنهاور، والمشكلة أن الرئيس كان خارج العاصمة.
ولكن تذكر مسؤول الاتصال في البيت الأبيض (ووشبورن) الأهمية التي يوليها ايزنهاور للدين، وراجع مذكرة كيلي المسماة (العامل الديني) لذلك وجد أنه لابد من انتهاز فرصة وجود وفد من المسلمين، وألح ووشبورن على الرئيس للقاء الوفد هذا، وحسب نصيحة مساعد ايزنهاور للحرب النفسية سي دي جاكسون التي ركزت على ضرورة إعلان أميركا عن تفوقها الروحي على السوفييت اتخذ القرار باستقبال الرئيس ايزنهاور للوفد وكان بينهم المحترم سعيد رمضان مندوب جماعة الإخوان المسلمين حسب ما جاء في وثائق البيت الأبيض ( أي اُستقبل رمضان ليس كمثقف بل كمندوب لجماعة الإخوان المسلمين).
هذه المجموعة من الإسلاميين جالت في الولايات المتحدة الأميركية وتناولت في فاعلياتها قضايا الحياة والشباب والثقافة والدين و..و..الخ، ولكن كان تركيز سعيد رمضان سياسياً في كل ما طرح، وإحدى المذكرات الأميركية اعتبرته محاوراً غير سهل لأنه يركز على الأهداف السياسية دائماً، وأحد المحللين الأميركيين اعتبره محرض سياسي فاشي.
في مذكرة سرية رفعت للخارجية الأميركية اعتبرت أن نشاط هؤلاء الإسلاميين يركز على هدف دعم (النهضة الإسلامية) واعتبر المذكرة أن جماعة الإخوان المسلمين هي الأكثر تأثيراً، ويبدو أن الأميركان كانوا يريدون الاتصال بالإخوان، والدليل أن السفارة الأميركية في القاهرة عندما أرسلت طلب الوفد إلى الإدارة الأميركية في واشنطن حجبت في طلبها علاقة سعيد رمضان بالمفتي الحسيني المعادي لإسرائيل واليهود والحليف للنازية.
وبالفعل تم اللقاء الإسلامي (الإخواني)- الأميركي، وترسخ لدى الإدارة الأميركية صوابية فكرة ايزنهاور حول استثمار الإسلام المسلمين وخاصة المنظمين (جماعة الإخوان) في محاربة الشيوعية والسوفييت، والجماعة استثمرت هذه الرغبة الأميركية لتتقدم خطوات إضافية في طريقها نحو الخلافة الإسلامية.
في شهر آذار 1956 دخل  سعيد رمضان على البروفسور كيغل في جامعة كولونيا في المانيا، وطلب منه أن يقبله للحصول على الدكتوراه في القانون عليه يديه، وبعد خمسة  أشهر وافق كيغل على طلب رمضان، الذي بدأ العمل للحصول على دكتوراه في (القانون الإسلامي)… ومن ملاحظات كيغل  على رمضان، أنه لايعمل من منطلق ديني بل هو يسعى إلى أهداف سياسية، وظلت العلاقة بين رمضان وكيغل طيبة، وظل رمضان يراسل استاذه من بلاد متعددة من بيروت ودمشق والقدس وجنيف…الخ، وكان يذهب إلى مكة ليلتقي أعضاء الجماعة هناك تحت ستار الحج، وهذا ما كانت تشير له كثيراً المخابرات المصرية التي كانت تتعقب نشاطات الجماعة لأنها كانت تعتبرها خطراً محدقاً بالمصالح المصرية والعربية.
حصل رمضان على شهادة الدكتوراه في القانون بدرجة شرف وكان تعليق كيغل عليه أنه (مثقف ومتعصب)، وصارت أطروحة الدكتوراه لرمضان (القانون الإسلامي: هدفه وقيمته) كتاباً أساسياً لدى الإسلاميين عامة والإخوان خاصة وكان يباع في المساجد وترجم إلى عدد من اللغات.
سعيد رمضان دخل إلى كنيسة ميونيخ وفي اليوم التالي لعيد الميلاد من العام 1958، وكان المجتمعون حوالي 50 شخصاً بينهم نمنجاني وطبعاً لم يحضر هؤلاء للصلاة على المسيح بل للمشاركة في تنفيذ خطط فون مينده لتوحيد المسلمين عبر بناء جامع في ميونيخ وفي الدعوة لهذا الاجتماع كتبت العبارات التالية: (نهاية العالم يمكن أن تحدث في أي يوم وأية ساعة، ولا يمكننا بالتالي أن نعيش في هذا العالم مغمضي الأعين لقد نمنا فترة كافية ونرغب الآن أن نقوم قومة رجل واحد).
وكان إحساس جميع الحاضرين أن الجامع سيكون القاعدة لنهضة العمل الإسلامي في أوروبا، وسعيد رمضان كان يرى في الجامع محطة أساسية تضاف إلى عمله في تأسيس التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
قبل اجتماع الكنيسة عقد اجتماع مصغر للجنة الإدارة المدينة للاجئين المسلمين في ألمانيا تشكيل لجنة بناء الجامع، ودعي إلى حضور هذا الاجتماع سعيد رمضان، وحضر كضيف شرف، وقام بدعوته غالب همت وهو من تنظيم الإخوان المسلمين السوري، وباعتبار أن سعيد رمضان رجل مشهور بنظرهم لأنه رئيس المؤتمر  الإسلامي، فقد جرى الاتفاق على أن يكون عضواً للجنة بناء الجامع، ونقل عنه أحد الحاضرين (عبيد الله مجددي) أنه قال سيساهم جامع ميونيخ في مد نشاطه في أوروبا أكثر وأكثر. وليزيد من تأثيره قام رمضان بالتبرع المالي لبناء الجامع وقد جمع في الاجتماع مبلغ 1125 مارك، دفع منها /1000/ مارك سعيد رمضان، وكل الأحداث تدل على أن فون مينده أحس أنه بات أقوى وأنه يستطيع العودة للتأثير أكثر خاصة بوجود شخص كسعيد رمضان 36 عاماً، والذي يركب سيارة كاديلاك هدية من الحكومة السعودية.

زواج مصلحة:
في ولاية ايزنهاور الثانية شعرت الإدارة الأميركية بتزايد النفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط، فأعلن الرئيس الأميركي (مبدأ ايزنهاور) في العام 1956 والذي هدد فيه وتوعد عبره بتدخل الولايات المتحدة الأميركية عسكرياً لمواجهة النفوذ السوفييتي في المنطقة وخاصة في مصر.
وهذا ما رفع من اهتمام ايزنهاور الشخصي بالإسلام وتأثيره. فكلف المخابرات المركزية ووزارة الدفاع بالعمل على (دفع العرب للانغماس أكثر في دينهم من أجل تحريضهم على محاربة الشيوعية… وتصويرها على أنها “الحرب المقدسة”) وساعد ايزنهاور في توجهه هذا ماقام به الملك السعودي آنذاك الذي دعا جميع العرب لمحاربة الشيوعية.
وكإجراء عملي قام مجلس تنسيق العمليات. وهو الجهاز المتخصص بالعمليات السرية في المخابرات الأميركية قام بإنشاء (مجموعة عمل خاصة بالإسلام في العام 1957، وضمت مسؤولين من (وكالة الاستعلامات الأميركية) و(وزارة الخارجية) و(وكالة المخابرات المركزية) ومهمة هذه المجموعة دراسة كل ما تم إنجازه مع المسلمين وإعداد (توجهات خطة عمليات) لها مكونان:
المكون الأول: علينا اعتماد المسلمين المعتدلين مثل جماعة الإخوان المسلمين وتجنب المسلمين المتطرفين.
المكون الثاني: التغطية على الحلم الخيالي للمسلمين بإقامة دولة الخلافة، وأقرت هذه الخطة التي اعتبرت الإخوان المسلمين حليف يعتمد عليه في محاربة الشيوعية، كما اعتمدت الخطة على استخدام السرية المطلقة في هذه التحالفات لأنها أعطت نتائج ممتازة في السابق.
ونتيجة هذه الخطة عين عميل المخابرات الأميركية( دريهر) مساعداً خاصاً لرئيس امكوم لب لقيادة البروباغندا السرية ضد السوفييت عبر راديو الحرية وإذاعة أوروبا الحرة كما كلف دريهر بتنسيق عمل المهاجرين المسلمين، وطبعاً كان سعيد رمضان المحور الأساس لهذا العمل، من هنا بدأ التعاون بينه وبين دريهر.
ورغم الغموض الذي أحاط بشخصية رمضان، إلا أن المخابرات الألمانية ذكرت في تقارير منفصلة أن المخابرات الأميركية أمنت لسعيد رمضان جواز سفر أردني يسمح له بالهروب إلى أوروبا، وتقول الاستخبارات السويسرية أن سعيد رمضان كان عميلاً أميركياً وعائلته لم تعلق والوثائق الأميركية حوله ما زالت سرية حتى اليوم، ولكن يستطيع المرء  أن يعتبر ان التحالف والتعاون بين الإخوان المسلمين وبين المخابرات الأميركية بدأ حين أعلن سعيد رمضان في كنيسة ميونيخ مساهمته في بناء الجامع.
