الإخوان يقتلون روح مصر

تاريخ الجمعيات الأهلية فى مصر حافل، فهذه الجمعيات تكونت فى القرن التاسع عشر فى ربوع مصر كلها، ومعظمها كانت جمعيات لمساعدة الفقراء واليتامى والعجزة، وبعضها للمساهمة فى التعليم. فجمعية المساعى المشكورة فى المنوفية كانت السبب الرئيسى فى محو أمية أهل المنوفية وحصول معظم سكانها على درجات جامعية. والجمعية الخيرية الإسلامية أنشأت مستشفى العجوزة الضخم، والجمعيات القبطية أنشأت المدارس والمستشفيات والملاجئ، وكان يصرف عليها الأغنياء من أقباط مصر.
هذه النهضة الضخمة فى العمل الأهلى تنم بوضوح عن عراقة هذا الشعب العظيم فى وقت لم يكن فيه العمل الأهلى معروفاً فى هذه المنطقة. وبمرور الوقت تنامت هذه الجمعيات وانتشرت، وكانت الجمعيات الحقوقية هى إحدى شوكات المقاومة ضد النظام الديكتاتورى السابق.
وقد أُنشئت جماعة الإخوان المسلمين كجماعة أهلية دعوية فى الإسماعيلية عام 1928، وبالطبع كان الإشهار سهلاً وبسيطاً، ولم يكن أحد يعلم فى ذلك الوقت أن هذه الجمعية سيكون لها دور مهم فى الاغتيالات التى طالت الشعب المصرى كله، ثم فى حكم مصر بعد ذلك، وهذه الجمعية تريد الآن أن تضيق على إنشاء الجمعيات الأهلية بقانون ينم عن رغبة متوحشة عند الجماعة فى قتل أى شىء جميل وراق فى الشعب المصرى، حتى لو كانت جمعية لرعاية الزهور أو نقل الموتى. إنهم يعتبرون العمل التطوعى كارثة، لأنهم يكرهون الخير والحب والجمال.
تنطع بعض فقهائهم وأشادوا بأن المادة 51 من الدستور تنص على تشكيل الجمعيات الأهلية بالإخطار، لكن نص القانون المقترح يقوم بإلغاء ذلك تماماً ويضع قواعد وشروطا قاتلة تلغى تماماً فكرة الإخطار. القانون المقترح يريد السيطرة على كل شىء فى مصر، بدءاً من المنظمات الحقوقية التى يريد اغتيالها جميعاً ونهاية بالمنظمات الشبابية. إن قوانين حسنى مبارك القمعية بخصوص منظمات المجتمع المدنى تعتبر جنة مقارنة ببلطجة الإخوان وعنتريتهم.
القانون يبيح التسجيل بالإخطار، لكنه يطلب موافقة الجهة الإدارية، وهذا يعنى أن ما أعطاه باليمين يأخذه باليسار. ثم إنه يقنن وجود الدولة البوليسية بأبشع صورها فيما سماه «اللجنة التنسيقية» التى تصبح صاحبة الأمر والنهى فى تقرير مصادر تمويل الموارد للجمعيات، وكيف يمكن لهذه الجمعيات التى تراقب بالنيابة عن المجتمع المدنى هذه الجهات أن تخضع لسلطتها؟.. إنه لأمر عجيب أن توضع مادة معروف مسبقاً عدم دستوريتها تطلب من الجمعيات شهادة قيد من الجهة الإدارية، وهو ما يعنى أن كل شىء تحت أمر الحكومة، وقد أعطى مشروع القانون للجهات الأمنية والحكومة حق الاعتراض دون قيد على مصادر تنمية موارد الجمعية المالية داخلياً وخارجياً.
أما الكارثة الكبرى فهى إعطاء الحق للأمن بالتدخل والاطلاع على كل أوراق الجمعية ما يعطيه الفرصة للتنكيل بالذين يشهدون ضد ممارساته فى كل عمليات القهر والتنكيل بالمواطنين.
وبالطبع فالفوضى فيما يخص هذا القانون هى فوضى منظمة وممنهجة، وغرضها الأساسى هو لخبطة كل شىء، فقد تعمدوا تقديم ثلاثة مشروعات مختلفة لنفس القانون فى آن واحد، إنها الفوضى المقصودة.
إن ما يحدث الآن فى مصر هو خطة مرتبة لوأد كل ما يتعلق بحقوق الإنسان فى مصر، ويبقى الأمر فى يد ساكنى مكتب الإرشاد فى المقطم. الشعب المصرى يشعر بأن النظام الفاشى يطبق على أنفاسه من جميع الجهات، وأنه حتى رئيس الجمهورية يتم التلاعب به بطريقة مهينة فى موضوع قانون القضاء، حين يجتمع الرئيس مع القضاة ويتفقون على تأجيل مناقشة القانون بعد مؤتمر العدالة ثم يستمر حزب الرئيس وعشيرته فى مناقشته فى مجلس الشورى، فهذا يعنى أمراً من ثلاثة: إما أن الرئيس لا أهمية له وأنه فقط منظر، وأن القرار يصدر من المقطم، وهو ما يصدقه معظم المصريين، أو أن مجلس الشورى وأعضاءه من الإخوان والوسط هم فعلاً أعضاء عندهم من الحرية والجدعنة ما يجعلهم يقررون وحدهم، وهو أمر يعرف أصغر طفل فى مصر أنه غير صحيح، وأن هؤلاء الأعضاء يتحركون بـ«الزمبلك»، والأمر الثالث هو أن هناك اتفاقا بين الرئيس والإخوان والمجلس على أن يلعبوا جميعاً مسرحية متفقاً عليها وهو ما أستبعده.
ما حدث فى قانون القضاء سوف يحدث فى قانون الجمعيات الأهلية، نفس الملاوعة المعروفة من الإخوان وعدم صدقهم.
إن الإخوان يكرهون الشعب المصرى، ويكرهون الحرية، ويكرهون العدالة الاجتماعية، ويكرهون الكرامة الإنسانية، ويكرهون حقوق الإنسان، لأن الإنسان خارج الإخوان فى نظرهم لا يستحق أن يكون إنساناً.
سوف نقف جميعاً ضد هذا القانون الجائر الظالم الصادر من جماعة فاشية لا تعرف الحق والإنسانية.
قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.