المليحة.. بوابة الغوطة الشرقية في قبضة الجيش

عمر معربوني

المليحة، بوابة الغوطة الشرقية، في قبضة الجيش العربي السوري. هو التوصيف الاكثر دقة لحال المليحة في هذه الايام، فقد استطاع الجيش السوري خلال فترةٍ زمنيةٍ لم تكن بقليلة، وفاقت أكثر من مرة ما كان متوقّع في الخطط الموضوعة لتحريرها، وخلافاً للمعلومات التي يتداولها البعض عن قرب إعلان المليحة منطقةً آمنة، تفيد آخر المعلومات الواردة من أرض المعركة أنّ الجيش العربي السوري قد أحكم طوقه حول المدينة من كل الجهات ويقاتل المجموعات الاخيرة المتبقية في آخر أحياءها، بينما انسحب منها عددٌ كبيرٌ جداً من الجماعات المسلحة تحت ضغط هجمات الجيش ومجموعات المهام الخاصة من قوات النخبة السورية وحزب الله.

وفي عرضٍ سريعٍ لواقع المليحة وتأخر الحسم فيها، سنتان ونصف هو الوقت الذي بقيت فيه بوابة الغوطة تحت سيطرة المسلحين وما زالت حتى لحظة كتابة هذا التقرير، هذه الفترة سمحت للمسلحين، نتيجة إدراكهم لأهمية هذه المدينة، بإقامة أكبر شبكةٍ من الانفاق المتداخلة والمعقدة والمجهزة تجهيزاً هندسياً عالياً، بالإضافة الى خندقة الأرض وإقامة أشراكٍ مكونةٍ من العبوات الكبيرة والألغام المضادة للدروع والافراد. كما عثر الجيش العربي السوري في المدينة على قناصاتٍ مزودةٍ بكاميرات حرارية مركبة
على سطوح الابنية ويتم تشغيلها عن بعد من الطوابق الارضية لهذه الابنية.

وفي عملية إنزالٍ خاصةٍ لا تزال تفاصيلها خارج التداول الإعلامي، استطاعت قوةٌ خاصةٌ من الحرس الجمهوري بين البلالية والنشابية أن تأسر عدداً من القياديين العرب الذين يديرون المعارك في الغوطة الشرقية، مع مصادرة أجهزةٍ الكترونيةٍ خاصةٍ ووثائق هامةٍ وخرائط، وسمحت هذه العملية للجيش العربي السوري بالحصول على معلوماتٍ بغاية الأهمية تمّ استثمارها في العمليات اللاحقة في المليحة.

يمكننا القول إنّ هذه المدينة كانت الأصعب على الجماعات المسلحة، حيث سقط لهم تسعة من كبار قادتهم، الأمر الذي أثّر على روحهم المعنوية وأدائهم الميداني. «لن نستصرخ أحداً و لن نتباكى وننادي.. هذا هو واقع بلدتنا، صمود مجاهدين وتقصير قيادات و تشكيلات عسكرية»، هذا ما كتبته إحدى التنسيقيات، وكالمعتاد فهم يضطرون في كل مرّةٍ لإعلان هزيمتهم.

لا شكّ أنّ تحرير المليحة وإعلانها آمنةً مرتبطٌ ببيانٍ صادرٍ عن قيادة الجيش العربي السوري، الذي لم يلتفت في أي مرةٍ الى ما تتداوله وسائل الاعلام حول عملياته، بل يعتبر أنّ كل المصطلحات والتوصيفات الاعلامية لا تتطابق البتة مع طبيعة الميدان وحاجاته المرتبطة بتقدير الموقف واتخاذ القرار، فالمليحة هي جزءٌ من معارك "البوابات" التي بفتحها يصبح الدخول الى المساحات الخلفية أكثر سهولةً، وهذا ما حصل في أغلب المعارك التي خاضها الجيش السوري منذ تحرير القصير.

يترافق ضغط قوات الجيش العربي السوري على المليحة بتنفيذ هجماتٍ متتاليةٍ على جوبر التي يعاني فيها المسلحون وضعاً صعباً، حيث يفقدون يومياً أنفاقاً يتحركون فيها ويقاتلون من خلالها، وكذلك في حرستا كما حصل اليوم، حيث اكتشف الجيش السوري نفقاً طوله 300 متر وقام بتدميره.

لكن، مع سقوط المليحة وجوبر الذي صار مؤكداً ووشيكاً، هل سيقاتل زهران علوش متزعم جيش الاسلام في دوما، آخر وأقوى معاقل المسلحين في الغوطة الشرقية، أم سيفرّ كما هي عادته في كل معركةٍ على ذمة المجموعات الأخرى، ومنها جبهة النصرة التي وجّهت له أكثر من مرةٍ تهمة التخاذل ووصفته "بأبو بدر"، إحدى شخصيات باب الحارة؟؟ أم أنّ دوما ستعمد إلى اتخاذ القرار الحكيم بفضل وجهائها، عبر اتخاذ القرار الشجاع والدخول في مصالحةٍ تجنب المدينة المزيد من الألم وتعيدها الى حضن الوطن كما جرى في أكثر من منطقة؟؟

قد تكون الساعات أو الأيام المقبلة شاهدة على سقوط معقلٍ آخر من معاقل الجماعات المسلحة ضمن سلسلة التهاوي المتتالي الذي يشهده الميدان السوري، فلننتظر.
*ضابط سابق ( خريج الاكاديمية العسكرية السوفياتية) .