في العام 1958 عقد المؤتمر الثاني لدول عدم الانحياز في باندونغ، وكان مخيباً للإدارة الأميركية، التي درست أسباب خيبتها هذه، وتوصلت إلى نتائج تقول أن اصدقاءها القدامى كسعيد شامل وروسي نصر يقومون بما يستطيعون وربما  حفظوا ماء وجه أميركا، ولكن واشنطن اليوم تحتاج إلى اشخاص أكثر حضوراً ومتحدثين أكثر موثوقية ووجد (دريهر) أن سعيد رمضان يمكن أن يشكل تطويراً لشامل ونصر، لذلك فقد طلب (دريهر) من فون مينده توسيع (لجنة الإدارة المدنية) لتشمل  طلاب سعيد رمضان من الشباب المسلم وطلب من فون مينده تنظيم مؤتمر حول الإسلام يرأسه سعيد رمضان وبسبب نفوذ المخابرات الأميركية لم يكن أمام السلطات الالمانية إلا تسهيل عقد هذا المؤتمر، وهكذا صعد رمضان درجات عدة في ترسيخ حضوره الفاعل كممثل للقوة المسلمة (الإخوان المسلمين).
في هذه الأثناء وصل تأثير سعيد إلى ذروته، فهو يكسب الأصدقاء في أوروبا، وهو المعتمد من قبل الاستخبارات الأميركية. كما حوّل المؤتمر الإسلامي للقدس الى ساحة مباحة للإخوان المسلمين، وفي العام 1960 تحوّلت لجنة بناء جامع ميونيخ إلى لجنة رسمية بتسجيلها في المحكمة العليا كمنظمة رسمية لها مجلس إدارة منتخب ورئيس مجلس إدارة هو سعيد رمضان. الذي أعلن أنه ذاهب إلى السعودية للحج وللاتيان بتمويل لبناء الجامع (2.2 مليون دولار بدولارات 2009).
في العام 1960 اقترح رمضان على السلطات الألمانية إرسال وفد من المسلمين إلى الأمم المتحدة (يرأسه رمضان) ليطالب بالحريات الدينية، وليهاجم الاتحاد السوفييتي طبعاً، ولكن فون مينده لم يكن مرتاحاً تماماً لرمضان، ويبدو أنه لم يكن متأكداً من أن أوان التراجع قد فات لأن الاستخبارات الأميركية اعتمدت رمضان وأصبح رجلها القوي.
في هذه الأثناء بدأت مجموعة جديدة لمسلمين بالظهور وطبعاً على رأسها سعيد رمضان، وظهرت مجموعة أخرى حاولت اصطياد جامع ميونيخ أيضاً هي (جماعة الإسلام JAI) وهي جماعة خيرية  إسلامية مقرها واشنطن ويرأسها الكاتب الفوضوي أحمد كمال.

حكاية الروائي:
أحمد كمال مسلم أميركي وهو كاتب ومغامر وجاسوس، وصل إلى ميونيخ كرئيس للجماعة الاسلامية، للسيطرة على المسلمين وبالتالي على جامع ميونيخ، ولكن في حقيقة الأمر لم يكن إلا موفداً من قبل المخابرات الأميركية ليشكل بوليصة تأمين لسعيد رمضان، وليكون بديله في حال فشله.
أحمد كمال، كاتب خيالي، واخترع لنفسه تاريخاً خيالياً أرجع نفسه فيه إلى تركمنستان، وتخيل أنه شارك في حروب شعبه التركمانستاني، وأنه أُسر وعُذب، وخلط كمال بين المسلمين المهاجرين ضد الشيوعية والسوفييت عبر جمعية (الجماعة الإسلامية).
تقول المخابرات الألمانية أن كمال كان عميلاً للمخابرات الأميركية وأنه تواجد في باندونغ أيام مؤتمر عدم الانحياز وكان يراقب الجماعات الإسلامية لصالح المخابرات الأميركية وقد نجا من محاولتي اغتيال في جاكرتا، ثم هرب من أندونيسيا إلى اسبانيا وهناك جند العقيد (تهامي لواهلا) معه ليعمل في تشجيع الحركات الإسلامية في شمال افريقيا لتحقيق المصالح الأميركية تحت غطاء مساعدة ثوار الجزائر.
من المفارقات أن كمال رغم تزعمه الجماعة الاسلامية، فقد كان يحب الويسكي والنبيذ، وشاركه لواهلا في ذلك، واعتمد على أن الإسلام يحرم شرب الخمر عند الصلاة فقط حسب الآية (ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)….
في العام 1962 أعلنت الجماعة الإسلامية أنها ستغادر ألمانيا إلى صحارى إفريقيا وفي الحقيقة هي لم تذهب إلى افريقيا بل اختفت نهائياً، ويبدو أن دور أحمد كمال انتهى، ويبدو أن المخابرات الأميركية عندما تأكدت من قوة سعيد رمضان في ميونيخ لم تعد بحاجة لأحمد كمال.
مع اختفاء أحمد كمال والجماعة الإسلامية علم (فون مينده) أن الجنود القدامى ملّوا من سعيد رمضان ويريدون أن ينتخبوا بديلاً عنه (علي كنتامير) رئيساً للجامع، وكان الألمان فرحين وظنوا أنه يمكن إيقاف رمضان والتخلص منه.


عدل سابقا من قبل السهم الناري في الخميس فبراير 20, 2014 7:54 pm عدل 6 مرات
السهم الناري
السهم الناري
المراقب العام
المراقب العام

ذكر
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

جامع في ميونيخ .. دور المخابرات النازية والأميركية في نشوء ونشاط التنظيم الدولي للإخوان المسلمين 1-3 Empty رد: جامع في ميونيخ .. دور المخابرات النازية والأميركية في نشوء ونشاط التنظيم الدولي للإخوان المسلمين 1-3

مُساهمة من طرف السهم الناري الخميس فبراير 20, 2014 7:53 pm

ربح الجامع:
رغم جهود فون مينده المدعومة من الحكومة الألمانية، لم يكن هناك من يستطيع منافسة سعيد رمضان، خاصة وأن البديل المطروح له (علي كنتامير) كان شيخاً وكان أعمى تقريباً، وصحيح أنه يكتب مقالات لمجلة تنشرها (امكوم لب) إلا أن رمضان بالمقابل كان شاباً قوياً مفعماً بالحيوية ومثقفاً ويجيد اللغات، والقانون والحديث الروحي المؤثر وكان يلف العالم لبناء حركة إسلامية ناهضة وثورية، وهذا ما جعل رمضان يسود ويبقى المسيطر على الجامع وكانت محاولات التخلص منه تركزت في عدة اجتماعات كان قدامى المهاجرين يسألونه فيها عن التبرعات للجامع ومصدرها، ـ وعن مصدر تمويل سفرياته وسفريات مساعده غالب همت، وعندما اشتدت محاصرته لجأ رمضان إلى تقديم استقالته وخرج من الاجتماع، فأجرت اللجنة انتخاباً للرئيس فاز فيه (علي كنتاير) على رمضان بفارق صوتين، ولكن لم ينتبه (فون مينده) أن الانتخاب يستوجب حصول الفائز على الثلثين وهو الأمر الذي لم يحصل عليه كنتاير، مما أبقى على رمضان رئيساً للجنة الجامع وأبعد قدامى المهاجرين وتخلص رمضان من أعدائه بدلاً من أن يتخلصوا منه.
من نشاطات سعيد رمضان في هذه الفترة ما كتبه لأستاذه البروفسور كيغل حيث أخبره أنه حضر احتفالات جمهورية الصومال وأبلغه عن مدى سعادته لأن أحد أصدقائه كان رئيس الجمهورية بينما صديق آخر له كان زعيم المعارضة. (وهذا يكشف علاقة الاخوان بالحراك الإسلامي في الصومال والذي تطور إلى تنظيم القاعدة فيما بعد).
ونشط رمضان بعد تخلصه من أعدائه في لجنة الجامع وأصدر (مجلة الإسلام) في ألمانيا وسلمها لشاب ألماني ـ كما أسس منظمة للطلاب المسلمين في ألمانيا ـ وراح يشكل مثل هذه المنظمات جدياً على عادة تنظيم الاخوان المسلمين في التمكين.
ثم عاد إلى مكة ليطلق (رابطة العالم الإسلامي)، وهي بمثابة البديل عن تحقق الخلافة الإسلامية، حيث كان يعتقد رمضان انه إذا لم يكن بالإمكان توحيد المسلمين في دولة واحدة ـ فلماذا لا نجمعهم في منظمة واحدة وهذا ما كان وراء (رابطة العالم الإسلامي) ـ ومما يكشف أهمية وخطورة هذه الرابطة ـ أن الزعيم العراقي رد عليها بعقد اجتماع لـ(مؤتمر العالم الإسلامي) في بغداد بعد تسعة أيام من إطلاق الرابطة.
