ماذا تخسر روسيا وأوكرانيا بإنفصال دونيتسك ودونباس؟

منطقة تساهم بنسبة مقبولة في الدخل القومي العام لأوكرانيا، وضمّها سيحرمها من مواقع إقتصادية في السوق الأوروبية وسوق إتحاد الدول المستقلة، وبالتالي لا بأس أولاً باستفتاء، قد يعقبه إدخال قوات فصل روسية لفرض الأمن والإستقرار بحجة حماية المواطنين والمصالح.

ويتوقع المراقبون أن تتبع هذه الخطوة خطوات مماثلة في كلّ من خاركوف ولوغانسك.فمن الواضح أنّ حوض دونباس سيكون المرحلة الثانية بعد القرم، بل إنّ انضمامه ودونيتسك سيجعل من روسيا أمبراطورية إقتصادية قوية وضخمة. في الوقت عينه، سينتج عن الإنفصال إقليماً مشرذماً وفقيراً وتنعدم فيه سبل التنمية.

يذكر أنّ مساحة دونيتسك 26517 ألف كلم مربع، أمّا عدد سكانها فيناهز الخمسة ملايين نسمة، موزّعين على عشرين مدينة، أكبرها خاركوف، وهي من أهم المناطق الصناعية في الإتحاد السوفياتي السابق وأوكرانيا. فالصناعة تشكّل 18,5 من حجم الإقتصاد الوطني، وتساهم بـ12,5 من الدخل الوطني، وتتركّز فيها مناجم الفحم الحجري، صناعة التعدين والسيارات وفيها إحتياط غاز واعد، وعين روسيا عليه.

ولطالما كانت روسيا تعتبر شريكاً تجارياً أساسياً لدونيتسك، وهناك مصانع مهمة ترتبط بها الصناعات الروسية إرتباطاً وثيقاً، إذ يتركّز أبرزها في ماريأوبل (أكبر مصنع لانتاج الحديد وتصنيعه - مصنع ايليتش)، مصنع كيروف للمعادن في ماياكوفكا، مصانع التعدين في يناكييفو، مصنع الأنابيب في خارتسيزك ومايكوفوسك، مصنع الكيمياء والكوك في أفدييفو، وماري أوبل وغارلوفكو، ودونيتسك وكراماتورسك، وفي كل هذه المدن اليوم تدور رحى أعمال عسكرية دموية.

أمّا مردود مقاطعة دونيتسك في الموازنة العامة لأوكرانيا، فيُقدّر بـ 42 مليار دولار (احصاءات 2013)، ما يوازي مردود جمهوريات في الإتحاد الروسي كتاتارستان وسفيردلوفسك وكراسنودارسك.

والسؤال الذي يطرح نفسه، ماذا تخسر أوكرانيا بالإضافة الى المدن العشرين التي تتشكّل منها المقاطعة أو الجمهورية الجديدة؟

في حال لم تستطع أوكرانيا بسط نفوذها على القسم الشرقي في دونيتسك ولوغانسك وخاركوف، حيث المشاعر المؤيدة لروسيا قوية جداً، ستخسر كييف نحو 23 في المئة من معدل الدخل القومي العام (صناعة،سياحة،زراعة)، 85 في المئة من انتاج الفحم،45 في المئة من انتاج الغاز الطبيعي، 33 في المئة من الإنتاج الصناعي.

في ضوء ذلك، فإنّ عدداً كبيراً من مصانع هذه المقاطعات ستصبح ضمن نطاق الهيمنة الإقتصادية بعيد الإستفتاء، وهي:

- خاركوف: ستخسر أوكرانيا أكبر مصنعاً للنقل وعربات النقل (الكتروتيجماش)، مصنع الطائرات (تورب أتوم)، وأكبر سوق في أوروبا الشرقية للصناعات المحلية «بارابوشوفكا». والجدير بالذكر أنّ خاركوف تحتلّ المرتبة الثانية في إستقطاب الرساميل والإستثمارات.

- دونسيتسك: عاصمة المال والإستثمارات بعد كييف. يوجد فيها أكثر من مئتي شركة صناعية ضخمة هي الأهم على مستوى أوكرانيا، بينها إتحاد الصناعيين في دونباس، ودونيتسك ستال (الحديد الصلب) ومصنع الصناعات الكهرومعدنية.

- لوغانسك: بانضمام لوغانسك سينضمّ الى روسيا أكبر مصانع انتاج الوقود والطاقة والتدفئة (لوغانسك تيبلوزافود، معدل أرباحه 211 مليون دولار سنوياً )، هناك نحو ثلاثين مؤسسة ومصنع بين الأهم على مستوى البلاد، ثلثها متخصص في صناعة السيارات والمحركات.

- ماري أوبل: أهم المدن الصناعية في مجال العربات الثقيلة والجرافات والسيارات والمعدن الصلب، فيها أهم مصنع للسيارات «أزوف ماش»، والمتخصص أيضاً في تصليح السفن، حيث يوجد أهم المرافئ الصناعية البحرية للتصدير.

