تكتيكات عسكريّة وأسلحة جديدة في معركة يبرود

ميشال نصر
اشعل فشل مفاوضات جنيف2 الجبهات العسكرية في القلمون في خطة من النظام لاحكام السيطرة بالكامل على المناطق المحيطة بدمشق وتأمين العاصمة، قطعا للطريق امام اي محاولات يجري الكلام عنها حول عمليات مستقبلية تنطلق من الغوطة ودرعا لوصل مناطق القلمون بالجولان ،مستفيدة من الظروف المناخية المساعدة، تحت وطأة الضغط الذي شكلته العمليات الارهابية التي تستهدف المناطق الشيعية في لبنان والتي دفعت بحزب الله الى التسريع في طلب حسم هذه المعلركة.
تختلف يبرود جغرافيا عن القصير، لجهة تمتعها بتضاريس طبيعية من جبال وأودية ومغاور، وفيها أحياء متداخلة وكثيرة. فالخطة العسكرية السورية بحسب الخبراء العسكريين تقوم على احكام الجيش السوري الخناق شمالاً من النبك وجراجير والسحل، والتقدم من جهة الشرق، من مزارع ريما التي تدور فيها الاشتباكات حالياً، أما من الجهة الجنوبية والغربية فلا يمكن حصارها، فغربا توجد منطقة رأس المعرة وفليطة وبعدها جرود عرسال، وهي مناطق شاسعة تسيطر عليها كتائب المعارضة، وجنوبا تقع جبال القلمون وحوش عرب ومزارع رنكوس، عليه فان المعطيات الميدانية تدل الى ان حصار يبرود امر صعب، الا في حال دخول الحكومة اللبنانية على خط الحرب السورية وخوضها مواجهات على طول الحدود المحازية لمنطقة عرسال والممتدة الى مسافة 70 كلم.
وبحسب خارطة الانتشار الحالية للقوى المختلفة على الارض تشكل جبهة النصرة وجيش الإسلام المتمركزين في جبال القلمون منطقة فاصلة بين مناطق سيطرة المعارضة الواقعة في الجهة الغربية لتلك الجبال وتلك التي يسيطر عليها النظام الواقعة الى الجهة الشرقية، حيث يؤمن المقاتلون المتمركزون في هذه الجبال الحماية للطريق الذي يربط يبرود برنكوس ويشكل خط دفاع أساسي عن القلمون من الجهة الشرقية.
من الوجهة العسكرية تعتبر يبرود مركز الثقل الأساسي لمسلحي القلمون، إضافة إلى مزارع رنكوس وجبهة الجبل الشرقي القريب من الزبداني ما يعني ان سقوطها يعني حكماً سقوط القلمون، فهي قاعدة الدعم اللوجستي الاساسية من مقاتلين وسلاح لكتائب المعارضة في ريفي دمشق وحمص.وبحسب التقارير يقدّر عدد المسلحين في يبرود بسبعة آلاف مقاتل يتمتعون بخبرة قتالية عالية معظمهم من جيش الإسلام، جبهة النصرة، وأحرار الشام، أما الكتائب الأخرى فمعظمها تابع للجيش السوري الحر الذين انتقلوا الى المنطقة بعد سقوط القصير، ككتائب الفاروق، ومغاوير القصير. تعتبر يبرود ومزارع رنكوس معقل جبهة النصرة، لكن الحقيقة أن شوكة النصرة ضعفت بعد مقتل الكثير من عناصرها في المعارك التي خاضوها، ففي معركة مهين وحدها سقط مئات القتلى ، فضلاً عن الكمائن التي أوقعهم فيها الجيش السوري.
من هنا يمكن رسم الخارطة الميدانية وتوزع القوى وفقا للتالي:
- تَقدّمت القوات السورية من النبك في شمال يبرود باتجاهين، الاول، نحو مزارع ريما التي تحدّ يبرود شمالاً مستخدمة المدفعية الثقيلة والدبابات للتقدّم، اما الثاني، فتمثّل في التقدُّم غرب مزارع ريما ويبرود حتى معلولا لقطع طرق الامدادات القادمة من ريف دمشق.
- شمالاً: تقدّمت القوات باتجاه مزارع ريما وقد دخلت الى اطرافها، اما الناحية الشمالية الغربية فقد دخلت القوات المهاجمة بعد الجراجير الى مدينة السحل التي تقع شمال غرب مزارع ريما ليتم بذلك محاصرة المزارع والتقدم نحو يبرود من هذا الاتجاه.
- غرباً: اتجهت القوات نحو مدينة فليطا حيث حاصرتها في شكل كامل ودخلت اليها بعد قصف جوي ومدفعي ، في محاولة لقطع التواصل مع عرسال التي تعد مخزناً استراتيجياً للمسلحين والذخائر لجبهة النصرة، وفي هذا الاطار تمكنت وحدات الجيش اللبناني من اقفال عشرة معابر حدودية ترابية تربط القلمون بعرسال، واربعة معابر معبّدة من اصل ستة سيطرت عليها القوات المهاجمة وبقي معبران سيتم التعامل معهما في الايام القادمة ،لتبقى بذلك ممرات جبهة الجنوبية مفتوحة، في خطة وضعت بالتنسيق بين القيادتين اللبنانية والسورية بحسب ما تؤكد المصادر.لهذا فان الهدف الاساسي في تلك المنطقة هو السيطرة على فليطا وعلى رأس المعرة التي تقع جنوب فليطا وغرب يبرود.