في هذه الأثناء أعلن عبد الناصر أن سعيد رمضان هو زعيم تنظيم الإخوان المسلمين ـ وتعتقد المخابرات السويسرية أن ستة أشخاص حضروا إلى سويسرا لاغتيال سعيد رمضان، وقد اعتقلت بعضهم ـ واتخذ رمضان احتياطاته وحمل مسدساً (ويبدو أن الأميركان عملوا على حمايته أيضا).
أميركا والمخابرات الأميركية كانت مرتاحة لنشاط رمضان ـ وكانت تعتبر أن تحالفها مع الإخوان يصب في مصلحتها ويحقق مصالحها السياسية لذلك كانت تمول تحركات سعيد رمضان وتفتح له الطريق في البلاد التي لها سيطرة سياسية عليها، حتى أنها ساعدته في كل شيء في ألمانيا ـ ورغم ذلك بقيت هناك أشياء أخفاها رمضان عن الأميركان جرياً على عادة الإخوان في عدم الإخلاص لأي جهة تتحالف معها. وظل جامع ميونيخ تحت سيطرة رمضان والاخوان مركزاً لتنظيمهم الدولي الذي بني من خلال خدمة أميركا ومصالحها.

فقدان السيطرة
ترك (دريهر) ألمانيا، ولم ترسل المخابرات الأميركية بديلاً واستمر نائبه (ويل كلمب) في العمل في ألمانيا ـ وراح سعيد رمضان يركز على عمله في التنظيم الدولي للإخوان ـ وغير اسم لجنة جامع ميونيخ إلى (المجموعة الإسلامية في جنوب ألمانيا) وحقيقة الأمر أن جامع ميونيخ لم يكن مجال عمله جنوب ألمانيا فقط ـ بل كان رأس حربة الإخوان المسلمين للامتداد في العالم كله والتوسع في جميع البلاد.
وبعد خروح دريهر ساءت الحالة الصحية لـ(فون مينده) وتوفي بعد أن خدم المخابرات الألمانية وزودهم بدراسات عن جميع المجموعات الإسلامية التي تواجدت في ألمانيا ـ وكان لفون مينده الفضل لدى المخابرات الغربية كلها النازية والأميركية في موضوع استخدام المسلمين ضد السوفييت.
بعد غياب (دريهر) و(فون منيده) لم تعد تهتم المخابرات الأميركية كثيراً بالمسلمين والإسلام، بل توجهت إلى فييتنام حيث صبٌت كل اهتمامها في الحرب هناك، واستمر هذا الوضع حتى الغزو السوفييتي لأفغانستان عندها طلب البنتاغون من مؤسسة (راند) دراسة أبحاث وخطط (فون مينده) لاستخدام المسلمين كسلاح ضد السوفييت، فقام باحث من (راند) يدعى (الكس الكسييف) بإنجاز دراسة عن أعمال وخطط ونظريات (فون مينده) ووزارة الأراضي المحتلة النازية التي كان يعمل بها وعبرها (فون مينده)، وأوصى (الكسييف) و(راند) في تقرير رفع إلى البنتاغون، أوصى باعتماد هذه التكتيكات، وهذا ما فتح النقاش في البنتاغون والمخابرات الأميركية لاستخدام المسلمين كسلاح في محاربة السوفييت الذين غزوا أفغانستان، وهكذا عادت أهمية سعيد رمضان للظهور لدى واشنطن، وعاد تنظيم الإخوان كقوة تستطيع واشنطن بالتعاون معها استثمار المسلمين في أفغانستان وكل ذلك أدى إلى ظهور المجاهدين الذين نظمهم ابن لادن وقادهم في القتال ضد القوات السوفييتية في أفغانستان ـ وهكذا عاد نموذج جامع ميونيخ ومجموعته وأساليبه إلى الظهور في الربط بين الاخوان المسلمين (التنظيم الدولي) وبين البنتاغون والمخابرات الأميركية.
وكان (بريجنسكي) مستشار الأمن القومي الأميركي معجباً بفكرة استخدام المسلمين ضد السوفييت في أفغانستان، ومعجباً بالتجربة التي أنتجت ونتجت عن جامع ميونيخ ـ ولكنه كان مع فريقه يرى أن هذه السياسة في استخدام المسلمين تحتاج إلى أمرين 1) ـ الأول المحافظة على أنها حركة جهاد إسلامي لاعلاقة للغرب أو أميركا فيها، تماماً كما جرى في سياسة وزارة الأراضي المحتلة النازية، ولكن وبدلاً من وزارة تابعة لأميركا لابد من جهة إسلامية تتولى الأمر، وهكذا دخلت السعودية دولة الإسلام لتتولى عمل وزارة الأراضي المحتلة النازية في تنظيم عمل المجاهدين في أفغانستان ـ وتولى ذلك الأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية الذي عين بن لادن لجمع التبرعات وإدارة المجاهدين.
2) ـ الأمر الثاني الذي جرى النقاش حوله هو ضرورة تعميق العامل الإيديولوجي الإسلامي المضاد للشيوعية، وهذا ما قام به أحد شيوخ الإخوان المسلمين السوريين الهارب إلى السعودية وهو الشيخ محمد سرور الذي اجتهد وأفتى بضرورة المزج والجمع بين الدعوة الوهابية وحركة الإخوان المسلمين بحيث يصبح سيف الملك عبدالعزيز في توحيد الجزيرة مع سيف الإمام محمد بن عبد الوهاب الايديولوجي – الظاهرين في شعار الإخوان المسلمين حول المصحف – وهذا كان مصدر فتوى استخدام السيف ضد أعداء الإسلام – وهي فتوى متجددة جمعت الوهابية بالإخوان وتوجهت إلى أفغانستان – وفي قتالها ضد السوفييت انصهرت وأنتجت تنظيم القاعدة..
واشنطن عادت إلى جامع ميونيخ وإلى التكتيكات النازية فقادها سعيد رمضان والتنظيم الدولي للاخوان إلى السعودية وإلى ايديولوجيا اخوانية وهابية قامت بخدمة البنتاغون والمخابرات الأميركية في الحرب ضد السوفييت مستخدمة الإسلام والمسلمين.
بعد هجمات 11 أيلول، تطور التعاون بين الإخوان المسلمين وبين الدوائر الأميركية ـ وعاد نموذج جامع ميونيخ ليحتل مكانة الجسر الواصل بين ممارسات الإخوان وأهداف الأميركان – طبعاً أميركا تستخدم الإخوان والإخوان كانوا يسعون بعملهم مع الأميركان للتمكين في ظلال القوة الأميركية.

الحروب الحديثة
في بداية السبعينات اكتمل بناء جامع ميونيخ، ولكن سعيد رمضان بدأ خلافاً صامتاً مع السعوديين، حيث أنه كان يريد إبقاء السيطرة في الإخوان للمصريين ـ وعندما أحسن بأن عليه أن يترك الجامع عمل على أن يخلفه (فيصل يزدني) الباكستاني الذي هيأه رمضان منذ وقت مبكر، وكان لدى رمضان فكرة الابتعاد عن الغرب في إدارة شؤون الإخوان لإقامة الخلافة الإسلامية وكان اعتماده إما على المصريين أو على غير العرب.
رمضان وصل إلى ذروة فعاليته في تأسيس (رابطة العالم الإسلامي) التي أرادها بروفة لدولة الخلافة، وطبعاً مولتها السعودية ومن الأموال السعودية أقام رمضان المراكز والمكاتب وتحرك في جميع أنحاء العالم ولكنه لم يقبل ولو ضمناً أن يصبح الإسلام سعودياً. ووقع إحدى رسائله باسم (اسلامستان) أي بلاد الإسلام تمسكاً برفضه لاقلمية الجغرافية السعودية وأموالها وتحكمها.. وهكذا فقد تضاءل الدعم السعودي له ـ ورغم أنه كان يحمل جواز سفر دبلوماسياً ولقب سفير فوق العادة ـ إلا أنه صار يتحرك فيما بعد بجواز سفر باكستاني ـ (وعلينا أن ننتبه إلى باكستان في فكر وحركة وتطور الإخوان).
في هذه الأثناء تميز (غالب همت) صديق وشريك رمضان ـ تميز عنه وشكل بروتوس هذه الدراما ـ ويبدو أن الفرع السوري للإخوان قد بدأ بالبروز والتأثير ـ وهمت السوري. كان ومنذ العام 1961 يحاول أن يجلب ويجذب الزعيم الإخواني السوري عصام العطار إلى لجنة جامع ميونيخ ولكن العطار رفض ـ وأقام العطار في (آخن) وأسس منها مركزاً إسلامياً ـ (طبعاً همت تزوج من ابنة عصام العطار كما أن رمضان متزوج من ابنة البنا.. وهذه الصلات كثيرة وأساسية لدى الإخوان).
(همت) تسلم في السبعينات إدارة جامع ميونيخ، وهذا يعني عودة الإخوان السعوديين إلى تسلم زمام الأمور، وكان همت على علاقة بالليبيين وبالملك الليبي عن طريق الإخوان ـ وهكذا قام الملك الليبي بتمويل الجامع ولكن انقلاب القذافي أوقف التمويل قبل انتهاء الجامع، وبعد تدخل من قبل بعض الاخوان قبلَ القذافي إكمال بناء الجامع لتلميع صورته.