- سلافيانسك: وهي أكثر المدن التي تشهد مواجهات في الفترة الأخيرة الى جانب كراماتورسك، وتتركّز فيها صناعات التعدين والسيارات والشاحنات، الصناعات الكيميائية وصناعة الملح، هي عقدة المواصلات الأهم التي تربط شرق أوكرانيا بغربها.

في سلافيانسك أهم آبار استخراج الغاز الطبيعي، والذي تتغذى منه دونيتسك وخاركوف باحتياط، يُقدّر بأربعة تريليونات متر مكعب من الغاز، في حين تبلغ نسبة الإستثمارات في هذا القطاع نحو سبعين مليار دولار. وتمّ توقيع اتفاق مع شركة «شيل» البريطانية للمساعدة على حفر واستخراج الغاز من 15 بئراً، واليوم أصبح مصير هذا العقد مهدداً.

ويؤكّد المراقبون أنّ هدف روسيا من إثارة كل الصراع هو بالتحديد ليس حماية المواطنين الروس، بقدر ما هو نسف هذه الإتفاقية حول آبار اوزفسك، التي تشكّل خطراً على كل العقود الروسية الموقّعة من قبل غازبروم، والتي تصدّر الغاز الروسي الى أوروبا. كذلك، يوجد في سلافيانسك أهم مصانع المعدات والإلكترونيات المتعلقة بالفضاء والمركبات الفضائية.

- غارلوفكا: توجد فيها أهم مناجم الفحم وأهم مصنع للسماد «ستيرول»، وأهم مصنع لانتاج الفودكا في أوكرانيا «بياديرا»، بنسبة أرباح تصل الى 600 مليون دولار سنوياً .

- ماكايوفكا : أهم المدن في صناعة المعادن والفحم الكوكس.

- أرتيومافسك: تشتهر صناعة النبيذ بأرباح تصل الى أربعة ملايين دولار.

- ألتشيفسك: يوجد مصانع تعدين تساهم في نصفها رؤوس أموال روسية، وفيها أهم المناجم سادوفايا بأرباح سنوية تصل الى 14 مليون دولار.

- ستاخانوف: يوجد فيها أهم مصانع للقطارات والمقطورات بأرباح تصل الى 600 مليون دولار سنوياً، ومصنع ستاخنوفسك للسيارات.

- دروجافكو: مدينة تنتشر فيها صناعة السيارات وآلات حفر الآبار والمصاعد المخصصة للمناجم ومصانع للأدوات الكهربائية.

- خارتيزسك: يوجد فيها أهم مصانع الأنابيب الضخمة المعدنية على مستوى الاتحاد السوفياتي السابق المخصصة لنقل الغاز والنفط.

- سيفرودونيتسك: مدينة تنتشر فيها الصناعات الكيماوية والأزوت.

- أدفييفكو: فيها أكبر مصنع في انتاج الكوكس والكيمياء على مستوى أوروبا، ومصانع متخصصة في صناعات البناء والصناعات الحربية والتجريبية.

- توريز: أهم المدن في انتاج الفحم الحجري،غالبية المناجم أقفلت، لكنّها لا تزال حوضاً مهماً لانتاج المعادن الملونة وصناعة الجسور الجاهزة.

- كراماتورسكك: تنتشر فيها مصانع إنتاج آلات استخراج الفحم والغاز والتنقيب وعربات للنقل وغالبيتها تصدر للخارج، ويعتبر مصنع نوفوكراموتورسك كأهم مصنع على مستوى اوروبا، ونصف الانتاج يصدر الى روسيا، اضافة الى مصانع تذويب الحديد وصناعة ادوات الجر والضغط والاختبارات.

- كانستنيفكو: عقدة مواصلات وشبكات القطارات في أوكرانيا تنتشر فيها مصانع للزجاج والبلور.

- كراسنوارمايسك: يوجد فيها احتياط كبير من الفحم الحجري وأهم منجم للفحم، وهو كراسنو ليمانسكي.

هذه المقاطعات والمدن لن تتخلى عنها روسيا ببساطة. وبالتالي تدهور العلاقات بين البلدين سيهدد الإستثمارات الروسية، مما يتطلّب تدخل موسكو لحماية المصالح تحت شعارات في ظاهرها موجّهة ضد حكومة كييف الجديدة، وفي باطنها مسعى لعدم خسارة هذه المنطقة الغنية بالمواد الأولية، لكنّ ذلك لن يرضي كييف ويجعلها تناضل حتى الرمق الأخير لتفادي فقدانها هذه المنطقة الحيوية لها.

يشار الى أنّ قطاعات واسعة من الإقتصاد الروسي مرتبطة بهذه المصانع باعتبارها تُصدّر 50 في المئة من انتاجها الى السوق الروسية، من هنا يأتي اقتراح الفدرلة كإقتراح يناسب روسيا، وفي حال أصرّ الغرب على رفضه لنتائج الإستفتاء، ما لا يمكن أن ترضى به كييف بأي حال من الأحوال، الأمر الذي سيزيد من حجم المواجهات العسكرية.