اليوم التالي... للثالث من حزيران

عبد السلام حجاب
يبدو أنه بات منطقياً بصورةٍ حاسمةٍ التأكيد على أن يوم الثالث من حزيران الجاري لن يكون كما قبله، وهو ما أكّده ملايين السوريين داخل الوطن وخارجه، باختيار الدكتور بشار حافظ الأسد رئيساً للجمهورية العربية السورية، وقائداً للمشروع الوطني المقاوم من أجل بناء سورية المتجدّدة على أسسٍ من الديمقراطية والتعددية التي كان سبق أن أعلن عنها في برنامج العمل السياسي الوطني منذ الأسبوع الأول من العام الفائت 2013.
في ضوء ذلك، وبعد أن حسم ملايين السوريين بقرارٍ وطني وإرادة ثابتة الطريق للعبور إلى مستقبلهم المتجدّد، فقد بات من حقّهم تحديد أسس اليوم التالي الذي أعقب يوم النصر الكبير، ولاسيما أنّ أطراف الحرب على سورية التي خطّط لأجنداتها وحدّد سيناريوهات العمل التنفيذي والإستراتيجي لها الحلف الأميركي الصهيوني، قد أفسح في المجال لمجموعات عملٍ مخابراتية غربية وصهيونية وبعض البيادق العربية من أجل إعداد مئات آلاف الصفحات، وأنفقت في سبيلها مئات الملايين من الدولارات، وذلك تحت عنوان «اليوم التالي» الذي أعدّوا وحشدوا له الآلاف من الإرهابيين والعملاء والخونة الضالعين في سياق المؤامرة، لكنّها تحوّلت بعد يوم الثالث من حزيران التاريخي إلى نفايات قد تساعدهم ربّما في التدفئة حين يأتي الشتاء، وهو ما يجعل من إشارة الدبلوماسي الروسي لوكاشيفتش لها دلالة هامة حيث وصف الانتخابات الرئاسية في سورية بأنها حدث مهم جداً.
ولعلّ من أبرز سمات اليوم التالي الذي أراده السوريون وقرّروا سماته الرئيسية هو:
1- إنه يوم تمّت فيه تعرية أولئك الذين روّجوا لأنفسهم وخدعوا بعضهم والعالم حين جرى تقديمهم عبر مواقع أمنية وأجهزة استخباراتية دولية، ومنظّمات وضعت نفسها في موقع العداء للشعب السوري، على أن هذا النفر الضال والمضلل يمثّل الشعب السوري، وبذلك فإنّ يوم زحف ملايين المواطنين السوريين إلى صناديق الاقتراع قد أسقط القناع عن تلك الشرذمة التي أصبحت بنظر السوريين والعالم مرتكبة لجريمة انتحال الصفة؟!