ولأن الإخوان و(همت) ممثلهم أرادوا من الجامع أن يكون المؤسسة لسياسة (التنظيم الدولي) لهم ـ فلم يسمحوا للأتراك بالاشتراك في الجامع وبعد مناشدات كثيرة اتخذ القرار بالسماح للأتراك بالصلاة في الجامع ولكن لم يسمح لهم بالمشاركة في إدارة الجامع كي تبقى هذه الإدارة محصورة وبشكل ضيق بيد الإخوان.
استغل (همت) جامع ميونيخ في الخمس وعشرين سنة التالية، واستفاد من الإدارة الضيقة والمحصورة بالاخوان وقاد المركز الإسلامي في ميونيخ في مسار مغامر. حيث نهض به ليصبح منظمة عابرة للقوميات ويرسل مبعوثين عبر الأطلسـي، ويضع حجر الأساس لمنظمات أوروبية ودينيـة مازالت ناشطـــة حتى الآن ـ واستطاع همت أن يضمن لنسخة الإخوان من الإسلام أن تكون هي السائدة وهي الأكثر تأثيراً في الغرب.. وفي زمن غالب همته وبسبب نشاطه سوف يقصف الجامع ويحرق، وسوف يصبح المركز الرئيسي للجهاد، ينظم ويطوع مسلمين شبان للقتال في البوسنة وفي غيرها، كما أن الرجال الذين أدينوا بالإرهاب لاحقاً وجدوا في جامع ميونيخ المكان المختار لهم.. ولكل ذلك سيرغم (همت) في يوم ما على الاستقالة من رئاسة جامع ميونيخ حين اتهم بتمويل تنظيم القاعدة..
وكالعادة فإن همت لم يترك الجامع إلا لشريكه يوسف ندا، وهو مصري الجنسية ـ وعضو قديم في الإخوان ـ انتسب للتنظيم في العام 1948 ـ وهو كحسن البنا من أبناء الاسكندرية ـ اعتقل في العام 1954 مع موجة الاعتقالات التي طالت الاخوان ـ والتقى في السجن بقيادات الإخوان وبدأ معهم علاقات استمرت طوال حياته.
ركز يوسف ندا في البداية على العمل في مزرعة أبقار كانت تملكها عائلته ثم سافر إلى النمسا لأن الحياة في ظل عبد الناصر لا تطاق كما قال ـ وحاول في النمسا دراسة صناعة الأجبان ـ وأسس مكتباً لتصدير الجبنة إلى مصر، وفي النمسا تواصل بسرعة مع الإخوان وقيادات الجماعة وفي العام 1960 سافر إلى الميونيخ ليشارك الإخوان احتفالات جامع ميونيخ بعيد الفطر ومن هذا التاريخ بدأت علاقته مع غالب همت.
كان ندا يتردد على ميونيخ، ولكنه أصبح أقل تردداً بسبب إقامته علاقات قوية مع العائلة الملكية في ليبيا، ومن هناك ساعد جماعة ميونيخ بتأمين التمويل للجامع من الملك الليبي، ويروي ندا أنه أشار على الليبيين أن يوزعوا على الطلاب سندويش بالجبنة بدل سندويش التونا كي لايلوثوا كتبهم بالزيت الذي يتسرب من التونا، ويقال أنه بعد هذه النصيحة طلب منه الملك الليبي أن يكون مستشاره في شؤون الزراعة.. وعبر هذه العلاقة مع البلاط الليبي بدأ ندا باستيراد مواد البناء من النمسا إلى ليبيا واحتكر الكثير من التجارات والأعمال وجمع ثروة هائلة. طبعاً انتهى على ذلك مع مجيء القذافي حيث هرب ندا من ليبيا على جمل، أولاً إلى تونس ثم إلى اليونان ومنها إلى ألمانيا ـ ويروى أنه حزن على دمار مصالحه فأصيب بانهيار عصبي دخل على اثره إلى مصح في مدينة (فيسبادن) الألمانية وبسبب عناية همت به هناك توطدت صداقتهما وأصبحا لا يفترقان، وانضم ندا إلى إدارة جامع ميونيخ ـ.
ندا عمق توجه جامع ميونيخ نحو شبكة الإخوان المسلمين السعودية ـ ولعب ندا دور وزير خارجية الإخوان ـ وساعد المجاهدين في أفغانستان وساهم في تنسيق عملهم وكل أعماله في العالم كانت تتم انطلاقاً من جامع ميونيخ.
يوسف ندا ـ لم يكن وزير خارجية الإخوان فقط، ولم يساهم في إدارة التنظيم العالمي للإخوان فحسب، بل يقال انه العقل المدبر والمدير المتحكم باستثمارات الاخوان في العالم ـ وهكذا يصبح في نفس الوقت وزير الخارجية وخازن بيت المال. اي المتحكم بعصب السياسة الدولية وعصب الاقتصاد والمال، واتهم كذلك بتمويل الإرهاب..

ما بعد ميونيخ (إحياء وإعادة تنظيم جماعة الإخوان المسلمين)
جماعة الإخوان المسلمين رغم منعها منذ العام 1954، ودخول قياداتها السجن ظلت صامدة ومستمرة، وفي مراحل مختلفة من حكم مصر تناوبت الأيام والأموال على الجماعة، مرات تغض السلطات الطرف عن نشاطات الجماعة ومرات تتساهل معها ومرات أخرى تتشدد بملاحقتها ولكنها في كل الأحوال ظلت الجماعة مستمرة بسبب طبيعة تنظيمها ومبادئها وبسبب امتداداتها التنظيمية في الخارج ـ ومن أدلة استمرارها أنها حصلت في حكم حسني مبارك على 20% من مقاعد مجلس الشعب رغم أنها جماعة محظورة..
شكّلت عملية إحياء التنظيم لجماعة الإخوان التي تمت في أواسط السبعينيات (رفعة؟) نهضت بالجماعة وفعلها وامتداداتها. وخلقت لها مساراً أكثر قوة ونفوذاً وتأثيراً ـ فما قصة عملية إحياء وإعادة تنظيم الجماعة؟؟
إن إعادة إحياء التنظيم قام بها التيار السعودي من رجال جامع ميونيخ، وهم غالب همت، يوسف ندا، إضافة إلى مهدي عاكف (مرشد الإخوان) والزعيم الروحي للإخوان يوسف القرضاوي، الذي قاد العملية كلها وتابعها بكل تفاصيلها. وجوهر عملية الإحياء أنه لابد من اعتماد سياسة أكثر مرونة ودهاء مما كان يتبعه سعيد رمضان، وهذا يعني ضرورة اللجوء إلى سياسة (التمكين) القائمة على التدرج بتحقيق الأهداف مع االسرية بالعمل، مع البراغماتية في التعاطي مع القوى، مع التقرب من مراكز القوة في السلطة، وسياسة (التمكين) هذه هي نفس سياسة التمكين التي اعتمدها النازيون في السيطرة على ألمانيا ـ وحسب الكاتب محمد حسنين هيكل فإن الإخوان تماثلوا وربما تمثلوا بالنازيين في هذه النقطة ـ (ومن غير المعروف إذا كانت هذه السياسة من الأفكار التي اعتمدتها دراسات المخابرات الألمانية النازية أم أن تمثلها بفعل الخبرة من التعامل مع هذه المخابرات).
وكتمهيد لإطلاق عملية إعادة إحياء تنظيم الإخوان، وقبيل افتتاح جامع ميونيخ (أي في بداية السبعينات) عقد في لندن اجتماع بهدف تأسيس شبكة من المجموعات الإسلامية والمنظمات التي تعمل في الإطار الإخواني، وكان غالب همت حاضراً، وانتخب عضواً في مجلس إدارة هذه الشبكة، وقد أقيم هذا الاجتماع بتمويل سعودي وبتحريض سعودي ـ وترأسه أحد السعوديين ـ وحضره (خورشيد أحمد) ممثلاً عن (الجماعة الإسلامية) وهي النسخة الباكستانية للإخوان المسلمين.
وفي إطار هذا البحث عن إحياء التنظيم، كان عاكف يسعى لأن يكون التنظيم الجديد شبكة منتظمة وتمتلك القدرة على الاستمرار في ظل جميع الظروف ولا يستطيع أي حاكم اختراقها، وكان همت وندا والقرضاوي على توافق تام حول هذه الفكرة ـ وهذا ما جعل الكاتب (جيل كيبل) أن يسمهم (الجماعة الجديدة) ـ أي التنظيم الجديد لجماعة الإخوان المسلمين.
ثم عقدت (الجماعة الجديدة) اجتماعاً في المنتجع السويسري القريب من بحيرة لوغانو قرب منزلي همت وندا وكان هدف الاجتماع وضع الأسس لبناء التنظيم الجديد للجماعة، والاتفاق على خطط عمل الجماعة في العالم، وبذلك يمكن اعتبار هذا الاجتماع الانطلاقة الجديدة للتنظيم الدولي للإخوان بقيادة القرضاوي وندا همت، ومن أهم البنى التي أنشئت في هذا الاجتماع (المعهد العالمي للفكر الإسلامي) ـ وهذا الاسم الذي يوحي بالاهتمام بالجانب النظري، هو الغطاء القانوني لعمل الجماعة من حيث نشر أفكارها وتعميم خططها وتقوية تنظيمها وهو ما يتيح للجماعة إقامة مؤتمراتها واجتماعاتها وكافة نشاطاتها. أي أنه كان الاسم الشيفري لتنظيم الإخوان الدولي ـ أو بمعنى أدق كان الاسم الحركي لقيادة التنظيم الدولي.
