حرب أمنية وتصاعد الاغتيالات بين صفوف قادة النصرة وداعش و«الحر»

يوسف المصري

لم تقتصر الحرب في سورية على العمليات العسكرية التقليدية أو حرب العصابات والشوارع، بل كانت خلف الكواليس حرب أمنية شرسة تدور رحاها في مختلف المناطق.


تلك الحرب لم تكن وليدة الصدفة، حيث سعت أجهزة الاستخبارات الغربية، والتي تشغل المجموعات المسلحة، إلى البدء بالحرب من خلال تزويد المجموعات المسلحة بتعليمات تقضي، بتعطيل وضرب البنية التحتية للجيش السوري، من خلال استهداف بعض النقاط العسكرية الحساسة، كمواقع الدفاع الجوي والمطارات، وكلفت المجموعات المسلحة بالذات في مناطق ريف دمشق بجمع لائحة بأسماء الطيارين في الجيش السوري، والحصول على أرقام هواتفهم وعناوين سكنهم وبدقة، وبالفعل نفذت عدة عمليات اغتيال لأهم الطيارين في مناطق مختلفة من دمشق، وبلغت أكثر من 19 عملية اغتيال، ما جعل الباب مفتوحاً أمام حرب أمنية وحرب اغتيالات من نوع خاص.

في هذه المرحلة، نفذت المجموعات المسلحة، بالتعاون مع أجهزة استخبارات إقليمية، اغتيال تسعة طيارين سوريين على طريق تدمر حمص، فيما ترافق ذلك مع عملية أخرى جرت في ريف دمشق، كانت نتيجتها اختطاف عدد من طياري مرج السلطان في ريف دمشق، نفذت من خلال معلومات أمنية دقيقة، وصلت عبر الاستخبارات السعودية والفرنسية للمدعو عدنان خبية أحد قادة المجموعات المسلحة في دوما. واللافت في الأمر ما سرّبته في ذلك الوقت صحيفة «معاريف» بتاريخ 14-6-2012، نقلاً عن نائب ما يُسمّى رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي للشؤون الاستراتيجية موشيه يعلون، مطالبته المجموعات المسلحة باغتيال قيادات في سورية من أجل الإسراع في تغيير النظام، بحسب تعبيره، ما دفع الجيش السوري إلى اتخاذ إجراءات احترازية والبدء بتشكيل وحدات خاصة، تتابع المجموعات المسلحة المكلفة بالاغتيالات، بالإضافة إلى استهدافها بعمليات أمنية دقيقة، ما أدى إلى شلّ حركتها بشكل كبير، توجت هذه العملية في معركة القصير، والتي انتهت في الأيام الأولى من حزيران 2013. وكانت الضربة قاسية للمعارضة المسلحة، حيث بدأ يظهر على السطح، أسلوب جديد يتبعه الجيش السوري.

الوحدة الخاصة للتعامل مع موضوع الاغتيالات في الجيش السوري، لم يتوقف عملها على تنفيذ المهام، بل تعدّى ذلك إلى التعامل مع قادة المجموعات المسلحة، وكان أهمّها، إذكاء نار الخلافات في ما بينها، وتشتيت قوتها وجهدها، ومن ثم الدفع نحو الاقتتال والاغتيالات، وهذا بالفعل ما حدث في عدة مناطق، على رغم غياب هذا الملف عن واجهة الإعلام، إلا أنّ نتائجه بقيت واضحة في عدة معارك، كان أهمها معركة القلمون وتحديداً يبرود، بعد عمليات الرصد الدقيقة لقادة المجموعات المسلحة المسؤولين عن تفخيخ السيارات وإدخالها إلى لبنان، وتفخيخ حديقة المنزل الذي كان سيُعقد فيه أحد الاجتماعات، ما أدى إلى مقتلهم جمعياً.

