هل تعود «بانديرا» الى الساحة الأوكرانية؟

ما إن تمّ الإعلان عن إجراء استفتاء في 16 آذار الجاري على مستقبل القرم حتى تحوّلت الأنظار من كييف الى شبه الجزيرة، في الوقت الذي وصل فيه سقف التصريحات المتبادَلة بين روسيا والغرب الى مرحلة التهديدات.
على رغم الاهتمام الدولي بما يجري في القرم، لا يزال المشهد في كييف وكبريات مدن غرب أوكرانيا مبهماً وينذر بأنّ المواجهة في الداخل لم تبدأ بعد، وتحديداً ما يتعلق بالمسألة القومية في البلاد، في اعتبار أنّ أوكرانيا بلد متعدّد القوميات، والروس يأتون في المرتبة الثانية بعد الأوكرانيين على مستوى الجمهورية، وإذا كانت موسكو تخوض نزاعاً دولياً في القرم لحماية أبناء القومية الروسية الذين لا يتجاوز عددهم المليون ونصف نسمة، ينتشر أكثر من ستة ملايين آخرين في مختلف مناطق البلاد وخصوصاً في المناطق الشرقية.
فما هي الخطوات التي يمكن أن تنتهجها روسيا لضمان أمنهم وسلامتهم والحفاظ على هويتهم الثقافية في ظلّ تنامي الحركات المتطرّفة ومنها ما يُعرف بحركة «بانديرا» ذات الأيديولوجية النازية، الامر الذي اعاد الى أذهان الروس جرائم القتل الجماعية في الحرب الوطنية العظمى.
فالروس اختبروا جيداً «بانديرا» في الحرب العالمية الثانية بعد انضمام أنصار هذه الحركة الى صفوف الجيوش الألمانية وخوضهم عمليات تصفية جماعية، ولا سيما أنّ مبادئ «بانديرا» تعتبر أنّ الأوكرانيين وحدهم ينحدرون من أصول ليس فيها تخالط مع القوميات الأخرى، وبالتالي كلّ مَن لا يحمل هذه الصفات العرقية لا يستحق الحياة، وهذا ما فعله مؤسس الحركة ستيبان بانديرا بين عامَي 1942 و1945 حينما أحرق مئات القرى الروسية في أوكرانيا، ولاحقاً في بيلاروس وبولندا، بحيث يشير الأرشيف الروسي الى أنّ حركة «بانديرا» قضت على اكثر من مليون شخص في تلك الفترة، وشاركت في جرائم كثيرة في تسعينات القرن الماضي عندما التحقت بالقتال الى جانب الإنفصاليين الشيشان ضدّ الجيش الروسي.
لا شك في أنّ هذه الظاهرة تقلق صقور الكرملين ولا سيما بعد ورود معلومات استخبارية تؤكد سيطرة «بانديرا» على مخازن اسلحة متطورة عدة في غرب أوكرانيا وخصوصاً في محافظة «لفوف»، حيث يسيطر أنصار الحركة بإحكام على مرافق حيوية كثيرة نظراً للتأييد الشعبي الذي تحظى به في ذلك الإقليم.
وتؤكد مصادر برلمانية روسية أنّ روسيا لن تتخلى عن أبناء قومياتها وستسخّر كلّ إمكاناتها لحمايتهم بما فيها العسكرية. وتكشف عن تشكيل لجنة برلمانية وسياسية تضم ممثلين عن الكتل الأربع المتمثلة في مجلس الدوما بهدف التواصل الدائم مع الروس في أوكرانيا لوضع خطة شاملة في مواجهة كل السيناريوهات المحتملة.
ولقد أثبتت التجارب السابقة على مسرح السياسة الدولية استحالة التحدث مع الروس بلغة التهديد والوعيد، ولا سيما أنّ لدى الكرملين أوراقاً كثيرة رابحة، أولها التلويح بورقة وقف زيارات فرق المفتشين الدوليين ضمن معاهدة «ستارت 3» المتعلقة بتقليص عدد الشحنات النووية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات التي وقعت منذ أربعة أعوام، وذلك رداً على إعلان الولايات المتحدة وقف تعاونها العسكري مع روسيا، الامر الذي اعتبره المراقبون إشارة واضحة الى إمكان خروج روسيا من تلك المعاهدة في حال استمرار الضغط عليها، وهذا ما بدا واضحاً من خلال اعلان دميتري روغوزين نائب رئيس الحكومة الروسية أنّ أحداً في القيادة الروسية لا يشكك راهناً في ضرورة إعادة تسليح الجيش الروسي في أسرع وقت، بعد «تهديدات صريحة» من جانب الولايات المتحدة وحلف الناتو.