بعد اجتماع سويسرا بحوالي العام، اجتمعت هذه المجموعة (الجماعة الجديدة) في السعودية وقررت أن يكون مقر المعهد العالمي للفكر الإسلامي (قيادة التنظيم الدولي) في الولايات المتحدة ـ وكان من الشخصيات البارزة التي حضرت اجتماع سويسرا. والآن اجتماع السعودية المفكر الإسلامي (اسماعيل فاروقي) وأعطيت له تعليمات بافتتاح مقر المركز في ولاية بنسلفانيا بالقرب من جامعة تيمبل حيث كان يدرس.
حضر اجتماع سويسرا عضوان آخران من جماعة يوسف ندا هما جمال برزنجي وأحمد توتنجي ـ وكلاهما عملا مع ندا في إطار الجماعة وفي شركاته وضم ندا لهما شخصاً ثالثاً كان قد دربه ودعمه في جامع ميونيخ هو هشام الطالب.. والثلاثة برزنجي وتوتنجي والطالب جاؤوا من العراق ودرسوا في بريطانيا وذهبوا بعد تخرجهم إلى الولايات المتحدة في مطلع الستينيات وتوتنجي أسس منذ 1962 (رابطة الطلاب المسلمين في أميركا) وكانت وكانت أول تنظيم للإخوان المسلمين في أميركا ـ لذلك فإن حضور الثلاثة (توتنجي ـ برزنجي ـ الطالب) في سويسرا كان إشارة إلى أن الجماعة الجديدة وبموازاة ما حققته في أوروبا تكسب موطئ قدم جديد لها في الولايات المتحدة ـ أي أن التنظيم الدولي بات فاعلاً في أوربا كما في أميركا ـ
وهؤلاء الثلاثة – قاموا في أميركا بما قام به همت وندا في أوربا. حيث شكلوا منظمات عديدة ما هي إلا أوجه متنوعة لتنظيم الإخوان ومن هذه المنظمات – (الصندوق الإسلامي لشمال أميركا) و (رابطة الطلاب المسلمين) و (المجموعة الإسلامية في شمال أميركا) – كما قاموا مع يوسف ندا في تنظيم تمويل مقرات (انديانا بوليس) الرئيسية والذي سيقام فيه جامع وقاعات تدريس وأماكن إقامة لطلاب العلم وصالة ألعاب رياضية ومكتبة تحوي 80 ألف كتاب. وكل ذلك تم بأموال سعودية وبعقيدة إخوانية.
في أوربا استمر غالب همت يقود نشاط جماعة جامع ميونيخ من غرفة مكتبه في بيته المطل على بحيرة لوغانو بسويسرا – وعلى أحد جدران مكتبة عُلقت خريطة العالم الإسلامية والتي رأيتها في مكتبة لندن، ومع الوقت انتقلت قيادة الإخوان في أوربا إلى لندن – إلى مقر الفيدرالية الإسلامية التي يديرها أحمد الراوي. وعلى أحد جدران مكتبه علقت خريطة العالم الإسلامي ذاتها (وهي معلقة على جدار مكتب مهدي عاكف مرشد الإخوان في القاهرة).
أحمد الراوي ولد في العراق في بلدة على نفس الاسم وتسود فيها أيديولوجيا الإخوان المسلمين لدرجة أن الراوي يقول أنه نشأ وهو إخواني. وعندما استلم العسكر الحكم في العراق هرب الراوي إلى أوربا ودرس الهندسة في بريطانيا – ويسمونه (مهندس الإسلام) لأنه كبقية قادة الإخوان المسلمين. لا يتمتع بثقافة دينية عميقة. بل هو رجل تنظيم سياسي ويعمل لتحقيق أهداف التنظيم السياسية ولا يعمل للدعوة.
(الفيدرالية الإسلامية) تشكلت لتضم منظمات الإخوان المسلمين في كل من (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، أسبانيا، يوغسلافيا، النمسا، اليونان، هولندا، رومانيا، سويسرا) وأصبحت الفيدرالية الإسلامية المظلة لحوالي عشرين منظمة ذات روابط ثقافية وتنظيمية بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وبعبارة أخرى أصبحت الفيدرالية الإسلامية فرع أوربا من قيادة التنظيم الدولي للإخوان.
تلا تأسيس الفيدرالية بناء سريع للتنظيم الجديد، فأحدثت الفيدرالية (معهد دراسات العلوم الإنسانية) الذي تم تصميمه لتدريب اللائحة والنخب الإسلامية وفي العام 1997 أحدثت (المجلس الأوربي للفتوى والأبحاث) كما انشأ (الصندوق الأوربي) لتأمين الأموال اللازمة لتغطية نشاطات الجماعة، إلى جانب دور (الفيدرالية كشركة قابضة) تعمل على إدارة مشاريع الجماعة وكان الممول الرئيسي للفيدرالية (مؤسسة مكتوم الخيرية) وهي مجموعة مقرها قطر ولها علاقة وثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين. وقامت الفيدرالية بالحوار مع الفاتيكان والاتحاد الأوربي وهذا ما جعلها منظمة تدير وتقود التنظيم الدولي للإخوان وتقوم بتمثيله دبلوماسياً وتستثمر وتجمع وتحصل على التمويل من الدول والجهات الراعية والمرتبطة بها كقطر والسعودية، وأجهزة أخرى، وهذه نقله في التنظيم الجديد تعطي لجماعة الإخوان الجديدة إمكانية التحرك والاستمرار.
هذه الفورة في التنظيم لم يكن هدفها الدعوة. ولكن كان هدفها تجنيد المسلمين وفق رؤية تعتمد على تفسير القرآن يجعل من الدنيا قضايا فهماً يتيح للتنظيم حشد أتباعه على أنهم المسلمون الأخيار المنتجبين والمكلفين بإقامة الخلافة وحكم الله، وتصبح كل من هو من غير الأخبار المتبعين لرؤية الجماعة. أناس خارجون على شرع الله وكفرة وتضمن هذه الفئة كل العالم غير المسلم وتضم المسلمين الذين لايتبعون فكر الجماعة ورؤيتهم لتفسير القرآن (وخريطة العالم الإسلامي العالقة في مكتبة لندن). والمعلقة على جدران مكاتب مهدي عاكف وغالب همت ويوسف ندا وأحمد الراوي. كانت ملونة بشكل تقسم العالم إلى قسمين الأخيار وغير الأخيار. وهذا بالضبط فهم سيد قطب الذي قسم العالم إلى قسمين مسلم وجاهلي وأوجب قتال الجاهلي وأخذ عنه ابن لادن هذه الفكرة التي عملت ومازالت يعمل وفقها تنظيم القاعدة حتى الآن)
وباختصار فإن (الفيدرالية الإسلامية) في أوربا و(المعهد العالمي للفكر) ومايرتبط بهما في كلتا القارتين أصبحا قيادة التنظيم الدولي للجماعة الجديدة (جماعة الإخوان المسلمين) وانطلاقاً من هذه القيادة الدولية. عملت الجماعة على تحريك اتباعها وفروعها في الدول الإسلامية، وخاصة في مصر – وسوريا – وباكستان…. ودخل عمل جماعة الإخوان في فعالية ونشاط عبر التنظيم الدولي الجديد… 
تحديد الجدل (11 أيلول والإخوان المسلمون)
اتسع وجود الإسلام والمسلمين في أوربا، خاصة وأن ألمانيا كانت تحتاج للعمال وبداية استوردت (العمال الضيوف) من اسبانيا واليونان، ولكن الكمية الكبيرة من هؤلاء العمال جاؤوا من تركيا – ولأن ألمانيا كانت تشترط العمل المؤقت لهؤلاء العمال فلم تحصل على عمال مهرة، وبعد فترة وجدت أنه لا مناص من السماح للعمال بالبقاء في ألمانيا كي تحصل على عمال مهرة – وهذا ما زاد من عدد المسلمين في ألمانيا خاصة وفي أوربا عامة – كانت أوربا تسمح للمسلمين بإنشاء غرف للصلاة في أماكن العمل وفي الأحياء ولكنها ظلت (مساجد غير مرئية) – وظل المسلمون غرباء بنظر المجتمع الأوربي خاصة وأنهم كانوا يعلنون عداءهم لليهود وللديمقراطية والعلمانية ونظرتهم للمرأة لا يستسيغها الغرب عموماً – كما تأييد شيوخهم وخاصة القرضاوي للعنف الذي شرعه في قتال أعداء الله بدءاً من التفجيرات الانتحارية وامتداداً إلى محاربة أعداء شرع الله – ورغم هذه الحالة من رفض المجتمع الغربي للمسلمين فيه إلا أن الإخوان المسلمين وقيادة التنظيم الدولي لهم ظلت تعمل بهدوء وتمارس نشاطها دون إزعاج من أحد حتى وقعت الكارثة في 11 أيلول فأصبحت الجماعة والإخوان المسلمين في مركز الاهتمام، وجعلت أجهزة المخابرات تعود إلى دفاترها القديمة.