- جنوباً: تقدمت القوات باتجاه الجنوب الغربي لمدينة يبرود باتجاه مدينة عسال الورد التي يسيطر عليها المسلحون من الجيش الحر. وقد طلب المسلحون عدم قصف المدينة مع التعهد بمنع «جبهة النصرة» المسيطرة على منطقة القلمون من دخول عسال الورد ما يجنبها المعركة اسوة بما حصل في بيت سحم ويلدا.
عليه يرى المحللون أن طريق الهجوم الأساسي على يبرود سيكون من مزارع ريما،حيث يتوقع أن يكثف النظام القصف الجوي والمدفعي لإنهاك المعارضة، في ظل تقدم الجيش من الجهة الشمالية الجراجير، السحل، وهو ما تم حتى الساعة.فيما تشير التقديرات في المقابل الى استعدادات لحزب الله من جهة معربون وحام للتقدم باتجاه الجبل الشرقي على تخوم الزبداني في مواجهة مقاتلي أحرار الشام،ما سيسمح من جهة بتأمين المناطق الملاصقة للجبال الشرقية من النبي شيت والخضر وصولا الى بعلبك،حيث اشارت التقارير الى ان الحزب قام بزرع مئات الالغام والعبوات الناسفة على طول هذا الخط والممرات التي يستخدمها مقاتلو المعارضة السورية، وباسقاط خط الدفاع الاول عن بلدات وسط القلمون كعسال الورد ورنكوس والجبة،وبالتالي السيطرة بالنار على الكثير من البلدات، وقطع طرق الامداد الى يبرود.على ان تلاقي هذه المجموعات المتقدمة وحدات الجيش السوري القادمة من جهة رنكوس وتلفيتا وتلة جبعدين الاستراتيجية، والتلال المحيطة بحوش عرب ليكشف منطقتي عسال الورد والجبة ، في عملية اشغال وضغط على قوات المعارضة المتمركزة في المدينة .
وبحسب مصادر استخباراتية غربية فان القوى المهاجمة تقوم بالمناورة والتقدم والإلتفاف والحركة الدائمة ما يعرّضها لضربات القوى المدافِعة الثابتة، حيث يعمد مقاتلو المعارضة الى استعمال سيناريوهات وتكتيكات وهمية مستخدمين ذخائر خلبية غير قاتلة ما سبب بطء في العمليات الجارية المصحوبة بالحيطة والحذر دون الإلتفات الى سقف زمني معين وفي هذا الاطار تؤكد التقارير ان حزب الله يستخدم تكتيكات جديدة في بقعة جغرافية واسعة ومعقدة لتكون مثالا حاضرا في المستقبل في اي عمل قتالي ضد اسرائيل، مناورا بقوى تفوق الخمسة عشر ألف مقاتل في عملياته العسكرية الحالية، ممتلكاً المبادرة في توقيت الهجوم ونوع الاقحام ومكانه. وفي هذا الاطار كشفت المعلومات ان الحزب بدا باستخدام اسلحة وصواريخ جديدة ومتطورة منها صواريخ ايرانية الصنع تحمل اسم «سجيل» وصواريخ «بركان» كان استخدمها في القصير.في عملياته العسكرية، مستخدماً طائرات الاستطلاع من نوع «مرصاد 1» و«مرصاد- 2»، المنطلقة من قاعدة جوية عائدة الى زمن الانتداب في المنطقة الواقعة ما بين ايعات ووردين في سهل بعلبك.
وتؤكد التقارير ان الجيش السوري من جهته يستخدم تكتيكات جديدة،ترتكز على تنسيق في تحرك القوى الحليفة وادارة العمليات من خلال مراكز السيطرة والتحكم التي تنسق بين القوات البرية والجوية المشاركة،مستخلصة العبر من تجربة القصير، حيث ترجح التقارير مشاركة خبراء ايرانيون وروس متمرسون في ادارة هكذا نوع من العمليات نتيجة الحروب التي خاضوها في الشيشان وبتعاون مفتوح مع المخابرات الروسية.
في حسابات النظام تتحكم معركة يبرود بنتيجة المعركة الدائرة في ريف دمشق وبقطع طرق الامداد من لبنان والى الغوطة وحمص، وبالتالي جعل عملية وصل المناطق الممتدة من الجولان والقنيطرة مرورا بدرعا والغوطة وصولا الى القلمون امرا شبه مستحيل، كما سيسمح ذلك لحزب الله بتأمين القرى الشيعية المحاذية للسلسلة الشرقية والقضاء على احد البؤر الاساسية المصدرة للسيارات المفخخة باتجاه لبنان.
اما المعارضة فتعتبر معركة يبرود معركة فاصلة ، فسقوطها يعني خسارة الغوطة واراحة النظام على جبهة العاصمة، واقفال خطوط الامداد من لبنان والاردن.
الاكيد ان لبنان سيدفع فاتورة مرتفعة، قد تتخطى ما يدفعه جراء العمليات الارهابية، ذلك ان تلك الهجمات ستزداد مع انتقال عشرات المسلحين الى لبنان، في ظل كلام عن اتصالات لتامين ممر آمن باتجاه عرسال، كما ان البيئة الحاضنة للمجموعات الاصولية ستتمدد اكثر نتيجة الاحتقان المذهبي،يضاف الى ذلك ما سيرتبه نزوح عشرات الآلاف على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والأمني يفوق قدرة المنطقة ووضعها الديمغرافي والسياسي على الاحتمال ويحولها الى قنبلة موقوتة قابلة لتفجير المنطقة ككل.