2- لقد سقطت أميركا والغرب المتحالف معها والبيادق الأخرى التي يديرها الموساد الإسرائيلي في تركيا والسعودية وقطر، وذلك بحديثهم الاستباقي عن الشرعية، وكأنّما هذه الشرعية لباس مستورد يتم التفضّل بمنحه هذه الجهة أو تلك، متجاهلين بسبب تقليد متّبع لديهم أو عن غباء سياسي وأخلاقي أو عن إحساس فائض بالقوة الهمجيّة، حقيقة أن الشعب في أي بلدٍ من العالم هو الوحيد الذي يمنح الشرعية لمن يختاره ويدافع عن حاضره ومستقبله ويتمسّك بحقوق بلده، ويدرك جيداً أن مسألة محاربة الإرهاب ودحره تشكّل دفاعاً عن مبادئ القانون الدولي وحماية لقراراته بالأمن والسلام الدوليين، ولقد جاءت نتائج الانتخابات الرئاسية لتؤكّد هذه الحقيقة..!؟
3- لقد بات من المخجل والعار اللاحق الاستثمار الدامي في سياسة المعايير المزدوجة التي تعتمدها أميركا وحلف الحرب على سورية في تعاملها مع الأزمة في سورية بحيث لم يعد ينطلي على أحد الرقص على حبال الأزمة بقصد إطالة أمدها أو المراهنة على احتماليات تداعياتها داخلياً وبالتالي وخارجياً، ولعلّ ما أدلت به الوزيرة كلينتون التي تحدوها الرغبة في الترشح إلى منصب الرئاسة في بلدها من أن الرئيس أوباما لم يكن يقدّم السلاح كما يجب لدعم الإرهابيين في سورية، على حين جاءت مسؤولة الأمن القومي الأميركي رايس لتدحض هذا القول مؤكدّة أن الرئيس أوباما قدّم السلاح الفتّاك وغير الفتّاك لمن أسمتهم «المعارضة المعتدلة» في سورية، وقد لا يكون إلا من قبيل تحصيل الحاصل حين يقول الوزير كيري في بيروت أن محصلة الانتخابات في سورية هي صفر، الأمر الذي فنّده السيد حسن نصر الله، بالقول:إنّهم ملايين السوريين.. وهؤلاء ليسوا صفراً، بل إنهم موقف وإرادة وقدرة على الصمود!؟؟
4- لقد أكد ملايين السوريين بانتخابهم الدكتور بشار الأسد رئيساً لسورية وقائداً لمسيرة نضالهم الوطني المقاوم، أن مواجهتهم للإرهاب لن تتوقّف حتى دحرهم عن كل بقعة من الجغرافية السورية واثقين في الوقت نفسه من انتصارهم اللاحق في اليوم التالي، وهو ما يشهد ترجمةً عملية له في ميدان العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تشكّل فيه المصالحات الوطنية، أحد أهم محاور العمل الداعم للميدان العسكري في مواجهة الإرهاب التكفيري المسلّح واجتثاثه من جذوره، ولعلّه بات من المستحيل أن يلوذ المجتمع الذي تقوده أميركا لحساب مصالحها المشتركة إلى جانب الكيان الإسرائيلي بصمت مشبوع يصبّ في خانة الجماعات الإرهابية المسلّحة التي باتت جرائمها قريبة جداً من الحضن الأوروبي، كما لن تكون في أي حال بعيدة عن الحضن السعودي والقطري والتركي، الأمر الذي ينذر بمخاطر تتطلّب من رعاة الأمم المتحدة ومجلس الأمن اتخاذ الخطوات الواجب اتخاذها إزاء مكافحة الإرهاب وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بهذا الخصوص، وهي قرارات تلزم الدول الراعية والمدافعة والمموّلة والداعمة لهذا الإرهاب بإعلان قرارات غير خجولة ولا تغطي أجندات خاصّة لتصفية الحسابات أو أن تراهن على جانب من الإرهاب تحت تسميات يدحضها الواقع بكل قوّة.
أخيراً فإنّه إذا كان البعض يراهن على أن بيان جنيف يعني استبدال النظام في سورية بنظام آخر على قياسه تريده أميركا وأطراف المؤامرة على سورية، فإن مثل هذا الرهان قصير النظر قد سقط إلى غير رجعة، ولعلّ هذا ما تأكّد في جنيف2، قبل أن تجعله نتائج الانتخابات الرئاسية وفوز الرئيس بشار الأسد بنتائجها التاريخية التي تجاوزت 7ر88%، أحد أهم حقائق اليوم التالي، أما إذا كان هنالك من بقي يبني حساباته على أساس من النفاق السياسي والتكاذب المفضوح والمعايير المزدوجة التي فقدت الكثير من تأثيراتها في عالم جديد متعدد الأقطاب، ناهيك عن رهاناته المحملّة بالفشل، فإنّه لا شك سيكون خارج التاريخ ووقائعه أو أنه مأجور قبل بكيسٍ من الفضة وبات في حكم العدم.