المخابرات الألمانية في الخمسينيات وضعت جامع ميونيخ تحت المراقبة وكان (فون مينده) ومجموعته عيون الاستخبارات الألمانية على الجامع، ولكن الرقابة الألمانية على الجامع توقفت على موت (فون مينده) وإبعاد معظم اتباعه من إدارة الجامع، ولكن بقي شخص واحد خارج دائرة الضوء وكان على صلة قوية بجامع ميونيخ هو (احمد فون دنفر).
وكان دنفر هو ناشر (مجلة الإسلام) التي يصدرها جامع ميونيخ، وظل دنفر ينشر المجلة حتى جرى تعليقها في العام 2003، وتحولت إلى موقع الكتروني. وكان دنفر على علاقة قوية مع خورشيد أحمد مندوب الجماعة الإسلامية (النسخة الباكستانية للإخوان المسلمين) – وسافر دنفر إلى بريطانيا ودرس في المؤسسة الإسلامية التابعة للإخوان ونشر عدداً من الكتيبات التي تعكس رؤيته الإخوانية القائلة بأن (الإسلام هو الحل).
ساهم دنفر في الثمانينات بتأسيس جمعية خيرية قامت بإرسال الأموال إلى أفغانستان لدعم المجاهدين في (الحرب المقدسة) كل ذلك جعل المخابرات الألمانية الداخلية تستشعر أهمية جامع ميونيخ، لدرجة أن أحد خبراء الشؤون الإسلامية قال في العالم 1990 أن جامع ميونيخ كان الموقع الذي تصنع فيه السياسة لكل العالم الإسلامي، طبعاً (مجلة الإسلام) ودنفر أنكروا هذا الطرح. ولكن الدلائل لم تنف هذا الرأي كلياً.
وشهد جامع ميونيخ صلات قوية بالإرهاب، فقد كان (حمود ابو حليمة) يتردد على الجامع في الثمانينات من القرن الماضي. ليتزود بالإرشاد الروحي الديني على يد إمام الجامع آنذاك أحمد الخليفة – ثم سافر أبو حليمة إلى أميركا حيث سجن وأدين لمساعدته في محاولة تفجير مركز التجارة العالمي في العام 1993 – كذلك هناك صلة أخرى للجامع بالإرهاب، حيث كان يتردد على الجامع ممدوح محمود سالم الذي كان المسؤول المالي لتنظيم القاعدة والمعلم الشخصي لابن لادن واعتقل سالم قرب الجامع وأبعد إلى أميركا حيث حكم عليه بالسجن 32 عاماً.
ورغم أن إمام جامع ميونيخ أنكر معرفته بحقيقة ممدوح لمحمود سالم، إلا أن المخابرات الألمانية قامت بالبحث والتحري حول كل شخص له علاقة بسالم، ونتيجة ذلك ظهر لديها شخص اسمه مأمون دركزنلي. وهو رجل أعمال سوري يعيش في هامبورغ ويتردد على جامع صغير فيها اسمه جامع (القدس) – قامت المخابرات الأميركية بمتابعة دركزنلي وزرعت في بيته أجهزة تنصت، كما راقبت علاقاته في جامع القدس بما فيها علاقته بمحمد عطا، ولكنها لم تكن متأكدة مما حصلت عليه فأوقفت مراقبتها له ولمن حوله، وبعد سنتين طار محمد عطا بالطائرة الأولى التي فجرت برج التجارة العالمي في 11 أيلول، وتبين أن جامع القدس كان المكان الذي نشأت فيه مجموعة (11)أيلول، ورغم كل ذلك لم تجر محاكمة دركزنلي حتى اليوم – (وتتهم سوزان لينداور التي كانت تعمل مع المخابرات الأميركية تتهم محمد عطا بأنه كان عميلاً للمخابرات الأميركية).
وهكذا فإن مجموعة (11) أيلول تكونت في ألمانيا، ومع شخصيات على علاقة بشكل ما بجامع ميونيخ، وهذا ما يربط المجموعة بشكل ما بالتنظيم الدولي للإخوان، خاصة وأن الأيديولوجيا التي حركت الشباب لتنفيذ هجمات 11 أيلول هي مستقاة من نبع الإخوان المسلمين. وكان أيمن الظواهري قد اعترف أنه كان في تنظيم الإخوان وأن فكرة الجهادي تعود جذوره إلى فكر الإخوان وخاصة سيد قطب.
صدمت الحكومة الأميركية بهجمات 11 أيلول، واتجهت بقوة ضد الإخوان المسلمين، وأثار انتباه المفتشين والمحققين بشكل خاص إحدى مؤسسات يوسف ندا (مصرف التقوى) وكان غالب همت عضو مجلس إدارة فيه وكان مسلمو أوربا مساهمين فيه كما كان يوسف القرضاوي أحد أكبر المساهمين، وقال المحققون الأميركيون أن المصرف استخدم كقناة لأموال الإرهاب وأعلنت واشنطن يوسف ندا وغالب همت ممولين للإرهاب ودعم قرارها الأمم المتحدة وجمدت حساباتهما كلها، وبهذا السبب ترك غالب موقعه في التجمع الإسلامي في ألمانيا.
بعد ذلك حصلت تفجيرات لندن ومدريد ونفذها إسلاميون من شباب الجيل الثاني أو الثالث للمهاجرين. وكانوا متأثرين بفكر الإخوان المسلمين مما زاد روابط التنظيم الدولي للإخوان بالإرهاب، وكشفت حقيقتهم ومزقت قيادة جامع ميونيخ واتهم أبطالها بالإرهاب – وبدا أن التنظيم الدولي للإخوان خاصة الفرع الأوربي قد انهار.. وأعلنت الحرب على الإرهاب. ويتضمن ذلك الحرب على الإخوان لكن حدث أمر ما شبيه بما حدث في الخمسينيات.
استعادة خمسسينيات القرن العشرين (الاخوان وأميركا بعد 11 أيلول):
هجمات (11) أيلول صدمت أميركا وجعلتها تحس بخطر الإرهاب يصل إلى عقر دارها، وهذا الإرهاب إسلامي ديني، أي أنه شكل من (العامل الديني) الذي رسخته إدارة آيزنهاور في الخمسينيات، كأداة من أدوات تحقيق المصالح الأميركية خاصة ضد الشيوعية….
ولجنة التحقيق في أحداث (11) أيلول اعتبرت أن الأيديولوجيا التي تعتمدها جماعة الإخوان المسلمين هي الأساس العقائدي الذي ولد الإرهاب ودفع هؤلاء المتطرفين للقيام بهجماتهم في 11 أيلول.
لما أثبتت التحقيقات ضلوع شخصيات ورموز مهمة من جماعة الإخوان في العمل مع الإرهابيين وتهيئتهم وتمويلهم بشكل من الأشكال. وهذا ما جعل الجماعة، ورموزها متهمة بشكل واضح لما حدث مع يوسف ندا وغالب همت ودركزنلي و…….الخ.
فما الذي حدث، وكيف عادت أميركا لاستحضار سياستها في التعاون مع الإخوان المسلمين كما كانت تفعل في الخمسينيات؟؟ وللإجابة على هذه الأسئلة فإن البحث الأميركي عاد لدراسة كيف جاء المتطرفون؟؟ ومن أين جاؤوا ؟؟ وماذا يعني ما فعلوه؟؟ وهل يمكن للإدارة الأميركية أن تعود للاستفادة من العامل الديني كما فعلت في الخمسينيات؟؟ هذا ما سيدرس في السطور اللاحقة؟؟
بداية راح يوسف ندا يعلن أنه ليس إرهابياً، بل هو ناشط إسلامي ومستثمر اقتصادي – وعمله في مصرف التقوى له علاقة بالاستثمار الإسلامي خاصة في ماليزيا، وطبعاً كان مصرف التقوى الذي يملكه ويديره ندا قد اتهم بتمويل الإرهاب، وكان غالب همت عضو مجلس إدارة المصرف ويملك اسهماً فيه، كذلك يوسف القرضاوي وكان المساهمون في البنك قد فوضوا يوسف ندا بالتصرف بنسبة 10% من أرباح الزكاة لأموالهم. واتهم بأنه كان يمول الإرهاب بهذه الزكاة (وبشيء من الغموض يوحي بتدخلات ما) لم يحال ندا دعمت إلى المحاكمة، ولم يستطع المحققون إدانته بل صدقوا أن البنك تعرض لكارثة نتيجة الأزمة الاقتصادية التي أصابت ماليزيا التي يستثمر فيها.