اصطياد قادة المسلحين عاد من جديد إلى واجهة الأحداث، بعد أن عاد الاقتتال بين مسلحي دوما، والذي جاء اثر خلاف المجموعات المسلحة على الانسحاب من المليحة، والتي اعتبرتها بعض تلك المجموعات بالساقطة عسكرياً، ما طوّر الخلاف بينهم إلى اغتيال أهمّ متزعّمي المجموعات المسلحة المدعو عدنان خبية وهو قائد ما يُسمّى سرية القيادة في «لواء شهداء دوما»، ما جعل المدينة تبدو كأنها على فوهة بركان، بالتزامن مع تقدم الجيش السوري في أطراف المليحة نحو الغوطة الشرقية. الخلافات بين المجموعات المسلحة لم تقتصر على معركة المليحة، بل توسّعت نحو الظفر بالأموال التي ترسل من دول الخليج، ناهيك عن الخلافات العقائدية بالإضافة إلى اتهامات التخوين بعد خسارتهم للكثير من المناطق والهرب منها.

ويمكن اعتبار الخلافات بين الدول الداعمة للمجموعات المسلحة في سورية، تتقاطع وتتناقض على الأرض في بعض الأحيان، ما يترجم على الأرض بخيانات المسلحين لبعضهم البعض من خلال تسريب الكثير من المعلومات المهمة عن أماكن تواجد القادة، بالإضافة إلى عمليات المجموعات المسلحة، إلى الجيش السوري عبر وسطاء، ما يدلل على نجاح الجيش السوري في حرب الكمائن التي شنها في أطراف الغوطة الشرقية ومحيطها.

ويأتي عدد القادة الميدانيين للمجموعات المسلحة المغتالين في مناطق مختلفة في سورية، أكبر دليل على نجاح التكتيك الجديد، حيث يختار الجيش السوري المطلوبين على قائمة الاغتيال بحسب أولوياته، وغالباً ما يختار القادة المتطرفين وذوي التوجه القاعدي، حيث لا يتردّد في اغتيال قيادات جبهة النصرة أو داعش وقد تزايد بشكل لافت في الأيام الأخيرة اغتيال القادة الميدانيين للمسلحين، فلا يكاد يمرّ يوم من دون أن نسمع عن اغتيال أحد من هؤلاء المسلحين، ففي الشهرين الماضيين فقط جرى اغتيال كلّ من المدعو «أبو حمزة» أمير ما يسمى تنظيم «الفاتحون من أرض الشام»، كما أعلن عن تعرّض قائد ما يُسمّى «لواء شهداء اليرموك» أبو علي البريدي لمحاولة اغتيال في كمين مسلح، وتعرّض أبو صهيب الليبي أمير ما يُسمّى «كتيبة المهاجرين» في ريف اللاذقية لمحاولة اغتيال، حيث أصيب بطلق ناري، لكنه نجا بعد خضوعه لعملية جراحية في تركيا، كما تعرّض المسؤول العسكري العام لجبهة النصرة «أبو سمير الأردني» لمحاولة اغتيال عبر زرع عبوة لاصقة في سيارته أدت إلى إصابته بالقسم السفلي من جسمه. ونذكر من القادة الذين قتلوا في عمليات اغتيال قائد ما يُسمّى «لواء اليرموك» المدعو محمد موسى الزعبي أبو خلدون والقيادي في ما يُسمّى «أحرار الشام» أبو عبيدة البنشي، واغتيال أمير الدانا في جبهة النصرة أبو عبدالله الليبي، وقبله اغتيال كمال حمامي قائد ما يُسمّى «كتائب العز بن عبدالسلام» في ريف اللاذقية، واغتيال قائد ما يُسمّى «لواء العاصفة» في الساحل يحيى العمر أبو فراس العيدو واغتيال جفين العتيبي أحد الأصدقاء المقرّبين لأسامة بن لادن وأبو مصعب الأردني وأبو البراء التونسي.

في سياق حرب الأدمغة الأمنية، تبقى أسرار كثيرة لم يتمّ الكشف عنها في الحرب على سورية، وربما لا يكشف عنها إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها، فالفشل الأمني الذي تلقته الأجهزة الأمنية الغربية ومنها الأجهزة الأمنية في الكيان «الإسرائيلي»، ستجعل من هذه الحرب مادة غنية للمؤرّخين وخبراء الحروب السرية.