«الجزيرة» تحبّ مصر ولا تنسى «مجاهدي» سوريا

طارق العبد
مع بداية الأحداث في سوريا، جعلت قناة «الجزيرة» من الخبر السوري أولويّة مطلقة، وإن تفاوت الاهتمام به بين فترة وأخرى تبعاً لميزان التطوّرات. ولكن، خلال الأشهر الماضية، انقلبت الآية، ليتراجع الملف السوري لصالح تقدّم ملحوظ للملف المصري. رغم ذلك، تبقى «الشاشة المفضّلة» لتيارات معارضة عدّة، خصوصاً الجهاديّة منها.
مع بداية الأزمة السوريّة، كرّست المحطة القطرية مساحة واسعة من فتراتها الإخباريّة والبرامجيّة لصالح ما يحدث في البلاد، وكان انحيازها واضحاً لصالح المعارضة. عبر شاشتها أطلّ من عرفوا بـ«شهود العيان»، متحدّثين عن المظاهرات. لاحقاً استعانت لتغطيتها الميدانيّة الموسّعة، بمقاطع مصوّرة عن الاحتجاجات الشعبية، وبثّتها عبر قناة «الجزيرة مباشر»، فيما اتهمت من قبل أطراف موالية بفبركة بعض التظاهرات.
ومع تقدّم عمر الأزمة السورية وبدء العمل المسلح لم تتردَّد المحطة بتدريب عشرات الناشطين الميدانيين في تركيا، ليتحولوا لاحقاً إلى مراسلين. كما أوفدت مذيعين من الدوحة إلى سوريا لتقديم سلسلة تقارير خاصّة، أبرزهم غادة عويس، ووصل بعضهم إلى ريف دمشق مثل أحمد زيدان الخبير في الجماعات الجهادية. فيما انفرد مراسلها تيسير علوني بإجراء لقاءات مع قيادات الفصائل المقاتلة في البلاد. هكذا تعرّف الناس للمرة الأولى على قادة «أحرار الشام»، و«جيش الإسلام»، و«صقور الشام» وحتى أبو محمد الجولاني أمير «جبهة النصرة». بعض هؤلاء صار من ضيوف برامج قناة «الرأي والرأي الأخر»، وذلك بفضل جهد المراسل الذي تنقل في أفغانستان، والتقى زعيم القاعدة أسامة بن لادن قبل سنوات.
ردت الفصائل التحية بمثلها، ففتحت أبوابها للفضائية الإخبارية، وأتاحت لكاميراتها حريّة التجوّل في معسكرات ومقار التدريب الخاصة بمقاتليها، وتجري لقاءات مع القادة الميدانيين، والمقاتلين على الجبهات، لتجمع مواد حصريّة لم تنلها أيّ شاشة أخرى.
تغيّر المشهد بعد التحولات على الساحة المصرية، وإطاحة حكم «الإخوان»، لتتصدّر أخبار المحروسة اهتمامات القناة. هكذا، تقلّصت مساحة الشأن السوري، وسط اتهامات للقناة بالانحياز الكامل لجماعة «الإخوان»، ودورها كأحد أدواة الصراع السعودي القطري على مصر. لكنّ النشرة اليوميّة الخاصّة بسوريا مستمرّة (الثامنة والنصف مساءً)، ولم تخفت شعبيّة القناة في الشارع المعارض، رغم لجوئها إلى استبدال مصطلحات مثل «الثوّار» بمصطلح «المعارضة المسلّحة». كما فتحت الهواء أخيراً أمام شخصيات من معارضي الداخل أمثال حسن عبد العظيم ومنذر خدام القياديين في هيئة التنسيق. كما بدأت تفرد مساحة أكبر للملفات الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، على حساب التطورات السياسية أو العسكرية.
ويبقى برنامج «الاتجاه المعاكس» أحد أبرز أعمدة تعاطي «الجزيرة» مع الملف السوري، إذ يطرح فيصل القاسم مواضيع تفصيلية ومكّررة في بعض الأحيان، مع ضيوف لا يترددون بدورهم في نسف الحوار وتحويله لصراع وحفلة شتائم لا تتوقّف. وتخصّص القناة زاوية من موقعها الإلكتروني لتغطية الحدث السوري وبشكل مستقل عن الفضائية. ويعمل على تحديث تلك الزاوية عشرات المراسلين في مختلف المناطق، وهم في المجمل ناشطون لديهم خبرة في العمل الصحافي. وتطغى على تلك الزاوية أخبار الفصائل المسلّحة، مثل نقل تصريح المتحدث باسم «لنصرة» عن صفقة راهبات معلولا، أو تصريحات لقياديين في «داعش» في الرقة وغيرها. في المحصلة إذاً، بدأ تعامل «الجزيرة» مع الملف السوري يتغيّر من الحشد الإعلامي للحراك المسلح، إلى التركيز على قضايا إنسانية بعيدة عن المواجهات، من دون أن تقطع القناة حبل التواصل مع المجموعات الجهاديَّة. رغم ذلك، يبدو الخبر السوري على هامش الخبر المصري، حيث تضع القناة كلّ جهدها في سرد رواية الإخوان المسلمين وتثبيتها، واستضافة محلّلين وشهود مقرّبين من التنظيم. يأتي ذلك وسط تقارير تتحدّث عن نيّة قطر افتتاح مشروع إعلامي تلفزيوني جديد، وسط حديث عن انتماء نموذج «الجزيرة» إلى عهد سابق في السياسة القطريّة.