وبدلاً من إدانة ندا وهمت، تحول اتهامهما إلى فرصة لهما (وللإخوان) كي يظهر كضحية وكي يعملا إعلامياً وسياسياً على كسب الرأي العام (وقامت قناة الجزيرة “أحد أذرع الإخوان الإعلامية والسياسية” ببث مقابلات طويلة ومتعددة الحلقات مع ندا وهمت. اظهرتهما كرجال مسلمين (اخوان) نجحوا في الغرب وأسسوا أعمالاً استثمارية وحققوا نجاحات ثقافية واجتماعية ودينية وتعرضوا لاضطهاد الغرب واتهاماته)، وكي يثبت الغرب ديمقراطيته فقد تشدد في حق من يثبت انتماءه للإرهاب. أما من لا يثبت انتماءه للإرهاب يتحول إلى شريك في الحوار (ويعود ليمثل العامل الديني في تحقيق المصالح الأميركية وهذا ما كان الأساس في عودة الخمسينيات أي عودة الإخوان للتحالف مع أميركا، كما سيتبين من تطور الأمور في السطور التالية).
إذاً بدأ من أوربا ومن فرنسا بالتحديد. فإننا نجد أن هرفيه تيربل أحد المسؤولين الكبار في الداخلية الفرنسية. توصل مع مجموعة من زملائه في الداخلية الفرنسية الى استراتيجية تقوم على امتصاص الإخوان المسلمين، وسمح بإقامة المساجد على أن تنتخب إدارتها انتخاباً، وهذا ما جعل الدور الأساسي في هذه الانتخابات لاتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية، وهو اتحاد تسيطر عليه جماعة الإخوان المسلمين ويمول من السعودية والإمارات والكويت.
وعالمة الاجتماع الفرنسية دينا بوزار التي كانت ترى مع الداخلية الفرنسية أن امتصاص جماعة الإخوان المسلمين ربما يجعل منها وسيطاً ذو قيمة عالية لدمج المسلمين بالمجتمع الفرنسي… إلا أن بوزار وبعد مراقبتها الأحداث والمجريات وجدت أن التساهل يساعد جماعة الإخوان المسلمين في تعميق استراتيجيتهم (الإسلام هو الحل) والتي تقسم المجتمع إلى مؤمنين وإلى كفرة – والمؤمنون مكلفون بإقناع الكفرة وجذبهم للإيمان أو قتلهم. ولكن نتائج بوزار لم تؤثر في توجه الداخلية الفرنسية التي استمرت في التساهل مع جماعة الإخوان (الأسباب غامضة وربما سرية تتعلق بأمور استخباراتية لم تكشف بعد..) وأميركا أيضاً بدأت برسم سياستها مع جماعة الاخوان (والتي أدت إلى استعادة الخمسينيات من القرن الماضي) وانطلق الأميركان من فكرة مخادعة تقول: ان أميركا لم تنتج العنف بل هي كانت ضحية استهداف الإرهابيين لها بالعنف. ومن ضمن هذه الفكرة المخادعة ما مفاده إن الإرهابيين جاؤوا إلى أميركا من أوربا ولم تنتهجهم اميركا، وتفسير كل ذلك بنظر الأميركان. إن المهاجرين الذي اتوا إلى اوربا كانوا من العمال غير المهرة والصالحين للإنجذاب للإرهاب كما أن تعويضات البطالة في أوربا مجزية بشكل يتيح للعاطلين.
الوقت للانخراط بالتطرف. بينما المهاجرين الذين جاؤوا إلى أميركا كلهم كانوا مهرة في اختصاصهم أن جاؤوا للعمل. أو أنهم أتوا من أجل الدراسة العليا والاختصاصية. كما أن مزايا البطالة في أميركا ضئيلة ومن يريد الاستمرار عليه أن يعمل لوقت طويل الأمد الذي لايتيح للمهاجرين إلى أميركا أي وقت للتفكير بالانخراط بالتطرف ورأى الاميركيون أن المهاجرين الإسلاميين إلى أوربا كلهم أما عرب أو باكستانيين بينما المهاجرون إلى أميركا طيف بلادهم أوسع وأشمل. وهذا ما جعل الخارجية الأميركية تعتبر أن (لديها قيادة إسلامية أفضل) وأن هذه القيادة يمكن تطويرها لتكون هي العامل الديني الذي يخدم المصالح الأميركية.
(في العالم 2002 وصل إلى الحكم في تركيا حزب العدالة والتنمية بقيادة اردوغان. وهو نسخة من الإخوان المسلمين التي تطورت عن حزب اربكان لتتسلم الحكم. ويبدو أن التطور الذي حصل عن اربكان كان بطبيعة الاتفاق مع الغرب عموماً ومع اميركا خصوصاً لتكون تركيا بقيادة العدالة والتنمية الإخوان سلاح العامل الديني في تحقيق المصالح الأميركية في المنطقة – خاصة وأن هناك في المخابرات الأميركية من توصل إلى أنه لايمكن مواجهة التطرف الإسلامي إلا بالإسلام. وهذا الإسلام هو إسلام التنمية والعدالة الإخواني – الذي باستلامه الحكم في تركيا أصبح إسلاماً إخوانياً بالعقيدة. وأطلسياً بالاستراتيجيا).
وفي إطار حشد العامل الديني في الاستراتيجي الأميركية، نظمت الخارجية الأميركية في العام 2005 مؤتمراً لحوار بين مسلمي بلجيكا واميركا – حضره كل جماعة الإخوان المسلمين سواء من جماعة جامع ميونيخ أو الفيدرالية الإسلامية في لندن أو المعهد العالمي الإسلامي في أميركا – وبحثوا في المؤتمر طرق مواجهة التطرف. وقال سفير اميركا في بلجيكا يومها أن تنظيم أربع أو خمس مؤتمرات مماثلة توصلنا إلى شبكة من المسلمين المعتدلين (الذين يشكلون العامل الديني المطلوب للاستراتيجية الاميركية) ولكن لم ينتبه السفير الأميركي إلى أن هذا المؤتمر وأمثاله أنتج وأعاد إنتاجه شبكات الإخوان المسلمين والتي ستعمل وتتحالف مع الجميع لتحقيق هدفها النهائي في إقامة الخلافة الإسلامية.
في ألمانيا كان هناك مشروع مماثل للحوار الإسلامي البلجيكي الأميركي، فدعت القنصلية الأميركية في ميونخ في العام 2007 إلى إنشاء أكاديمية إسلامية في بلدة بنزبرغ. واعتمد الأميركان مجموعة إسلامية لإنشاء هذه الأكاديمية وهي مجموعة مرتبطة بمجموعة Milli Grous وهي النسخة التركية لجماعة الإخوان المسلمين. وعندما عارض الترخيص لها اليمين الألماني هاجمته حكومة بوش الابن ووصف يومها رامسفيلد أوربا بـ”القارة العجوز” لضعفها بمحاربة التطرف بالإسلاميين أي لأنها كانت كثيرة التشدد تجاه الإخوان المسلمين.
وحسب برقية من السفارة الأميركية في برلين، فإن الاستراتيجية الأميركية تعتمد على المسلمين للحصول على مسلمين آخرين، وليقوم المسلمون برواية الحكاية الأميركية (تعميم السياسة الأميركية) واختارت لهذه المهمة جماعة الإخوان المسلمين – وقد نشر العالم السياسي الشهير روبرت ليكن مع زميله ستيفن بروك مقالة في فورين أفيرز اعتبرا فيه أن جماعة الإخوان أقل تطرفاً. وأن على الولايات المتحدة أن لا تخاف أو تتردد في الارتباط بهذه الجماعة (الاخوان) خاصة وأنها تحقق المصلحة الأميركية بشكل جيد.
ولكن لو عرفنا أن ليكن وبروك كتبا مقالتهما نتيجة سماعهما لأحد شيوخ الإخوان وهو يخطب ويلقي خطبته في جامع لندن (طبعاً هذا الشيخ كان يعرف بوجود الأميركيين وبمكانتهما السياسية) ولم يخطر على بال الكاتبين أن الشيخ سيقول ما يعجبهما وما يلمع صورة الإخوان أمام أميركا (يقول أحد قادة الإخوان الذي انشق عنهم، أن مرشد الإخوان تلمساني قال له أن استراتيجية الإخوان تعتمد أساساً على التقرب من أصحاب السلطة والسلطان لأن في ذلك تقرب من القوة التي تساعدهم على تحقيق أهدافهم، وطبعاً أميركا قوى عظمى وتقرب الشيخ في جامع لندن لها بقوله ما يعجبها هو جزء من استراتيجية الإخوان).
وتوسع تبني الإخوان المسلمين في الانتشار لأبعد من وزارة الخارجية، وابتدأ من 2005 وعمت المخابرات الأميركية جماعة الإخوان المسلمين، ووضعت الوكالة تقريرين عن التعامل مع الإخوان المسلمين، واعتبرهم الأكثر ديناميكية واندماجاً في المجتمع وتأثيراً في المسلمين وانتقد التقريران تحفظ أوربا تجاه الإخوان المسلمين ودعا الأميركان إلى ضرورة التعاون مع الإخوان المسلمين لتحقيق العامل الديني الذي اعتمدته الاستراتيجية الأميركية في الخمسينيات ولكن بصيغة أكثر تطوراً وعملية وجدوى في تحقيق المصلحة الأميركية – والرئيس أوباما عين مساعداً خاصاً لشؤون المسلمين هو مازن أصبحي وكان ذو صلاحيات واسعة في التنسيق مع المسلمين، وأصبحي كان رئيس رابطة الطلاب المسلمين في أميركا وهي المنظمة التي يسيطر عليها جماعة جامع ميونيخ وهم تابعون لتنظيم الإخوان المسلمين، وقد استقال أصبحي عندما نشرت حقائق انتمائه للإخوان في جريدة وول ستريت جورنال، (كما أن أقرب مساعدة لوزير الخارجية كلينتون كانت السيدة عابدين والتي تنتمي لعائلة إخوانية – أبوها وأخوها من قادة الإخوان – وكانت السيناتور باكمان قد شنت حملة في الكونغرس ضد تغلغل نفوذ الإخوان في الإدارة الأميركية وطبعاً دون أن يكون هناك نتائج لحملتها تلك وهذا ما يدل على ارتباط عميق بين الإدارة والإخوان.

الخاتمة – داخل الجامع
مضى عشرات السنين على تأسيس جامع ميونيخ، ومرات مراحل كثيرة من فعالية الجامع السياسية في ألمانيا ومنها إلى أوربا وأميركا والعالم – وعبر هذه الفعالية استطاعت جماعة الإخوان المسلمين أن تؤسس تنظيمها الدولي – وبفضل مجموعة جامع ميونيخ استطاع رجالاتها إعادة إحياء تنظيم الإخوان المسلمين، كما استطاعوا تجاوز أزمة 11 أيلول وهجماتها.
ورغم أن رجالات جامع ميونيخ المؤسسين هرموا وشاخوا، إلا أن أحمد فون دنفر، ناشر مجلة الإسلام في ألمانيا، وتلميذ خورشيد أحمد ممثل الجماعة الإسلامية (النسخة الباكستانية للإخوان) والمسؤول الآن عن مجموعة ميونيخ، أحمد دنفر هذا ما زال يحب استحضار تاريخ الجامع وإنجازاته، بدءاً من جهاد المهاجرين التركمانستان وتحالفهم مع القوات الألمانية (النازية) وقتالهم ضد السوفييت وصولاً إلى التحالف مع الإدارة الأميركية وقتال المسلمين ضد السوفييت في أفغانستان وانتقالاً بعملهم للانخراط مع الإدارة الأميركية في تعميم الديمقراطية في العالم (الربيع العربي).
أحمد فون دنفر – يبدأ من فون مينده – وعمله مع وزارة الأراضي المحتلة النازية – إلى سعيد رمضان وعمله مع الأجهزة الأوربية والباكستانية والسعودية ـ إلى غالب ويوسف ندا وتعميمهم التعاون ليصل إلى المخابرات الأميركية – وكلها محطات سياسية فاعلة ومؤثرة في جماعة الإخوان المسلمين وفي تاريخ شعوب المنطقة والعالم.
(إن تاريخ جامع ميونيخ كحركة سياسية اعتمد على الدين والشعور الديني، يتضمن خلاصة مهمة ومكثفة لكثير من سياسات المخابرات النازية والتي ورثتها عن المخابرات البريطانية والأميركية، كما فيها ممارسات واستراتيجيات الإخوان المسلمين كتنظيم دولي له فروع في 80 دولة وكان عمل غيرهارد فون مينده الأكاديمي وتعاونه مع وزارة الأراضي المحتلة الألمانية النازية وأنتج النظرية التي توصي باستثمار المسلمين في الحرب ضد السوفييت، لأن العقيدة الدينية الإسلامية تعادي الشيوعية، ولأن المسلمين كانوا يعانون الاضطهاد الديني ويمنعون من ممارسة شعائرهم الدينية من قبل السوفييت – هذه النظرية تلقفتها المخابرات النازية ورسمت منها استراتيجية لتطويع المهاجرين والأسرى والهاربين المسلمين وتنظيمهم للقتال ضد السوفييت.
نظرية فون مينده واستراتيجية وزارة الأراضي المحتلة النازية تبنتها المخابرات البريطانية والأميركية، واعتمدها في حربها ضد السوفييت في أفغانستان، وبناء على هذه النظرية قام بريجنسكي مستشار الأمن القومي بالتعاون مع الأمير تركي الفيصل في تجنيد المجاهدين المسلمين للقتال في أفغانستان وكلفوا يومها أسامة بن لادن بتنظيم هؤلاء المجاهدين وتنظيم جهادهم ضد السوفييت – وهذا التنظيم هو طليعة تنظيم القاعدة.
وهكذا فإن مجموعة جامع ميونيخ التي جمعها وأسسها فون مينده والتي وجدت في تنظيم الإخوان المسلمين الإطار المنفذ والمجسد لنظرية فون مينده – هذه المجموعة انضوت بأفكارها واستراتيجيتها ضمن تنظيم الإخوان المسلمين – واستولى عليها هذا التنظيم وحول الجامع إلى مركز انطلاق للتنظيم الدولي للجماعة – وهو التنظيم الذي سيتحالف مع المخابرات النازية والأميركية، ولكنه في الباطن سيظل يعمل من تحقيق حلمه في إقامة دولة الخلافة الإسلامية.
نظرية فون مينده واستراتيجية الأراضي المحتلة وبعد اعتمادها في أفغانستان وخلق حركة المجاهدين التي تحولت إلى طالبان وثم إلى تنظيم القاعدة – بعد هذه التجربة، فإن إدارة أوباما عملت على تطوير هذه النظرية والاستراتيجية الناجمة عنها، وبعد دراسة طويلة لما (نفص سطر؟؟) وجدت المخابرات الأميركية، أن افضل طريقة لمحاربة ومكافحة المسلمين المتطرفين هي الاعتماد على المسلمين المعتدلين. ووجدت المخابرات الأميركية أن جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة معتدلة. كما أنها جماعة انتهازية، وهذا ما جعل الإدارة الأميركية تتحالف معها وتعتبرها الإدارة والذراع السياسية والحركية والعسكرية لتحقيق الاستراتيجية الأطلسية لإعادة رسم الشرق الأوسط، واعتمد جماعة الإخوان كمحرك وفاعل والمسيطر القادم على الشرق الأوسط ضمن خطة الأطلسي المسماة بـ(الربيع العربي).
في تجربة الجامع عدة عوامل رسمت مسار فعاليته في التعاون مع الغرب:
1 ـ سيطرت جماعة الإخوان المسلمين على الجامع، وتحت غطائه أسست وطورت وأعادت إحياء التنظيم الدولي للجماعة ـ وأقامت تحالفاتها مع أجهزة المخابرات الغربية من النازية إلى الأميركية.
2 ـ المخابرات النازية نظمت العمل مع الإخوان عبر تجنيدهم كمقاتلين وعبر استخدامهم في التحريض الإعلامي وأقامت الإذاعات لهم وافتتحت لهم الجوامع – وهكذا فإن الفعل الإعلامي ارتبط بالفعل العسكري وكلاهما نشأ على استثمار الدين.
3 ـ بعد انتهاء الحرب – وفي أثناء الحرب البادرة – عملت المخابرات الأميركية أيضاً على استثمار وتجنيد الإخوان المسلمين – وافتتحت إذاعة الحرية – وإذاعة أوربا الحرة – وهكذا فإن الفعل الاستخباراتي للإخوان تضافر مع الفعل الإعلامي والإسلام الوسيلة.
4 ـ العدو دائماً الشيوعية – سواء في الحرب ضد الاتحاد السوفييتي او في الحرب الباردة – أو في الحرب لتحرير أفغانستان – وضد حلفاء في كثير من البلدان التي أصابها الربيع العربي ليبيا وسورية مثلاً.
5 ـ الجامع مركز الانطلاق، ومكان التجمع والتحضير والتخطيط وليس مكان العبادة أو ممارسة الروحانيات – وهكذا فإن الجامع أصبح بيد الإخوان المسلمين هو مركز التنسيق الاستخباراتي والعميلاتي والتحريض الإعلامي. وبسبب رمزيته الدينية الروحية فإن الجامع في كل مكان لعب دوراً مؤثراً في خطط المخابرات الغربية التي استخدمت المسلمين من الحرب العالمية الثانية حتى الربيع العربي.
6 ـ دائماً استخدم الإخوان معاهد الفكر، ومراكز الدراسات، وما يماثلها كغطاء كتنظيماتهم، وجعلوا منها مراكز للتخطيط والإدارة والقيادة والتطويع ونشر الأفكار وإقامة الوسائل الإعلامية.
7 ـ التقرب من مراكز القوة والسلطة هو استراتيجية لدى الإخوان، كان قد كشفها أحد قادتهم “ثروت الخرباوي” وإذا كان أمن الدولة في مصر مركز قوة وسلطة دوليتين ويتقربون منها ويتحالفون معها – وهذا ما فعله أردوغان الاخوان منذ العام 2001 وهذا ما جرّ إليه التنظيم الدولي للإخوان – وبات الإخوان جميعهم في الحظيرة الأطلسية “مركز القوة” للسي
السهم الناري
السهم الناري
المراقب العام
المراقب العام

ذكر
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى